هي ليست المرة الأولى، قبلها سبق وأن لوح زعيم “التيار الصدري” – رجل الدين الشيعي القوي مقتدى الصدر، برفع وصايته عن أنصاره، خلال الأيام القليلة الماضي، برده على موقف مجلس القضاء الأعلى بتعليق أعماله احتجاجا على محاولة أنصار التيار الاعتصام أمام مبنى القضاء، ليحذر الصدر من أن تعليق أعمال القضاء سيدفعه لحل اللجنة المنظمة لتظاهرات واعتصام أنصاره منذ أكثر من أربعة أسابيع.

الصدر عاد اليوم السبت، من خلال مقترح لربما هو الحدث الأبرز بكل ما تشهد الساحة السياسية في العراق من تدافع محتدم بين الأطراف السياسية، قدمه لتصفير العملية السياسية في البلاد وحذر من أنه إذا لم يتحقق لا داع لتدخله بعدها بما يجري.

 رسالة لعل الحكومة والنظام السياسي برمتهما اللذين عجزا في كل مرة من الوقوف بوجه أنصار الصدر سواء باقتحام المنطقة الخضراء – شديدة التحصين ومعقل الحكومة والمقار الدبلوماسية وتعطيل البرلمان، أكثر من يعرفون حجمها، لاسيما مع ما يتمتع به الصدر من قاعدة جماهيرية واسعة شديدة الولاء.

جاء ذلك خلال دعوة وجهها الصدر إلى توقيع اتفاقية جديدة تقضي عدم اشتراك جميع الأحزاب الموجودة في الانتخابات، وذلك عبر ما يعرف بوزيره الذي ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي بمسمى صالح محمد العراقي.

العراقي قال في تدوينة على “فيسبوك” وتابعها موقع “الحل نت”، إن “هناك ما هو أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة”، مبينا “الأهم هو عدم اشتراك جميع الأحزاب والشخصيات التي شاركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 وإلى يومنا هذا بكل تفاصيلها قيادات ووزراء وموظفين ودرجات خاصة تابعة للأحزاب بل مطلقا بما فيهم التيار الصدري”، مؤكدا على أنه “أقول ذلك بملئ الفم”.

اقرأ/ي أيضا: تقرير أميركي يقم فرص نجاح الصدر والإطار بكسب الصراع السياسي 

الصدر يختصر المبادرات

كما لفت إلى أن “هذا بدل كل المبادرات التي يسعى لها البعض بما فيهم الأمم المتحدة مشكورة”، مضيفا: “أنا على استعداد وخلال مدة أقصاها 72 ساعة لتوقيع اتفاقية تتضمن ذلك ومن الآن. لا أن يقال إن تحقيق ذلك بعد الانتخابات المقبلة ولا أن يتحقق بطريقة دموية”.

وختم بالقول: “إذا لم يتحقق ذلك فلا مجال للإصلاح بالتالي فلا داعي لتدخلي بما يجري مستقبلا بتغريدة ولا بأي شيء آخر”، ويعرف عن الصدر أنه يرسل توجيهاته ورسائله من خلال منصته على “تويتر”.

من جهته، اعتبر المهتم بالشأن السياسي العراقي علي الموسوي، إن “عودة تلميح الصدر بسحب يده من كل ما يجري، ما هي إلا محاولة للتنصل التكتيكي من كل ما ذهبت إليه الأمور”.

الموسوي قال في حديث لموقع “الحل نت”، إن “محاولات الصدر بتحقيق أهدافه وبغض النظر عنها فيما إذا كانت سامية أو لا، لكن واقعا أن كل مساعيه فشلت في ذلك، بالتالي هو في الوقت الحالي وبحسب اعتقادي يائس من حجم التحدي الذي أقحم روحه به”.

وبين أنه “في البداية ومنذ لحظة نزول أنصاره إلى الشارع واقتحام البرلمان وتعطيل أعماله، أعلن الصدر عن نواياه لتغيير جذري في للنظام السياسي، لكن عندما أدرك مدى تمسك القوى السياسية والتي منها حتى حلفائه من الأكراد والسنة، إضافة إلى المجتمع الدولي تراجع فيما بعد عن ذلك وخفف خطابه”.

اقرأ/ي أيضا: المحكمة الاتحادية تحدد جلسة لمناقشة حل البرلمان العراقي.. ما فرص نجاحها؟

الصدر يتنصل تكتيكيا

فيما استدرك: “فيما بعد ظل ينادي بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، وعندما تأكد من صعوبة تحقيق ذلك، ذهب باتجاه القضاء وعندما صدمه موقف القضاء القوي، وحتى المجتمع الدولي وجه مباشرة بعد ساعات أنصاره بالانسحاب، وهكذا لم يتبقى لديه خيار آخر ليتخذه”.

وأردف بالقول: “الخطوة القادمة هي حوار وغير ذلك غير ممكن، وكل ما يتم الحديث عنه من نوايا صدرية بالتصعيد ضد حقول النقط بخطوة للضغط على المجتمع الدولي والقوى السياسية للاستجابة لمطالبه هو ضرب من الخيال، العالم يمر بأزمة وقود والعراق أحد أهم موردي النفط في العالم والاعتماد عليه كبير، بالتالي الدول العظمى ليس لديها أي استعداد للمراهنة على هذا الخيار وإن كانت مع رغبة التغيير في العراق”.

الموسوي لفت إلى أن “أميركيا وحلفائها يخوضون صراع دولي كبير مع روسيا والصين، وعامل الاستمرار الوحيد في هذا الصراع هو مصادر الطاقة، كما أنهم ينظرون إلى أنه الوقت المناسب للحد من نفوذ روسيا والصين وإيقاف تهديداتها للعالم والغرب تحديدا بتحكمها بمصادر الطاقة التي يمتلكونها”.

 لذلك “دولة مثل العراق بمجال الطاقة لا يمكن أن يسمحوا لها بالتوقف عن انتاج النفط في الوقت الحالي والصدر يعرف ذلك جيدا ولن يتخذ مثل هذه الخطوة في صراعه السياسي، لذلك ما تم طرحه اليوم ليس أكثر من انسحاب تدريجي”. 

من جهته، المهتم بالشأن السياسي أحمد الفرجي يقول في حديث لموقع “الحل نت”، إن “رسالة الصدر اليوم هي أبرز رسالة في المشهد، لاسيما وأنها تنسجم مع الرغبات الشعبية، بالتالي أنه في حال تحققها فأنها ستمثل لحظة فاصلة في تاريخ العراق الحديث”.

وأضاف أن “تلويح الصدر بسحب يده من الحراك الجماهيري وكل شيء، هو تمهيد ورسالة مسبقة لخطوات أشد حدة يمكن اتخاذها فيما لم تقبل القوى السياسية بمقترح الصدر، أما شكل تلك الخطوات فلا يمكن التكهن حولها خاصة وأن خطوات الصدر عادة ما تكون غامضة لا تعرف إلا لحظة تنفيذها”.

سياق الأزمة بين الصدر والإطار

يأتي ذلك في الوقت الذي تحول فيه الصراع من الأطراف السياسية إلى مواجهة أنصار “التيار الصدري” لمجلس القضاء الأعلى العراقي، ما تسبب بتوتر المشهد السياسي في البلاد بشكل غير مسبوق.

التوتر سببه محاولة متظاهري التيار نقل اعتصاماتهم من محيطات البرلمان إلى أمام مجلس القضاء الأعلى، يوم الثلاثاء الماضي، بمحاولة للضغط على المحكمة لإصدار قرار بحل البرلمان، ما دفع القضاء إلى تعليق نشاطاته كافة والمحكمة الاتحادية واتهام أشخاص بالتيار الصدري بتهديد المحكمة الاتحادية من خلال الهاتف، ليوجه زعيم التيار أنصاره بالانسحاب بعد ساعات.

ويعتقد زعيم التيار الصدري وأنصاره، أن القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية طرفا رئيسا في المعادلة بالانحياز إلى الطرف الثاني من الأزمة المتمثل بتحالف “الإطار التنسيقي”، من خلال إصدار قرارات تخدم مصالح الإطار، وهي من ساهمت في فشل مشروع التيار وحلفائه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”.

هذا التصعيد الصدري في الموقف، جاء بعد أن أمهل مقتدى الصدر، القضاء العراقي، في نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر، مهلة حتى 18 آب/ أغسطس الجاري، لأصدار حكم قضائي بحل البرلمان الحالي، غير أن القضاء رد بأنه لا يملك أي صلاحية دستورية أو قانونية لإصدار مثل ذلك القرار.

واشتدّت الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

اقرأ/ي أيضا: من البرلمان العراقي لمجلس القضاء.. أنصار الصدر يوسعون رقعة الاعتصام

الصدر وسبب الأزمة

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن”، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا”، التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: عزل مقتدى الصدر سياسيا ونفيه خارج العراق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.