وضع لا يحسد عليه. هكذا يجد زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، نفسه وحيدا في المشهد السياسي العراقي، فحلفاء الأمس تخلوا عنه واقتربوا من خصمه “الإطار” لتوافق المصلحة السياسية، فما خيارات زعيم الحنّانة إزاء هذا المستجد؟

أمس الأحد، وعلى عكس ما اقترحه الصدر لحلفائه السنة والكرد بانسحابهم من البرلمان لإسقاط شرعيته، أو تعاونهم مع المستقلين لحل المجلس النيابي، خرج الحلفاء بتأكيدهم على تشكيل حكومة جديدة، واستمرار عمل البرلمان بكامل الصلاحيات.

اتفاق حلفاء الصدر وهما “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني، و”تحالف السيادة” بقيادة خميس الخنجر، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، على تلك الخطوة، يعني لا تحالف مع زعيم “الكتلة الصدرية” بعد اليوم.

3 خيارات أمام الصدر

خيار تشكيل حكومة جديدة واستمرار عمل البرلمان لحين إجراء انتخابات مبكرة أخرى، يتناغم مع مسعى “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، الذي يرفض حل البرلمان فورا وإجراء انتخابات تشريعية، قبل تشكيل حكومة جديدة، بالتالي فإن التناغم بات جليا بين السنة والكرد و”الإطار”.

بارزاني والحلبوسي والخنجر

التناغم الذي حصل، يترك مقتدى الصدر وحيدا يصارع القوى السياسية الطامحة بالكراسي وتقاسم كعكة المناصب الوزارية، ما يصعب عليه خطواته الإصلاحية التي يطرحها لإنهاء المحاصصة والفساد والتوافق، فما هي خيارات الزعيم السياسي الشيعي بعد الطعنة الأخيرة له؟

تقول الباحثة السياسية، ريم الجاف، إن اتفاق بارزاني مع الحلبوسي والخنجر، وضع مقتدى الصدر أمام الأمر الواقع وبمواجهة الجميع، وهنا تكمن الخطورة؛ لأنه قد يخاصم الكل إن لم يتصرف بدبلوماسية.

الجاف تردف في حديث مع “الحل نت”، أن الصدر أصبح اليوم أمام 3 خيارات أحلاها مر، أولها التماهي والقبول بحكومة محاصصة وتوافق، شدّد على رفضها في السابق، وهنا سيفقد ثقة الشارع غير الصدري به، وستهبط شعبيته.

الخيار الثاني بحسب الجاف، هو مواجهة الجميع عبر تصعيد جديد من خلال استخدام ورقة الشارع والخروج بتظاهرات أكبر من الأخيرة، وهذا الخيار قد يقلب العملية السياسية برمتها، لكنه صعب في ظل واقع جيو سياسي معقد.

وشهدت العاصمة العراقية بغداد، في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

تكريس العزلة؟

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

وتشير الباحثة السياسية ريم الجاف، إلى أن الخيار الثالث، بتمثل بترسيخ عزلته السياسية التي أعلنها مقتدى الصدر في وقت سابق، حتى حلول الانتخابات المبكرة المقبلة، والتي نرجح الجاف، بأن تحصل نهاية العام المقبل أو مطلع عام 2024.

الجاف تختتم، أنه غالبا سيتخذ الصدر الخيار الثاني أو الثالث ويبتعد عن الخيار الأول كليا؛ لأنه لو أراد ذلك، لذهب منذ البداية نحوه، خصوصا وأنه الفائز الأول في الانتخابات، وما كان قد انسحب من البرلمان أساسا، لكنه لن يلجأ له؛ لأنه يرفض تدوير المحاصصة مجددا.

في 30 تموز/ يوليو الماضي، اشتدّت الأزمة السياسية العراقية، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

مقتدى الصدر في ساحة التحرير ببغداد

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

إخفاق الثلاثي وانسداد عقيم

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.