مقتل قرداش في إدلب: مقدمة لحملات ضد المحافظة أم لتعاون أمني بين مختلف الأطراف؟  

مقتل قرداش في إدلب: مقدمة لحملات ضد المحافظة أم لتعاون أمني بين مختلف الأطراف؟  

أثار مقتل قرداش في إدلب، وهو زعيم تنظيم داعش، الذي قضى بعملية إنزال أميركية في بلدة أطمة شمالي سوريا، تساؤلات عديدة حول احتمالية انتهاز الأطراف الفاعلة في الصراع السوري فرصة الاختراق الداعشي لإدلب، للدفع باتجاه مزيد من العنف في المحافظة. وهو عنف لن يسلم المدنيون، وسكان المخيمات المكتظة، من نتائجه الكارثية.

الكاتب الصحفي إياد الجعفري يوضح لموقع “الحل نت” أن “مقتل قرداش في إدلب أعطى فرصة لخصوم تركيا، ولروسيا أيضا، للحديث مجددا عن احتضان المنطقة للإرهابيين”. 

ويرى الجعفري أن “استغلال حادثة مقتل قرداش في إدلب انتقل من مستوى التراشق الدبلوماسي والإعلامي. وتسجيل كل طرف النقاط على الآخر، إلى مستوى آخر. وهو المطالبة بزيادة العنف في إدلب. ولا يرتبط الضغط الروسي على تركيا بهذا الخصوص بحسابات تتعلق بتصفية قرداش بطبيعة الحال. بل بملفات أخرى. وتحديداً الملف الأوكراني، الذي يشكل الهم الرئيسي لموسكو حاليا. وحتى لو لم تكن حادثة قرداش قد وقعت أساسا، كانت روسيا ستجد ذريعة أخرى لتبرير مطالبتها بزيادة العنف ضد إدلب، والضغط على تركيا. ومن ذلك إشارة السفير الروسي بدمشق ، قبل أيام، إلى عدم التزام تركيا بتنفيذ الاتفاقات المعقودة معها بخصوص طريق M4. وهذا كان قبل سنتين الذريعة الأساسية لعمل عسكري روسي واسع ضد إدلب”.

فهل يمكن بالفعل أن تصبح حادثة مقتل قرداش في إدلب ذريعة لروسيا أو غيرها لشن هجوم جديد على المحافظة الشمالية، التي تحوي مئات آلاف النازحين واللاجئين؟

ما تأثير مقتل قرداش في إدلب على مستقبلها؟

يُرجح أن الهشاشة الأمنية لإدلب حفزت قيادات داعش على دخولها، بهدف القيام بعمليات أمنية، لا تستهدف إدلب بالضرورة. وهذه استراتيجية تتبعها التنظيمات الجهادية عادة، وتتمثل في التواجد ضمن مناطق رخوة أمنيا.

محليا، وحتى في ظل الاختراق الأمني لإدلب من قبل داعش، لا يمكن الحديث عن وجود حامل شعبي للتنظيم في شمال غرب سوريا عموما. على الرغم من دخول البغدادي سابقا، وقرداش لاحقا، إلى المنطقة، دون عقبات تذكر. فهي كانت في طليعة المناطق التي دحرت تنظيم داعش. إذ كانت مدينة الأتارب بريف حلب أول منطقة في سوريا قاتلت التنظيم وطردته. قبل أن يكون فيها أي تواجد لتحرير الشام (جبهة النصرة سابقا). وبالتالي، لا يمكن تصنيف محاولات تسلل لداعش إلى شمال غرب سوريا ضمن إطار الرضى والقبول الشعبي. رغم مقتل قرداش في إدلب.

فراس علاوي، الكاتب والمحلل السياسي، يشير بدوره، خلال حديثه لـ”الحل نت” ، إلى “إمكانية استغلال قضية مقتل قرداش من قبل روسيا ذريعةً للضغط على تركيا من الناحية الأمنية. لكن بإمكان تركيا أيضا التذرع بان المنطقة ليست تحت سيطرتها بشكل كامل”.

من جهة أخرى يلمّح علاوي إلى أن “مقتل قرداش في إدلب ربما يدفع باتجاه زيادة التقارب بين موسكو وأنقرة. وإلى نوع من التعاون الأمني في المنطقة. وهكذا يمكن أن نشهد على المدى القريب اجتماعا أمنيا بين الطرفين. لمناقشة وتحديد المواقف في إدلب. في حين يمكن أن نشهد في المستقبل تطورات في جسم وهيكلية هيئة تحرير الشام. وإعادة صياغة خطابها. بشكل يقربها أكثر من الأطراف الفاعلة في المنطقة”.

ما الرابط بين داعش وهيئة تحرير الشام؟

لعل أحد أبرز الفرضيات المطروحة لتفسير وجود البغدادي ثم قرداش في إدلب هو وجود علاقة بين داعش وهيئة تحرير الشام، من منطلق انتمائهما للمدرسة الجهادية نفسها. إلا أن كثيرا من المحللين يشككون بهذه الفرضية.

مقالات قد تهمك: اغتيال عبد الله قرداش: هل كانت “تحرير الشام” وتركيا تجهلان وجود زعيم داعش في إدلب؟

فراس علاوي يؤكد على “عدم وجود أية علاقة تربط التنظيمين. ظاهريا على الأقل. فهنالك خلافات كبيرة بينهما. أدت إلى حدوث صدامات. وبالتالي يمكن الربط بين وجود زعماء داعش في المنطقة وبين هشاشتها الأمنية. وعدم الكفاءة في إدارتها. كما أن وجود عدد كبير من الأجانب في المنطقة يسهل عمليات الاختراق. فقد بات وجود غير السوريين في إدلب أمرا طبيعيا. إضافة لكثافة استعمال الأسماء الحركية فيها. ولكل هذا فإن مقتل قرداش في إدلب قد يكون أمرا متوقعا”.

بناء عليه، يرجح فراس علاوي وجود “دور مباشر لهيئة تحرير الشام في عملية مقتل قرداش في إدلب. في محاولة من الهيئة للخروج من لائحة الإرهاب. وتقديم نفسها فاعلا سياسيا وإداريا في المنطقة. خاصة مع وجود تقارب بين تحرير الشام والجانب التركي. وعلى الرغم من تصنيف تركيا للهيئة على لائحة المنظمات الإرهابية، لكن هذا لا ينفي وجود نوع من الاتصال بين الطرفين. إذ يحاول الأتراك تهيئة المنطقة لإعادة دمجها بالعملية السياسية. من خلال تحويل تحرير الشام من تنظيم مصنف على لائحة الإرهاب إلى تنظيم سياسي/إداري، برؤية إسلامية غير مرتبطة بالأممية الجهادية”.

مقتل قرداش والتعاون الأمني بين تركيا وتحرير الشام

بدوره يتحدث إياد الجعفري عن أن “تركيا معنية بتعزيز وجودها ودورها الأمني في المنطقة. وتقوية تعاونها في هذا المجال مع هيئة تحرير الشام. لأن الخيار البديل غير مقبول مطلقا لدى صنّاع القرار في أنقرة. وهو تعرض المنطقة لحملة عسكرية واسعة، من قبل روسيا وحكومة دمشق، تؤدي إلى حركة نزوح ضخمة إلى داخل الأراضي التركية”.

ويضيف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “هيئة تحرير الشام تعمل منذ حوالي السنتين لإخراج اسمها من لائحة الإرهاب. وتقديم نفسها بوصفها إدارة إسلامية محلية. وقد خطت خطوات كبيرة في هذا الاتجاه. كما أن التعاون الأمني بين الهيئة والأميركيين لا يمكن نفيه. بعد أن تعرض عدد كبير من قادة الفصائل الأكثر تشددا، مثل حراس الدين وداعش وسواهما، للتصفية في إدلب. بينما بقي قادة الهيئة في مأمن. بل وتكثفت ظهورات الجولاني العلنية. مما يؤكد شعوره بالأمن. وعدم احتمال تعرضه للتصفية من أية جهة إقليمية أو دولية. ويمكن قراءة حادثة مقتل قرداش في إدلب ضمن هذا السياق”.

مختتما حديثه بالقول: “تعمل الهيئة على تعزيز صورتها بوصفها الضابط الأمني لمنطقة رخوة تعج بإرهابيين محتملين. وفق التصنيف الغربي والروسي. ولذلك تعمل على إصدار بطاقات شخصية. والتدقيق الأمني على المهاجرين والنازحين. وشن حملات متكررة ضد الفصائل السلفية الأكثر تشددا. وتركيا على صلة وثيقة بهذا النهج للهيئة. فهناك أكثر من مؤشر، مثل مقتل قرداش في إدلب، يؤكد وجود مسار للتعاون الأمني بين المخابرات التركية وقيادة الهيئة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.