أحد عناصر التطلع إلى الشرق، عضوية طهران الكاملة في منظمة “شنغهاي للتعاون”، والذي عده المحافظون إنجاز رئيسي لسياسة الحكومة الخارجية. فالصين وروسيا، حلفاء إيران ضد الغرب، يمكنهما تهيئة ظروف تجارية أفضل من دول مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. كما أن وكالة “الأنباء الإيرانية” اعتبرتها بديلا ممكن لتخفيف العقوبات عن إيران، بعد تعثر إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

غير أن شكوك عديدة، تحيط باستفادة إيران من عضويتها في المنظمة، نظرا للعقوبات والوجود الدائم لإيران على القائمة السوداء، إذ يشكلان عائقين أمام التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي مع أعضاء المنظمة.

بدوره، يُشير “المجلس الأطلسي” إلى نقطة حساسة، تتمثل في التزام صيني سابق ولمرة واحدة، بتدريب ألفي فرد أمن من الدول الأعضاء في المنظمة على مدى السنوات الخمس المقبلة، بعد أن دربت الآلاف من الأفراد العسكريين من إفريقيا على مدى العقد الماضي. وعلى أقل تقدير، فإن عضوية إيران في “شنغهاي”، سيمنحها وصولا أسهل إلى التمويل والتقنيات الصينية ويسهل عليها الاتصال مع دول آسيا الوسطى.

“شنغهاي للتعاون” معول هدم أحادية النظام الدولي

منظمة “شنغهاي للتعاون”، هي منظمة حكومية دولية تركز على التنمية الإقليمية والأمن، وتضم الصين والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، ولدت من رحم مجموعة “شنغهاي” الخماسية التي تضم الصين روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، التي عقدت سلسلة اجتماعات عام 1996-1997، حول القضايا الحدودية بين الصين والدول المجاورة لها ما بعد “الاتحاد السوفيتي”.

في عام 2001 انضمت إليها أوزبكستان لتشكل معا “منظمة شنغهاي للتعاون”، وفقا لنيكول غرايجيوسكي من “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، موسعة عمل التكتل ليشمل التعاون الاقتصادي والثقافي والأمني بهدف محاربة ما تصفه بكين بـ “محاور الشر الثلاثة”: الإرهاب والانفصالية والتطرف.

طهران تقدمت بطلب للحصول على صفة مراقب في عام 2004. وافقت عليه المنظمة عام 2005. وفي عام 2008، تقدمت بطلب العضوية الكاملة، لم يكتب له الموافقة لأسباب منها تعنت النظام الإيراني بشأن برنامجها النووي والضغط الدولي الناتج عن ذلك.

بعد رفع العقوبات عنها بموجب “خطة العمل الشاملة المشتركة” لعام 2015، جرت مناقشات مكثفة بشأن قبول عضوية إيران. وقفت طاجيكستان عثرة في طريقه، بسبب دعم طهران للمعارضة الطاجيكية، إضافة لتردد بكين خشية استغلال إيران لـلمنظمة للترويج ضد السياسات الأميركية.

خلال قمة رؤساء المنظمة في العاصمة الطاجيكية دوشنبه في أيلول/سبتمبر الماضي، وقعت طهران اتفاقا يسمح لها بالانضمام إلى منظمة شنغهاي في نيسان/أبريل الحالي. “التصويت الحاسم لمجلس الشورى الإسلامي بالموافقة على مشروع قانون انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون يرمز إلى عزمها وجديتها في تطوير التعاون الإقليمي والدولي والاقتصادي وتعزيز نظرتها نحو آسيا”. معتبرا أن “نهج التعددية هو واقع القرن الحالي”، حسب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.

عضوية طهران في منظمة “شنغهاى للتعاون” بوابة لكسر الأحادية، حسب أستاذة العلوم السياسية في جامعة بنى سويف، والخبيرة في الشؤون السياسية الصينية والآسيوية، ناديا حلمي، فضلا عن موازنة علاقاتها مع الدول الغربية التي تأثرت بفعل ملفها النووي. مشيرة، إلى أن عدم مصادقة طهران على قوانين مجموعة العمل المالي الدولي “فاتف”، والمتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، وضع تحديات جمة أمام الاستثمار الأجنبي والتبادل التجاري والمالي معها. ومع العقوبات الغربية، ينظر لعضوية طهران في “شنغهاى” كمتنفس اقتصادي وسياسي، وأداة لتخفيف وطأة الضغوط والعقوبات المفروضة عليها.  

تضيف حلمي في حديثها “للحل نت”، تولي طهران أهمية قصوى للجانب التجاري مع دول شنغهاى، في ظل إشرافها على ممرات اقتصادية وبحرية هامة دولياً. وهو ما ترنو إليه، بلعب دور فاعل في النقل الدولي. حيث بذلت جهودا كبيرة بمساعدة الصين وروسيا والهند، لاستعادة موقعها الإستراتيجي على خطوط “الترانزيت”، كمنفذ وملتقى للممرات الاقتصادية العالمية يربط دول شرق آسيا بالقارة الأوروبية. وبين الدول الأعضاء مع القارة الإفريقية ودول جنوب غرب آسيا.

الاعتماد على الصين

تفاؤل مفرط لمواجهة تأثير العقوبات الأميركية يعلق عليه المسؤولون الإيرانيون، فمن غير الواضح ما إذا كانت عضوية إيران الكاملة ستقلل كثيرا من عزلتها أو تحسن كثيرا من علاقاتها، حسب “فن الحكم المسؤول”. وما ستفعله العضوية، منح إيران حق النقض “الفيتو” إذا اختارت الرياض وأبو ظبي السعي إلى علاقات أكثر رسمية مع منظمة “شنغهاي للتعاون” ردا على التزام الولايات المتحدة المخفض بأمنهما. وكان مستشار الشؤون الدولية للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، قد نصح حكومة رئيسي بالتطلع شرقا نحو الصين وروسيا والهند، مؤكدا أنها يمكن أن “تساعد اقتصادنا على إحراز تقدم”.

المنظمة تشكل أحد أبرز البدائل الدوليّة المنافسة للقطبية الأحادية، ذات المعايير الغربية المغايرة لمعايير الشرق، حسب “المعهد الدولي للدراسات الإيرانية” (رصانة). فالصين وروسيا، القطبين الأقوى في المنظمة، يدعوان مباشرة لنظام دولي متعدد الأقطاب، وإلى جوارهما بلدان ذات وزن سياسي، كالهند وباكستان، ودول أخرى تمتلك موارد الطاقة وسواها وأسواق واسعة في آسيا الوسطى، مما يجعل المنظمة قوة مهمة على مستوى الدبلوماسية الدولية، وفضاء اقتصاديا واعدا.

كما تلعب المنظمة دورا سياسيا وأمنيا بارزا، وتحظى بأهمية عالمية كبيرة، لضمها أربع قوى نووية، اثنتان منهما تمتلكان حق النقض في مجلس الأمن. بالإضافة لمساحة جغرافية لدول أعضائها تزيد عن 30 مليون كم مربع، وعدد السكان أكثر من 3.5 مليار نسمة، قرابة نصف سكان العالم، مع هيمنة على 20 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، مقدر بنحو 15 تريليون دولار. مما جعل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يصرح في كلمته أمام مؤتمر قادة منظمة “شنغهاي”، أن “العالم دخل حقبة جديدة، الهيمنة والأحادية إلى زوال، النظام العالمي بدأ شيئا فشيئا يتجه نحو التعددية، وإعادة توزيع القوى نحو الدول المستقلة”.

أولا وقبل كل شيء، عضوية إيران في منظمة “شنغهاي للتعاون” جزءً من جهود أوسع، تهدف لإنشاء نظام عالمي جديد تسيطر عليه وتديره إلى حد كبير القوى العالمية الشرقية روسيا والصين إضافة إلى قوى متوسطة المستوى، مثل الهند وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية وغيرها، حسب رحيم حميد، الباحث الأحوازي في “معهد الحوار للدراسات”، ومقره واشنطن.

على هذا النحو، تنضم إيران لمنظمة “شنغهاي” بقصد تعظيم المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. في الجانب الاقتصادي، ستعتمد إيران بشكل كبير على الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والتي وقعت معها اتفاقية شراكة إستراتيجية بقيمة 400 مليار دولار لمدة 25 عامًا.

عسكرياً، ستميل إيران نحو روسيا لتحقيق هذه الغاية، لاسيما وإنها تساعد روسيا في حربها العدوانية على أوكرانيا، من خلال تزويدها بطائرات بدون طيار بهدف تعزيز التعاون العسكري بين الخصمين المناهضين للولايات المتحدة. كما أن هناك قوى أخرى يمكن لإيران أن تعزز معها التعاون الاقتصادي مثل تركيا والهند. وبالشكل عام، ستختار إيران بعناية كل قوة صاعدة يمكنها تطوير العلاقات معها في مجالات التعاون المختلفة هذه حسب ما تقتضيه احتياجاتها.

هشاشة الاقتصاد الإيراني عائق أمام فك عزلة طهران

مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية، تنتظرها طهران من وراء عضويتها في “شنغهاي”، وفقا لـ “رصانة”. من خلال تعزيز سياسة التوجه شرقا، لإنهاء العزلة الدولية المفروضة عليها بسبب طموحاتها النووية وصواريخها الباليستية ومشاريعها التوسعية.

مع تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول المنظمة، لإفقاد العقوبات عليها جدواها، بما ستوفره لطهران من عوائد مالية عبر الانفتاح على الأسواق الكبيرة في الكتلة الشرقية. لكن الأمر غير مؤكد، حسب الخبير الاقتصادي محمود جامساز، فـ”الانضمام للعضوية لن يتيح لإيران شيئا لهشاشة الاقتصاد الإيراني واحتياجه لرفع العقوبات الاقتصادية للخروج من حالة العزلة”.

لكن قد تجد إيران فيها فرصة لتعزيز وتطوير قدراتها العسكرية بالتعاون مع الروس والصينيين، لاسيما، بعد رفع العقوبات الدولية على صادرات السلاح الإيرانية في عام 2020، وتوقيع روسيا والصين صفقات سلاح مع إيران.

فور قبول عضويتها، بادرت إيران بتقديم مقترح رسمي للمنظمة لاعتماد عملة موحدة للمبادلات المالية بين الدول الأعضاء، حسب حلمي. وفى حالة تنفيذ المقترح، سيسهل التجارة بين دول المنظمة. وبالنظر إلى حصة دول “شنغهاى” في الاقتصاد العالمي فإن عضوية طهران ستفتح أسواقا لإيران في دول المنظمة، وتفتح أمامها آفاقا اقتصادية وتجارية أوسع يغنيها بالتالي عن تقديم تنازلات في المفاوضات النووية تحت وطأة العقوبات.

بالمحصلة، يعزز من مكانتها على المستوى الدولي، من خلال وجودها الرسمي إلى جانب القوى الشرقية الوازنة، كالصين وروسيا والهند، مع ما تؤديه الضغوط الغربية على كل من إيران وروسيا والصين، من تقريب هذه الدول بعضها من بعض، لتشكل عاملا مشتركا يحفزها على تطوير علاقاتها السياسية والتجارية والمالية، مما ساعدها في الالتفاف على العقوبات الغربية مع إحباط الجهود الغربية لعزلها.

تصميم منظمة “شنغهاي” المؤسسي يقوم على نظام الإجماع الذي يحد من إمكانية إقامة التعاون الكبير ضمنها، حسب نيكول غرايجيوسكي. كما تفتقر الهيئتين الدائمتين فيها “الأمانة العامة” في بكين و”الجهاز الإقليمي لمكافحة الإرهاب” في طشقند، إلى الأهلية القانونية لإنفاذ القرارات.

بالتالي، تعمل كمنتدى للنقاش والمشاركة أكثر من كونها تحالفا إقليميا رسميا شبيها بـ “الاتحاد الأوروبي” أو حلف “الناتو”. أما ما قد تنالها إيران من العضوية فهو تعزيز الشرعية الدولية “للجمهورية الإسلامية” وعلاقاتها مع الشرق. ووضع نفسها كشريك ملتزم بمكافحة محاور “الشر الثلاثة” لبكين، كما ستؤدي العضوية إلى تعزيز دور طهران في إدارة الأمن الإقليمي وتزيد من سعيها لإضافة “موجه شرقي” لسياستها الخارجية.

ووفقا لحميد، تنضم إيران بشكل أساسي إلى الكتلة بحثا عن شركاء جدد بدلا من الولايات المتحدة التي تفرض عقوبات معوقة على البلاد وأوروبا التي تنأى بنفسها عن طهران، بل وألغت آلية “إنستكس” للتبادل التجاري. مضيفاً خلال حديثه “للحل نت”، ستلبي إيران احتياجاتها العسكرية من روسيا والصين.

إيران ستعتمد على الصين لتعزيز اقتصادها، بالنظر إلى أن بكين هي المشتري الأول للنفط الإيراني. ولكون إيران محطة مهمة في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. وستمكنها العضوية من إقامة شراكات قوية مع الهند وتركيا وروسيا. وعلى الصعيد السياسي، ستعمل إيران مع روسيا والصين والقوى العالمية الأخرى، التي ستنضم إلى المعسكر الشرقي لاحقا، لتوجيه ضربات للهيمنة الغربية على النظام العالمي.

مزايا سياسية واقتصادية، ولربما أمنية وعسكرية، ستجنيها إيران، أو تسعى لجنيها، جراء انضمامها لمنظمة شنغهاي للتعاون. إلا أن هذا الحصاد ليس نتاج العضوية الرسمية في المنظمة، بقدر ما هو مرتبط بزيادة الاصطفاف العالمي، أثر الحرب الأوكرانية، وجوهرها القائم على تثبت أو هدم الأحادية القطبية للنظام الدولي، من الولايات المتحدة وشركائها الغربيين في مواجهة الاتحاد الروسي ومن خلفه الصين ودول الجنوب العالمي، حسب التسمية الصيني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة