في ظل استمرار الاشتباكات المسلحة بين أنصار “التيار الصدري” وجهات لم تعرف هويتها بشكل رسمي حتى الآن، لكن مصادر تتحدث عن إنها تابعة إلى “الحشد الشعبي”، داخل المنطقة الخضراء – شديدة التحصين ومعقل الحكومة والمقار الدبلوماسية، على إثر قرار زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزال العمل السياسي، وجه الصدر أنصاره اليوم الثلاثاء، بالانسحاب الكامل من الشوارع، فيما أصدر مجلس القضاء الأعلى بيان حول دعوى حل البرلمان.

وبعد أن استفاقت العاصمة العراقية بغداد اليوم على أصوات اشتباكات متقطعة وانفجارات، بعد يوم دام من الموجهات المسلحة بين أنصار التيار الصدر، وجماعات مسلحة داخل الخضراء، أمهل زعيم التيار مقتدى الصدر أنصاره ساعة للانسحاب تماما من أمام البرلمان وإلغاء اعتصامهم، مقدما اعتذاره للشعب العراقي الذي اعتبره “المتضرر الكبير مما يجري”.

وانتقد زعيم التيار الصدري في مؤتمر صحفي بالنجف ما أسماه “ثورة التيار الصدري” كما انتقد “ثورة تشرين” من قبل، وفق تعبيره، وقال إن التيار الصدري منضبط ومطيع، وإنه سيبرأ منه إذا لم ينسحب من أمام البرلمان خلال 60 دقيقة.

كما شدد على أنه “لو جرى حل الفصائل من قبل كما طالبنا مرارا لما وصلنا إلى المشهد الحالي”، مؤكدا أن “العراق بات الآن أسيرا للفساد والعنف”، وأن “أفراد الحشد الشعبي لا علاقة لهم بما يحدث على العكس من قادة الحشد الذي قد يكون لهم ارتباط بما يحدث”.

وقدم مقتدى الصدر اعتذاره للشعب العراقي الذي وصفه “بالمتضرر الكبير مما يجري”، كما شكر القوات الأمنية التي وقفت موقف الحياد مع كل الأطراف.

https://twitter.com/iraqtimes0/status/1564569658681970690?s=21&t=oITOLbZBZGgf4r0fS2Y_QA

اقرأ/ي أيضا: توترات أمنية جديدة في العراق.. ما الذي يحصل؟

استجابة سريعة

بالمقابل، سريعا ما استجاب أنصار “التيار الصدري” للأنسحاب من محيط المنطقة الخضراء بعد كلمة زعيمهم، من جانبه، قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إن كلمة الصدر تحمّل الجميع مسؤولية أخلاقية ووطنية بالتوقف عن التصعيد السياسي والأمني وبدء حوار سريع، مضيفا أن دعوة مقتدى الصدر لوقف العنف تمثل أعلى مستويات الوطنية والحرص على حفظ الدم العراقي.

من جهته مجلس القضاء قال في بيان تلقى موقع “الحل نت” نسخة منه اليوم الثلاثاء، إن “كافة المحاكم ومنها المحكمة الاتحادية لم تنظر بالدعاوى المعروضة عليها، مبررة أن “ذلك جاء بسبب حظر التجوال العام وتعطيل عمل مؤسسات الدولة كافة”.

وبالعودة إلى حيثيات موقف الصدر باعتزال السياسية، فقد جاء بعد أن اقتحم أنصاره واعتصموا داخل البرلمان العراقي وتعطيل أعماله منذ 30 تموز/ يوليو الماضي، والمطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وذلك احتجاجا ولمنع محاولات خصومهم في تحالف “الإطار التنسيقي” تشكيل حكومة جديدة، وترشيح محمد شياع السوداني لمنصب رئاسة الوزراء.

ولم يكن التطور في موقف “التيار الصدري” الذي فاز أولا بالانتخابات المبكرة الأخيرة التي أجريت في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بالتحول إلى الاعتصامات شيئا مفاجئا، إذ جاء عقب أشهر من المحاولات السياسية بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، لكن وقوف “الإطار” من خلال اللجوء للمحكمة الاتحادية واستصدار قرارات اعتبرها الصدريين موجهة لاستهداف مشروعه، حالت بينه وبين نجاح مشروعه.

اقرأ/ي أيضا: سقوط الجنوب بيد الصدريين وحظر تجوال شامل في العراق

عنف متبادل

اندلعت المواجهات المسلحة بعد توجه أنصار الصدر المعتصمين داخل المنطقة الخضراء إلى اقتحام القصر الحكومي، ومن ثم تصدي القوات الأمنية لهم بالرصاص الحي وقنابل الدخان والغاز المسيل للدموع بمحاولة لإخراجهم منه، ما تسبب بسقوط ضحايا دفعت “سرايا السلام” الميليشيا التابع للصدر، للنزول إلى الشوارع للدفاع عن أنصارهم.

وتسببت المواجهات المسلحة بمقتل نحو 30 شخصا وأصيب 700 آخرون جراء الاشتباكات التي شهدتها المنطقة الخضراء، بينهم 110 من أفراد القوات الأمنية، وفق إحصائية غير رسمية وغير نهائية.

وكان التطور المتسارع في الأحداث، بعد اعتزال مقتدى الصدر الحياة السياسية، وتصعيد جمهوره بافتحام لكل شبر من “المنطقة الخضراء”، ودخوله للقصر الحكومي، حتى وصل المشهد للعنف وسقوط الجنوب العراقي بيد الصدريين وفرض حظر شامل للتجوال من قبل الحكومة.

وفي سياق ذلك، خرج الجمهور الصدري في تظاهرات واسعة بمعظم محافظات الوسط والجنوب العراقي، وسقطت 3 محافظات هي البصرة وذي قار والمثنى بيد الصدريين، عبر سيطرتهم على مباني الحكومات المحلية لتلك المحافظات.

أحداث دفعت السلطات العراقية إلى إعلان حظرا شاملا للتجول في عموم البلاد، وتعطيل الدوام الرسمي في مؤسسات الدولة اليوم الثلاثاء، قبل أن تعود قيادة العمليات المشتركة لتعلن رفع الحظر بعد كلمة الزعيم الصدري.

اقرأ/ي أيضا: “العراق لن يكون محافظة إيرانية”.. ما الذي سيفعله أنصار الصدر بالعملية السياسية؟

حيثيات الأزمة 

يأتي ذلك بعد أجواء مشحونة عاشتها العاصمة العراقية بغداد منذ يوم الثلاثاء الماضي، على خلفية محاولة متظاهري “التيار الصدري” نقل اعتصاماتهم من محيطات البرلمان إلى أمام مجلس القضاء الأعلى، بمحاولة للضغط على المحكمة لإصدار قرار بحل البرلمان، ما دفع القضاء إلى تعليق نشاطاته كافة والمحكمة الاتحادية واتهام أشخاص بالتيار الصدري بتهديد المحكمة الاتحادية من خلال الهاتف، ليوجه زعيم التيار أنصاره بالانسحاب بعد ساعات.

ويعتقد زعيم التيار الصدري وأنصاره، أن القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية طرفا رئيسا في المعادلة بالانحياز إلى الطرف الثاني من الأزمة المتمثل بتحالف “الإطار التنسيقي”، من خلال إصدار قرارات تخدم مصالح الإطار، وهي من ساهمت في فشل مشروع التيار وحلفائه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”.

هذا التصعيد الصدري في الموقف، جاء بعد أن أمهل مقتدى الصدر، القضاء العراقي، في نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر، مهلة حتى 18 آب/ أغسطس الجاري، لأصدار حكم قضائي بحل البرلمان الحالي، غير أن القضاء رد بأنه لا يملك أي صلاحية دستورية أو قانونية لإصدار مثل ذلك القرار.

واشتدّت الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

إصرار صدري

أصر “إنقاذ وطن”، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا”، التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: مقتدى الصدر يعتزل.. “إسقاط النظام السياسي” في العراق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.