بعد ليلة دامية من المواجهات المسلحة بين أنصار “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، ومجاميع تتحدث مصادر عن إنها تابعة لـ “الحشد الشعبي”، وموالية لتحالف “الإطار التنسيقي“، وبعد توجيه الصدر لأنصاره بالانسحاب التام وإنهاء حتى الاعتصامات السلمية، أنهى “الإطار” من جهته اعتصامات أنصاره من على الجسر المعلق الرابط بين منطقة الكرادة، والمنطقة الخضراء معقل الحكومة والمقار الدبلوماسية وسط بغداد.

الإطار، وجه أنصاره بإنهاء الاعتصام في بيان تلقاه موقع “الحل نت” اليوم الثلاثاء، وقال: “نحيي صبركم وشجاعتكم وثباتكم في ساحة اعتصام الدفاع عن الدولة، والشرعية طيلة الأسابيع الماضية، برغم كل التهديدات التي تعرضتم لها، لاسيما خلال اليومين الماضيين“.

وأضاف، أن “موقفكم الوطني الشجاع هذا يُضاف إلى سجل مواقفكم المشرقة التي وقفتموها بالدفاع عن الوطن، والدولة أمام كل هجمات الإرهاب والفوضى، فعودوا إلى منازلكم سالمين غانمين وكونوا دوما على اتم الجهوزية لنلبي نداء الوطن حال استصراخه لنا“.

اللجنة المنظمة لـ “تظاهرات الشعب يحمي الدولة”، شكرا في ختام البيان “الشعب والقوات الأمنية التي أبدت تعاونا كبير، وأمن الحشد الشعبي الذين دفعوا بصدورهم الشر عن المعتصمين، إضافة إلى العشائر التي لبت نداء الوطن والدولة، وكل من لبى وحضر واعتصم ودعم، لاسيما الأعزاء جماهير الحشد والمقاومة واعلامهم الفذ“.

يأتي ذلك بعد تحول اعتصامات “التيار الصدري”، داخل المنطقة الخضراء – شديدة التحصين-، إلى مواجهات مسلحة مفتوحة بين “سرايا السلام”، الجناح المسلح للتيار، وعناصر من أمن الحشد وحمايات المسؤولين داخل الخضراء، وعناصر من قوات الأمن الخاص المكلفة بحماية المنطقة، وعلى إثر رد التيار على عمليات تفريق لأنصاره الذين اقتحموا القصر الحكومي أمس الاثنين، وباقي مرفقات الخضراء بعد إعلان زعيمهم اعتزال العمل السياسي، ما أدى لسقوط عدد من الضحايا.

من جهته، أصدر رئيس الوزراء الأسبق، وزعيم ائتلاف دول القانون وأحد أبرز قادة تحالف “الإطار”، نوري المالكي، والذي كان الشرارة بنزول أنصار الصدر إلى الشارع، واقتحام الخضراء وتعطيل عمل البرلمان من خلال الاعتصام داخله وبمحيطاته منذ الـ 30 تموز/يوليو الماضي، أول تعليق له حول الأزمة منذ تحولها لمواجهة مسلحة.

المالكي وفي بيان له، تلقى موقع “الحل نت“، نسخة منه اليوم الثلاثاء، قال إنه “لم يبق مبدأ أو مقولة وطنية لم يصرح بها السياسيون من جميع القوى الوطنية، ولكن يطيب لي التذكير بالمعطيات التالية؛ أولا، أن القوة لا يمكنها ان تفرض واقعا سياسيا يكره الآخرين على المضي وفق بوصلتها، وثانيا أن من يشعل الحرب ليس هو من يوقفها أو يتحكم بمساراتها، كما ليس هو من يجني ثمارها، بل أن هناك مؤثرات داخلية وخارجية، هي من تبدأ بتحريك المشهد الدموي أو توقفه“.

https://twitter.com/llyy220022/status/1564609259157032960?s=21&t=oITOLbZBZGgf4r0fS2Y_QA

اقرأ/ي أيضا: العراق.. الصدر يأمر أنصاره بالانسحاب وتأجيل النظر بدعوى حل البرلمان

المالكي يجدد تذكير الصدر بالدستور

المالكي وبحسب البيان، تابع بالقول: “ثالثا، أن الجميع تعاهدوا على حفظ النظام السياسي والعمل تحت مظلة الدستور والقانون، وعلينا أن ندين أية ممارسة خاطئة من أي طرف منا دون مجاملة ومواربة، ورابعا، أن مؤسسات الدولة الشرعية لها كامل الحصانة والاحترام وفق القانون، وأن الاعتداء عليها جريمة كبرى تعاقب عليها القوانين، وتعد نسفا وتخريبا للحياة السياسية، وتجاوزا على الديمقراطية التعددية“.

خامسا، أشار إلى أنه “تكفينا تسعة عشر عاما من سياسات العنف والخصام بين هذا المكون أو ذاك وبين تلك الجهة السياسية وتلك، لم يجن الشعب العراقي منها غير الألم والمعاناة والاحتراب وضياع فرص البناء والتقدم، وأن من يضع العراق في قلبه وعقله، لابد له من أن ينسجم مع هذه القناعة، والادعاء ويلتزم السياقات الدستورية في خطواته السياسية، ويحتكم إلى منطق العقل، والمصلحة الوطنية والشرعية، ويخضع لحكم الدستور الذي تترجمه السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية“.

أما سادسا، أكد المالكي أن “الشعب مصدر السلطات، فأين هو في ثقافة ومنطلقات القوى السياسية، أم أنه لافتة مغرية ومنصة لبلوغ الغايات الشخصية والفؤية، فيما أن المطلوب من الشعب أن يحاكم وينتقد الممارسات الخاطئة، وغير القانونية على ضوء الوعي الدستوري لديه“.

سابعا وأخيرا، بين رئيس ائتلاف دولة القانون، أنه “بقي ما نقوله دوما ونلتزم به كجزء بنيوي من ممارساتنا السياسية، وهو الابتعاد عن العنف والقوة اللاقانونية، والخروج على النظام وتخريبه، ولابد للقوى السياسية جميعها سواء كانت ممثلة بالحكومة، أو معارضة، من الاحتكام لمقررات صوت الشعب الذي يختزله مجلس النواب الشرعي عبر قراراته وقوانينه ومواقفه“.

إضافة إلى، “الالتزام بأحكام السلطة القضائية والمحكمة الاتحادية باعتبارها الفيصل الدستوري في الخصومات، والتعاطي مع السلطة التنفيذية باعتبارها مسؤولة عن تنفيذ القوانين، ورعاية مصلحة الشعب فيما يصبو إليه، باحترام مؤسساتها وقراراتها، وهذه هي الكلمة السواء التي علينا أن نجتمع عليها بكل انتماءاتنا وهوياتنا المختلفة“.

المالكي اختتم بيانه، بتوجيه شكره إلى “الحشد الشعبي والتزامه وانضباطه وعدم تعامله بانفعال مع الأزمات، في وقت تمثل أمامنا تضحيات الآلاف من أبنائه في رد الهجمات البربرية الداعشية على العراق، فضلا عن أبناء القوات المسلحة وانضباطهم بمواجهة الرصاص والصواريخ التي لا تميز بين رجل وامرأة وطفل“.

يأتي ذلك، بعد أن أمهل زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر أنصاره ساعة للانسحاب تماما من أمام البرلمان وإلغاء اعتصامهم، مقدما اعتذاره للشعب العراقي الذي اعتبره “المتضرر الكبير مما يجري“.

اقرأ/ي أيضا: المشهد السياسي المقبل في العراق بعد انتهاء الاعتصام الصدري

الصدر ينتقد تصرفات أنصاره

انتقد زعيم التيار الصدري في مؤتمر صحفي أقامه في محل إقامته بمدينة الحنانة، في محافظة النجف، ظهر اليوم الثلاثاء، وحضره مراسل “الحل نت”، ما أسماه “ثورة التيار الصدري”، كما انتقد “ثورة تشرين” من قبل، وفق تعبيره، وقال إن التيار الصدري منضبط ومطيع، وإنه سيبرأ منه إذا لم ينسحب من أمام البرلمان خلال 60 دقيقة.

كما شدد على أنه ،“لو جرى حل الفصائل من قبل كما طالبنا مرارا لما وصلنا إلى المشهد الحالي“، مؤكدا أن “العراق بات الآن أسيرا للفساد والعنف“، وأن “أفراد الحشد الشعبي لا علاقة لهم بما يحدث على العكس من قادة الحشد الذي قد يكون لهم ارتباط بما يحدث“.

وقدم مقتدى الصدر، اعتذاره للشعب العراقي الذي وصفه “بالمتضرر الكبير مما يجري“، كما شكر القوات الأمنية التي وقفت موقف الحياد مع كل الأطراف.

بالمقابل، سريعا ما استجاب أنصار “التيار الصدري”، للانسحاب من محيط المنطقة الخضراء بعد كلمة زعيمهم، وعادت الحياة إلى طبيعتها في أغلب مدن العاصمة بغداد، بعد أن أعلنت قيادة العمليات المشتركة إلغاء حظر التجول من عموم البلاد، وإعادة الطرق الرئيسية المؤدية إلى المنطقة الخضراء.

أحداث جاءت على خلفية إعلان مقتدى الصدر، يوم أمس الاثنين، اعتزال العمل السياسي نهائيا، وإغلاق المؤسسات التابعة له، وذلك بعد يومين من تقديمه مقترحا بتخلي جميع الأحزاب عن المناصب الحكومية، لحل الأزمة السياسية في العراق.

بعد ذلك مباشرة، توجه أنصار “التيار الصدري”، المعتصمين داخل المنطقة الخضراء منذ أكثر من أربع أسابيع، إلى القصر الحكومي واقتحامه بأعداد كبيرة ما أثار حالة من الفوضى الأمنية التي تحولت إلى استخدام الرصاص الحي، وقنابل الدخان، والغاز المسيل للدموع من قبل قوات الأمن، وأفراد يعتقد أنهم تابعين لأمن “الحشد الشعبي“، ما تسبب بوقع عدد من الضحايا بين قتيل وجريح.

ما أدى لنزول عناصر “سرايا السلام”، الجناح المسلح التابع للتيار الصدري، إلى الشوارع والتوجه إلى المنطقة الخضراء للدفاع عن أنصارهم، لتتطور الأحداث لاشتباكات مسلحة استخدمت فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، استمرت حتى صباح اليوم الثلاثاء.

نتائج صراع الصدر و“الإطار”

الأحداث تسببت بمقتل نحو 30 شخصا، وأصيب 700 آخرون جراء الاشتباكات التي شهدتها المنطقة الخضراء، بينهم 110 من أفراد القوات الأمنية، وفق إحصائية غير رسمية وغير نهائية.

في غضون ذلك، كانت جماهير “التيار الصدري”، قد خرجت إلى الشوارع في أغلب المحافظات الجنوبية، والسيطرة على مباني الحكومات المحلية، وإحراق مكاتب الأحزاب التي تنخرط في تحالف “الإطار”، المتمثلة بحركة “عصائب أهل الحق”، بزعامة قيس الخزعلي، وتحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، ومكاتب حزب “الدعوة” بزعامة المالكي.

فيما تطورت الأحداث بمحافظة البصرة، إلى مواجهات مسلحة لم تستمر طويلا بين أطراف موالية “للإطار”، وعناصر “سرايا السلام“، في حين تمت السيطرة من قبل الصدرين على منبى محافظة ديالى.

مشهد دفع السلطات العراقية إلى إعلان حظرا شاملا للتجول في عموم البلاد، وتعطيل الدوام الرسمي في مؤسسات الدولة لليوم الثلاثاء، قبل أن تعود قيادة العمليات المشتركة لتعلن رفع الحظر بعد كلمة الزعيم الصدري.

يأتي ذلك بعد أجواء مشحونة عاشتها العاصمة العراقية، بغداد منذ الثلاثاء الماضي، على خلفية محاولة متظاهري “التيار الصدري”، نقل اعتصاماتهم من محيطات البرلمان، إلى أمام مجلس القضاء الأعلى، بمحاولة للضغط على المحكمة لإصدار قرار بحل البرلمان.

 ما دفع القضاء إلى تعليق نشاطاته كافة والمحكمة الاتحادية، واتهام أشخاص بـ “التيار الصدري”، بتهديد المحكمة الاتحادية من خلال الهاتف، وإصدار مذكرات قبض بحق ثلاثة من القيادات الصدريين، ليوجه زعيم التيار، أنصاره بالانسحاب بعد ساعات.

ويعتقد زعيم “التيار الصدري”، وأنصاره، أن القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية طرفا رئيسا في المعادلة بالانحياز إلى الطرف الثاني من الأزمة المتمثل بتحالف “الإطار التنسيقي“، من خلال إصدار قرارات تخدم مصالحهم، وهي من ساهمت في فشل مشروع التيار، وحلفائه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، وتأزم الوضع.

اقرأ/ي أيضا: توترات أمنية جديدة في العراق.. ما الذي يحصل؟

سياق التدافع بين “الصدر و“الإطار”

هذا التصعيد الصدري في الموقف، جاء بعد أن أمهل مقتدى الصدر، القضاء العراقي، في نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر، مهلة حتى 18 آب/ أغسطس الجاري، لإصدار حكم قضائي بحل البرلمان الحالي، غير أن القضاء رد بأنه لا يملك أي صلاحية دستورية، أو قانونية لإصدار مثل ذلك القرار.

والأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار”، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري”، بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، وتحالف “السيادة”، الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن“، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية”، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي”، أو بعض أطرافه من تشكيل الحكومة، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية”، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا“، التي لجأ إليها “الإطار”، صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا، من أصل 329، وفقا للدستور، وهذا ما لم ينجح تحالف الصدر بحشده رغم وصولهم لأكثر من 200 نائب، في إحدى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي فشلت.

اقرأ/ي أيضا: “العراق لن يكون محافظة إيرانية”.. ما الذي سيفعله أنصار الصدر بالعملية السياسية؟

المالكي والصدر وأسس الخلاف

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار”، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار”، من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار”، في الـ25 من تموز الماضي، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح رئيس “تيار الفراتين”، وعضو مجلس النواب الحالي، محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

يشار إلى أن الصدر، والمالكي تنافسا مرارا على تزعم المشهد السياسي الشيعي. إذ يمثل الأول الخزان التصويتي الأكبر على مستوى البلاد في أي عملية انتخابية، بينما يمثل الثاني، الأحزاب السياسية الشيعية التي صعدت بعد إطاحة نظام صدام حسين، في ربيع 2003 إلى المشهد.

ومنذ عام 2008 توجد قطيعة سياسية وشخصية بين الصدر، والمالكي عندما شن الثاني حربا على ميليشيا “جيش المهدي”، التابعة للصدر، لإنهاء انتشارها المسلح في الوسط، والجنوب العراقي آنذاك، قبل أن يفتح المجال لتأسيس ميليشيات مسلّحة موالية لإيران.

وعلى الرغم من محاولات التقريب بين الطرفين، إلا أنه وقبل اجراء الانتخابات الأخيرة التي فاز الصدر، فيها بأكبر عدد من أعضاء البرلمان بـ73 مقعدا، وحتى ما بعد إعلان النتائج، تسيّد التوتر على المشهد بين الجانبين واستمر تراشق التصريحات، حتى انتشرت تسريبات صوتية نسبت للمالكي قبل نحو شهر، وهو يتهجم على الصدر بمفردات سيئة، ويكشف عن نواياه تجهير ميليشيات مسلحة لمقاتلته بحجة أن الأخير يريد التخلص منه.

اقرأ/ي أيضا: سقوط الجنوب بيد الصدريين وحظر تجوال شامل في العراق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.