لما أحدثته أعمال العنف في العراق، لاسيما داخل المنطقة الخضراء – شديدة التحصين وحيث المباني الحكومية والمقار الدبلوماسية، خلال الأيام القليلة الماضية من صدامات مسلحة بين أنصار “التيار الصدري” ومجاميع مسلحة يعتقد أنها تابعة لـ “الحشد الشعبي” وموالية لتحالف “الإطار التنسيقي”، أصدر مجلس الأمن الدولي  والمرجع الأعلى للشيعة في العراق والعالم علي السيستاني، أول موقف لهما.

مجلس الأمن وفي أول رد فعل على الصدامات المسلحة واحتدام التدافع السياسي، أدان في بيان له تلقاه موقع “الحل نت” اليوم الجمعة، ما حصل من أعمال عنف، وقال إن “أعضاء مجلس الأمن أدانوا أعمال العنف في جميع أنحاء العراق يومي 29 و30 آب/أغسطس، معربين عن قلقهم العميق بشأن حالات الوفيات والإصابات”.

أعضاء المجلس ناشدوا أيضا، بالهدوء وضبط النفس، كما رحبوا ببيانات الأطراف التي تدعو الجميع إلى الامتناع عن المزيد من العنف، مؤكدين أنه الأعضاء أحاطوا علما بجهود الحكومة العراقية لإعادة النظام، وفق ما جاء في البيان.

كما حث المجلس جميع الأطراف على حل خلافاتها السياسية بالطرق السلمية، واحترام سيادة القانون، وحق التجمع السلمي، والمؤسسات العراقية، وتجنب العنف، بحسب البيان الذي أكد أن، أعضاء مجلس الأمن حثوا بقوة جميع الأطراف والجهات الفاعلة على الدخول، دون مزيد من التأخير، في حوار سلمي وبناء لدفع الإصلاحات ورسم طريق بناء للمضي قدما.

في السياق، قال حسين النوري ممثل المرجع الديني الأعلى في العراق علي السيستاني، في بيان تلقاه “الحل نت” مساء أمس الخميس، إن الأخير متأسف لما حصل في التظاهرات والاعتصامات الأخيرة بالمنطقة الخضراء.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. ما مصير مرجعية آل الصدر بعد اعتزال الحائري؟

السيستاني وموقفه بعد مجلس الأمن الدولي

جاء ذلك خلال زيارة أجراها ممثل السيستاني على رأس وفد حوزوي رفيع المستوى لمجلس العزاء المقام على ضحايا تظاهرات أنصار زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، لتقديم التعازي.

ونقل النوري تعازي ومواساة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، قائلا إن “السيد حزين جدا ومتأسف على ما حصل”، وأضاف الممثل الشخصي للسيستاني أن “السيد غير راض ويستنكر هذا الفعل المشين وقد أبلغني شخصيا أن أحضر مجلس العزاء المقام على أرواحهم الطاهرة ممثلا عنه وعن المكتب الشريف”.

وكانت العاصمة العراقية بغداد شهدت الاثنين الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحامهم لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

المواجهات المسلحة جاءت بعد أن هاجمت القوات المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها “الحشد الشعبي”، أنصار الصدر بالرصاص الحي وقنابل الدخان والغاز المسيل للدموع لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.

دفعت تلك الأحداث، ميليشيا “سرايا السلام” الجناح المسلح لـ “التيار الصدري” للتدخل بالمشهد للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، لتندلع مواجهة مسلحة استخدمت بها أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة داخل الخضراء منذ ليل الاثنين، وحتى ظهر الثلاثاء، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم، خلال 60 دقيقة وهذا ما حصل بالفعل.

اقرأ/ي أيضا: البصرة تشتعل ومناوشات حادة بين الصدر والخزعلي

عدد الضحايا التي حزن السيستاني عليها

المواجهات المسلحة، تسببت بمقتل 37 شخصا وجرح نحو 700 أخرين، لتنتهي اعتصامات الجمهور الصدري داخل الخضراء وبمحيط البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، منذ 30 تموز/يوليو الماضي.

يأتي ذلك بعد أجواء مشحونة عاشتها العاصمة العراقية، بغداد منذ الـ 23 آب/أغسطس الماضي، على خلفية محاولة متظاهري “التيار الصدري”، نقل اعتصاماتهم من محيطات البرلمان، إلى أمام مجلس القضاء الأعلى، بمحاولة للضغط على المحكمة لإصدار قرار بحل البرلمان.

 خطوة الصدريين تلك دفعت القضاء إلى تعليق نشاطاته كافة والمحكمة الاتحادية، واتهام أشخاص بـ “التيار الصدري”، بتهديد المحكمة الاتحادية من خلال الهاتف، وإصدار مذكرات قبض بحق ثلاثة من القيادات الصدرية، ليوجه زعيم التيار أنصاره بالانسحاب بعد ساعات.

ويعتقد زعيم “التيار الصدري” وأنصاره، أن القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية طرفا رئيسا في المعادلة بالانحياز إلى الطرف الثاني من الأزمة المتمثل بتحالف “الإطار التنسيقي“، من خلال إصدار قرارات تخدم مصالحهم، وهي من ساهمت في فشل مشروع التيار وحلفائه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، وتأزم الوضع.

هذا التصعيد الصدري في الموقف، جاء بعد أن أمهل مقتدى الصدر، القضاء العراقي، في نهاية الأسبوع الأول من شهر آب، مهلة حتى 18 من ذات الشهر لإصدار حكم قضائي بحل البرلمان الحالي، غير أن القضاء رد بأنه لا يملك أي صلاحية دستورية أو قانونية لإصدار مثل ذلك القرار.

سياق الأزمة التي شهدت أول موقف للسيستاني

يشار إلى أن الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار”، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري”، بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، وتحالف “السيادة”، الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن“، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية”، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي”، أو بعض أطرافه من تشكيل الحكومة، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية”، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

اقرأ/ي أيضا: رؤية من العبادي لتصفير الأزمة السياسية العراقية

سبب الفشل الصدري؟

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا“، التي لجأ إليها “الإطار”، صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا، من أصل 329، وفقا للدستور، وهذا ما لم ينجح تحالف الصدر بحشده رغم وصولهم لأكثر من 200 نائب، في إحدى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي فشلت.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار”، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار”، من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار”، في الـ25 من تموز الماضي، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح رئيس “تيار الفراتين”، وعضو مجلس النواب الحالي، محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: الكاظمي يهدّد بخلو المنصب.. هل يفعلها؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.