واقعيا، لا أحد يختلف بأن زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، هو الطرف الأساس في الأزمة السياسية المستعصية في العراق منذ 10 أشهر وإلى الآن، لكن الأزمة تلك التي يعد “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران الطرف الآخر فيها، ما عادت تطاق.

الأزمة تجاوزت حدودها الزمنية. يكفي أنها الأشد والأطول منذ إسقاط نظام صدام حسين في ربيع 2003، وقد يبدو الصدر محقا في مطالبه؛ لأنه على الأقل ظاهريا، هو ضد التدخل الأجنبي وخاصة النفوذ الإيراني في العراق عبر “الإطار”، وضد نهج حكومات المحاصصة المتبع منذ 2006، لكن اليد الواحدة لا تصفق.

حتى “الأمم المتحدة” عبر بعثتها “يونامي” بدت مؤخرا ضد تحركات الصدر الأخيرة عبر زج أنصاره في اعتصام مفتوح أمام البرلمان واعتصامهم الوقتي أمس قبالة “مجلس القضاء الأعلى”؛ لأنه لم يعرف مصلحته وخطأ عندما انسحب من البرلمان، وتحركاته الحالية قد تزج البلاد في حرب أهلية شيعية-شيعية.

كل القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية والرئاسات العراقية تدعو إلى “الحوار” لحل الانسداد الحالي، غير أن الصدر المعني بالأزمة يرفض الحوار، ويصر على موقفه بعدم التفاهم مع “الإطار”، وذلك يعمق الأزمة في ظل برلمان معطل وعدم وجود حكومة جديدة.

إزاء تعنت الصدر والخطر الذي بات يشكله على النظام السياسي القائم في العراق منذ 2003، وتلميحه مرتين مؤخرا بإسقاطه، تتداول جروبات “الواتساب” السياسية وبعضها مقربة من “الإطار”، إمكانية عزل الصدر سياسيا ونفيه خارج العراق، مستندة على موقف “يونامي” من الصدر، لكن ما مدى إمكانية تحقق ذلك السيناريو؟

المجتمع الدولي مع من؟

حسب الباحث السياسي غيث التميمي، من المستبعد جدا مجرد التفكير بعزل الصدر سياسيا ونفيه خارج البلاد؛ لأنه أقوى من الكل في الداخل العراقي، وسيناريو العزل والنفي لن يتحقق إلا بتدخل من المجتمع الدولي.

التميمي يقول لـ “الحل نت”، إن المجتمع الدولي بقيادة واشنطن لم يعد يفكر بالتدخل في الصراعات داخل الدول من أجل إسقاط أنظمة على طريقة إسقاط نطام صدام حسين والمجيء بأنظمة غيرها؛ لأن الحروب مكلفة حتى على الطرف الرابح، وما يعزز ذلك، هو عدم تدخله بشكل جدي لحل ما حصل ويحصل في اليمن وسوريا وحتى لبنان.

ويردف التميمي، أن “الأمم المتحدة” والمجتمع الدولي سيكتفيان بالرسائل الخطابية للحث على عدم التصعيد ولالتزام الدستور والحوار بين الصدر و”الإطار” لحل الأزمة السياسية العراقية، لكنه لن يتدخل لو حصلت حرب أهلية شيعية-شيعية وانقلاب صدري على النظام الحالي.

على العكس، بل أن المجتمع الدولي هو المستفيد من تغيير النطام إن حصل؛ لأن تغييره يعني إنهاء النفوذ الإيراني في العراق وعدم وجود ميليشيات موالية لها في بغداد، وبالتالي سيتحقق ما يريده دون أن يفعل أي شيء، على حد قول التميمي.

ويبيّن الباحث السياسي العراقي، أن “الإطار” بدون دعم دولي لن يجرؤ على التفكير أصلا بعزل الصدر ونفيه؛ لأنه يعلم جيدا مدى ضعفه أمام الكتلة الجماهيرية المليونية الضخمة المدنية والمسلحة التي يمتلكها زعيم “التيار الصدري”.

نسج خيال؟

متى سيتدخل المجتمع الدولي، وفق التميمي، فإن هناك نسبة بسيطة لإمكانية تدخل المجتمع الدولي لعزل الصدر ونفيه، في حالة انقلابه على النظام، وتأسيسه لنظام جديد، يديره مثل طهران، أي يكون هو المرشد الأعلى في العراق، وقتها فقط قد يتدخل المجتمع الدولي لردع الصدر.

ويختتم التميمي، بالمجمل فإن المجتمع الدولي مع خطوات الصدر؛ لأنه يكبح نفوذ إيران، لكنه في العلن فقط يدعم النظام الحالي؛ لأنه يمثل الشرعية الرسمية للبلاد، ومن الصعب جدا أن يأخذ الصدر خطوة الانقلاب على النظام، لا لشيء، بل لتجنب سفك الدماء، وحديث “الإطار” عن عزل الصدر، هو من نسج الخيال.

هذا واشتدّت الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

فشل مشروع الصدر

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.