مشهد سياسي متسارع في العراق، يتمثل باعتزال مقتدى الصدر السياسة نهائيا، لكن قرار الزعيم الشيعي جاء بعد تدخل إيراني من بوابة الدين، فكيف سيكون المشهد العراقي؟ وهل اقترب “إسقاط النظام السياسي” على يد أتباعه، رغم أن “الكل في حل منه”، كما قال في تغريدة الاعتزال؟

في تغريدة له عبر “تويتر”، اليوم الاثنين، أعلن الصدر، زعيم “التيار الصدري”، اعتزاله السياسة نهائيا والكل من أتباعه “في حل من أمره”، وربط اعتزاله باعتزال المرجع الديني كاظم الحائري، ودعوته لمقلديه بتقليد المرشد الإيراني، علي خامنئي.

الصدر اعتبر اعتزال الحائري ليس بمحض إرادته، في وقت قال الأخير في بيان اعتزاله إنه جاء نتيجة المرض وتقدمه في العمر، رغم أنه يقارب خامنئي من ناحية العمر، فكيف سيكون رد الفعل الصدري؟

الحائري هو مرجع ديني شيعي، أمسى خلفا للمرجع الديني محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، بعد اغتياله على يد نظام صدام حسين نهاية التسعينيات، ويقلد الصدريون مرجعية الحائري دينيا.

يفسر المحلل السياسي علي البيدر، اعتزال الصدر سياسيا، كرد فعل تجاه إيران؛ لأنها هي من ضغطت على الحائري للاعتزال وتسليم مقلديه إلى خامنئي، على حد تعبيره.

تصعيد ورفض لخامنئي

البيدر يضيف لـ “الحل نت”، أن طهران حاولت باعتزال الحائري إنهاء مرجعية آل الصدر، وربط مقتدى الصدر بها عبر تقليده لخامنئي من خلال دعوة الحائري لأتباعه بتقليدهم للمرشد الإيراني، وبالتالي امتثال الصدر لطهران بالمطلق.

ويردف المحلل السياسي، أن الصدر كان أذكى من إيران عبر اعتزاله العمل السياسي، وفوّت عليها الفرصة لسحبه إليها، غير أن المشهد في العراق سيشهد تصعيدا من أنصاره من المعتصمين داخل الخضراء منذ نحو شهر.

وفق البيدر، فإن المشهد اختلط أمنيا وسياسيا، خصوصا وأنه لا وجود لقيادة لتظاهرات أنصار “التيار الصدري” بعد اعتزال الصدر، وتعليق عمل اللجنة الصدرية المشرفة على التظاهرات.

بعد اعتزال الصدر، صعّد الجمهور الصدري اعتصامهم، وأسقطوا الحواجز الكونكريتية في المنطقة الخضراء، واقتحموا القصر الجمهوري، مقر رئاسة الحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي، وهتفوا بـ “الشعب يريد إسقاط النظام”.

الكاظمي خرج من الخضراء إلى منطقة المنصور وعقد اجتماعا أمنيا في مقر “قيادة العمليات المشتركة”، فيما جرى إخلاء موظفي رئاسة الوزراء من القصر الجمهوري.

أمام التصعيد الصدري، أعلنت الحكومة العراقية عبر “قيادة العمليات المشتركة”، فرض حظر التجوال الشامل في العاصمة العراقية بغداد، في محاولة لمنع تدفق مزيد من الجمهور الصدري نحو المنطقة الخضراء.

التشرينيون مع الصدريين

يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالسليمانية، عقيل عباس، إن انسحاب الصدر جاء لانسحاب الحائري، وأن المسهد تعقد، وأنصار الصدر في طريقهم للتصعيد أكثر، ولا يمكن توقع النهاية.

عباس يوضح لـ “الحل نت”، أنه في حال عودة المتظاهرين إلى منازلهم في الساعات والأيام المقبلة وإنهاء احتجاجاتهم، فإن “التيار الصدري” بالفعل مقبل على اعتزال العمل السياسي، لكنه لن يكون دائما، بحسبه.

ويضيف عباس، أنه في حال استمر التصعيد بلا تراجع، فإن ذلك يعني أن “التيار” لا زال موجودا في العملية السياسية، وذلك أكثر خطرا على “الإطار التنسيقي”؛ لأنه لا وجود لطرف يتفاوض معه ويوصل له الرسائل بعد انسحاب الصدر، وعليهم التفاوض مع الآلاف من متظاهري “التيار”، وتلك مهمة مستحيلة.

ويختتم عباس، أن المشهد قد يتصاعد أكثر بانضمام التشرينيين مع الجمهور الصدري في حراكهم المطالب بإسقاط النظام، على اعتبار أن الحراك الاحتجاجي لم يعد صدريا بعد اعتزال الصدر، بحسب تعبيره.

يجدر بالذكر، أن الأزمة السياسية العراقية، اشتدّت في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

انسداد

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.