لا أحد على الإطلاق يمكنه توقع خطوات زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر التصعيدية في العراق نتيجة صراعه مع “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، لكن الصدر قد يهدد الاستقرار العالمي الاقتصادي عبر النفط، فما الحكاية؟

رغم أنه لا بمكن التنبؤ بخطوات الصدر، إلا أن بعض المنصات التابعة إلى “التيار الصدري”، لمّحت أمس السبت، إلى خطوة تصعيدية متوقعة بعد الاعتصام في الخضراء أمام البرلمان، وهي العصيان المدني، لكن أخطر ما فيها، التلميح بغلق حقول النفط في الجنوب العراقي.

“يوم 30 آب/ أغسطس سيشهد العراق حدثا غير اعتيادي”، هكذا قالت قناة “أوروك نيوز” المقربة من “التيار” عبر “تليجرام”، ثم لمّحت إلى أن الجمهور الصدري جاهز في ذلك اليوم لغلق حقول النفط في الجنوب، ولمحاصرة مقرات وقصور قادة القوى السياسية “الولائية”.

ما يهم هي خطوة غلق حقول النفط في الجنوب العراقي، وتداعياتها إن حصلت بالفعل، وكيف سيكون رد الفعل الدولي عليها؟ أسئلة يجيب عنها خبير الاقتصاد السياسي عبد الرحمن المشهداني في حديث مع “الحل نت”.

تدخل دولي؟

“كل شيء متاح. التصعيد الصدري أمر وارد، لكنه إن وصل لتهديد حقول النفط، هنا يجب على الحكومة ردع ذلك التهديد”، يقول المشهداني، ويعقّب؛ “لأن النفط هو روح العراق، ومن دونه سيتهدد الاستقرار العالمي وليس المحلي فقط”.

المشهداني يوضح، أن إيرادات موازنات العراق السنوية تعتمد على النفط بأكثر من 90 بالمئة، والنفط يشكّل نحو 60 بالمئة من مساهمته في الناتج الإجمالي المحلي للاقتصاد العراقي.

التهديد بغلق حقول النفط وقطع تصديره ليس بالأمر الصحيح، وإن قرّر “التيار الصدري” تنفيذ تهديده بالفعل، فإن ذلك سيؤدي إلى انسحاب الشركات الأجنبية المتواجدة في حقول النفط العراقية، بحسب المشهداني.

ويضيف خبير الاقتصاد السياسي، أن انسحاب الشركات الأجنبية من العراق، سيكلف بغداد كثيرا؛ لأنها ستطالب بغرامات مالية كبيرة جدا، تصل بعضها إلى حجم ما تنتجه الآبار من الثروة النفطية.

المشهداني يردف، أن كل مفاصل العراق السياسية والاجتماعية والاقتصادية تعتمد على النفط وموارده، ناهيك عن أن العالم يعتمد بشكل كبير أيضا على النفط العراقي، خاصة بعد أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويلفت إلى أنه، لو تحول التلميح والتهديد الصدري إلى أمر واقع، فإن “مجلس الأمن” سيتدخل، وواشنطن هي الأخرى ستتدخل لمنع تهديد الاستقرار الاقتصادي العالمي؛ لأن العالم يعتمد بنسبة 9 بالمئة على ما يصدره النفط العراقي من إنتاجه.

“اشتعال الأسعار”

المشهداني يبيّن، أن العراق هو ثاني أكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط في “أوبك” و”أوبك +”، بنسبة تقارب 20 بالمئة، ناهيك عن أن أميركا لن تسمح بإعادة تجربة روسيا؛ لأنها أصلا عندما قررت فرض عقوبات اقتصادية على النفط والغاز الروسي، اتخذت ذلك بعد وعود بزيادة إنتاج وتصدير النفط في “الشرق الأوسط”، وخاصة من قبل السعودية والعراق.

خبير الاقتصاد السياسي يختتم، أن غلق حقول النفط العراقية من قبل “التيار الصدري”، سيؤدي إلى اشتعال أسعار النفط في الأسواق العالمية وليس مجرد ارتفاعها، الأمر الذي لن يسمح أي أحد به على الإطلاق.

التلميح بالتصعيد الصدري الأخير، يأتي بالتزامن مع دعوة الصدر الأخيرة، أمس السبت، إلى تخلي كل القوى السياسية العراقية المشتركة في العملية السياسية منذ 2003 عن السلطة، بضمنهم “التيار الصدري” والتوقيع على اتفاقية تضمن تحقيق ذلك بغضون مدة أقصاها 72 ساعة.

وزير الصدر، صالح محمد العراقي، أوضح أن دعوة الصدر هي بدل كل المبادرات التي يسعى لها البعض بما فيهم الأمم المتحدة لحل الانسداد السياسي،، وأنه “إذا لم يتحقق ذلك فلا مجال للإصلاح، وبالتالي فلا داعي لتدخله بما يجري مستقبلا بتغريدة ولا بأي شيء آخر”.

يجدر بالذكر، أن الأزمة السياسية العراقية، اشتدّت في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

فشل الأغلبية

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.