في منعطف تاريخي شهدته إيران، عندما تمكنت “الثورة الإسلامية” بقيادة روح الله الخميني عام 1979 من إسقاط حكم الشاه محمد رضا بهلوي، والانتقال بالحكم من الملكي المدني إلى الجمهورية الإسلامية، استطاعت طهران بعد ذلك وعلى مدار أكثر من 4 عقود من اللعب على العامل الديني في مدّ نفوذها إلى المنطقة العربية في محاولة لفرض السطوة الإيرانية على منطقة الشرق الأوسط، وذلك في سياق حلم تصدير “ثورة إسلامية”.

منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أن الشواهد التاريخية العديدة قد فضحت النظام الإيراني في استخدامه الدّين كوسيلة للتمدد عبر العالم، إلا أنه تمكن واقعيا من نشر الإرهاب وتدمير العديد من العواصم العربية التي تحولت إلى ساحات اقتتال بالوكالة لصالح الأجندة الإيرانية، وتكريس الطائفية بين أبناء البلد الواحد.

قبل أكثر من 40 عاما، مثّلت عودة الخميني من فرنسا إلى إيران، والإعلان عن الجمهورية الإسلامية، انطلاقة وصل صداها كل العواصم العربية والعالمية، ففضلا عن كونها أول جمهورية إسلامية تنشأ عن ثورة دينية في منطقة الشرق الأوسط، اهتم النظام الإيراني بتصدير نموذج ثورته المثيرة للجدل إلى الخارج، مستخدما آليات مذهبية، الأمر الذي فتح باب المنطقة على صراع لم ينتهِ منذ ذلك الحين.

إذ عكفت إيران على مدّ نفوذها إلى دول إقليمية عديدة، معتمدة على الظروف الداخلية التي تعيشها تلك البلدان، مثل الأزمات والحروب الأهلية، مع التركيز على عدم إهمال العامل الطائفي؛ فبدأت من لبنان أولا التي كانت حينها تعيش حربا أهلية، لتأخذ جانب التنظيمات الشيعية التي قدمت لها كافة الدعم، وهو ما مكّنها من ترسيخ نفوذها بلبنان، لاسيما بعد المساهمة بتأسيس “حزب الله”.

تجربة التمدد الديني

تجربة لبنان مثّلت خارطة طريق لإيران، ولمشروع تصدير الثورة، وبدى الاستثمار في القضية الدينية والمذهبية أمرا مربحا، ما دفع النظام الإيراني لتكريس كل إمكاناته وطاقاته لبلورة فكرة “المثلث الشيعي”، وهو الذي يجب أن يمتد إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن. حيث ركزت طهران في مطلع تسعينيات القرن الماضي على تكرار المشهد اللبناني في العراق، وهو ما حصل بعد الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003.

اقرأ/ي أيضا: ضرائب جديدة بموازنة العراق الثلاثية.. ما تأثيرها على المواطنين؟

في العراق استفادت إيران من الحضور القوي للمكوّن الشيعي لأجل دعم أحزاب وحركات أضحت اليوم رئيسية في المشهد العراقي، والأمر ذاته جرى في اليمن في دعم “الحوثيين” بشكل مباشر من حيث المال والسلاح، وهو ما مكّن الجماعة اليمنية التي تنتمي أيضا إلى المذهبية الشيعية، من قلب المعادلة في صنعاء والسيطرة على مساحات واسعة جدا من البلاد، لتفرض بذلك أمرا واقعا.

في خضم ذلك، وبينما كانت إيران تقدم نفسها على أنها المنافس والمناهض الوحيد في المنطقة لإسرائيل، حرصت أيضا على صناعة الهوية الشيعية، وتعزيز حضورها في عدد من البلدان، بجانب رفع شعار نصر المكون الشيعي، مستغلة بذلك تعرض الشيعة لمضايقات وضغوط في عدد من الدول العربية، مثل العراق إبّان عهد صدام حسين الذي تصدى بالقوة، لمحاولاتهم في الإطاحة بنظامه بدعم إيراني، وفي السعودية التي حاولت تحجيم المكون الشيعي خوفا من تنامي الدور الإيراني، الأمر الذي ردت عليه طهران بدعم حركات شيعية في الخليج، منها ما هو مسلح كـ”حزب الله الحجاز” في السعودية، أو بدعم ورقة المجموعات الدينية، خصوصا في البحرين والكويت.

حالة خلقت نوعا من النّدية في المنطقة العربية، والتي دفعت طهران بكل قوتها لتحويلها لصراع مسلح، وذلك بعد أن أدركت منذ وقت مبكر لغة السلاح وانتشاره في المنطقة، وتعزيز حضور وكلائها في العمليات السياسية مثل سوريا والعراق ولبنان، وبعد أن كانت قد أسست جماعات مسلحة أيديولوجيا تتخذ من الدّين شرعيتها.

في إطار ذلك، شرح المختص في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، الحالة الإيرانية بالقول، إن النظام الإيراني ومنذ بداية الثورة الإيرانية في أواخر السبعينيات، قد استخدم مشروع الدِّين، لكن قبل ذلك اعتمد على المشروع المذهبي، بمعنى في بداية الثورة اعتمد النظام الإيراني شعارا تسبب باندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وهو تصدير التشيع لخارج الحدود.

المذهب وسيلة توسعية؟

استخدام المشروع المذهبي والديني هو خدمة لأجندة سياسية وتوسّعية يطمح لها النظام الإيراني وليس له علاقة بالدِّين أو نصرة المكوّن الشيعي، كما يرى عبد الرحمن. ويشير إلى أن إيران استخدمت الدِّين في خدمة مصلحتها، لم يكن محورها الديني مقتصرا على الجماعات الشيعية، بل إن طهران دعمت جماعات سنية سلفية تشترك مع إيران في ذات الهدف وهو محاربة الإمبريالية العالمية، مستخدمة ذلك مع القضية الفلسطينية.

علاوة على ذلك، بيّن المختص بالشأن الإيراني، أن طهران لجأت إلى المشاريع الأيدولوجية التي تقف ضد الدِّين، مثل الحزب “الشيوعي”، وذلك لخدمة مصالحها. ما يدلل على أن المشروع الإيراني هو مشروع قومي وليس ديني أو طائفي أو مذهبي، لكنه يركز في مصالحه ويستخدم كل ما يتوفر أمامه لتحقيق أجندته.

اقرأ/ي أيضا: مسلسل “دفعة لندن“.. يثير غضب العراقيين ويشعل جدلا مع الكويتيين

لكن على الرغم من ذلك، يقول عبدالرحمن، إن النهج الإيراني قد افتضح، ولذلك فشلت طهران في مشروعها الديني والمذهبي الذي راهنت عليه، مبينا أن إيران في الوقت الحالي تواجه غضبا شعبيا واسعا في جنوب العراق، بعد أن كان أبناء الجنوب يعتقدون فعلا أن النظام الإيراني يسعى لدعمهم وتمكينهم.

استخدمت طهران الدين للتمدد عالميا عبر وسيلتين، الأولى هي غسيل الأدمغة من خلال المراكز الثقافية التي تنشئها بكثافة في البلدان التي تستهدفها، وذلك بجانب الترويج للمذاهب والدين.

وجدان عبد الرحمن لـ”الحل نت”.

حول هذه الوسيلة، يقول عبد الرحمن، إن النظام الإيراني نجح بالفعل إلى حد ما في التوسع وتحقيق أجنداته، غير أنها دعاية لم تستمر أكثر من ذلك، وهو ما تسبب فيما بعد بانقلاب الطبقة التي تم استقطابها إلى جانب المشروع الإيراني تحت ذلك التأثير، بما فيهم الشعب الإيراني.

السلاح بموازاة الدين

أما الوسيلة الثانية، هي التوريط والتهديد تحت السلاح، واستخدامها جاء ليقين طهران من أن خداعها الديني والرهان على العامل المذهبي لا بد أن ينكشف ذات يوم، لذلك من الضرورة وضع قوة السلاح بموازاة الدين للحفاظ على توازن التأثير، لافتا إلى أن كل تلك الأنشطة قائمة على استخدام الأموال التي إذا ما انتفت سيكون هناك عدة انقلابات على النظام الإيراني.

هذا ويُصنّف النظام الإيراني عالميا بأنه الراعي الأول للإرهاب الدولي من خلال الجرائم العديدة والكثيرة والعمليات الإرهابية التي ارتكبها ضد مواطنيه وضد شعوب المنطقة والعالم، حيث أسس العديد من المنظمات الإرهابية في الداخل والخارج، منها ميليشيات “حزب الله” في لبنان و”حزب الله الحجاز” في السعودية ودول الخليج، و”عصائب أهل الحق” وعشرات الميليشيات الطائفية في العراق، وكذلك “الحوثيين” في اليمن، إضافة إلى دعم وتواطؤ طهران مع منظمات إرهابية دولية أخرى مثل تنظيم “القاعدة” التي آوت عددا من قياداتها ولا يزال عدد منها في إيران .

النظام الإيراني لم يكتفي بإنشاء الميليشيات الإرهابية وخلايا للتجسس فحسب، بل قام بعمليات خطف وتفجيرات واغتيالات ضد السفارات والدبلوماسيين والمراكز المدنية والمعارضين وخصومه السياسيين، منها تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981، وما نجم عنه مقتل 61 شخصا وإصابة 110 أشخاص، فضلا عن تفجير السفارة الأميركية في بيروت من قبل “حزب الله” اللبناني عام 1983، ما تسبب بمقتل 63 شخصا في السفارة.

كذلك في العام 1983 قام “الحرس الثوري” الإيراني بتنفيذ عملية انتحارية في بيروت استهدفت مقر مشاة البحرية الأميركية، ونجم عنها مقتل 241 شخصا، وجرح أكثر من 100 من أفراد البحرية والمدنيين الأميركيين.

كل تلك الجرائم، لا تساوي شيئا أمام الحرب الطائفية التي غذتها إيران في العراق، وكذلك فيما تسببت به في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، غير أن القاسم المشترك الوحيد بين كل تلك الجرائم هو الدفاع عن المذهب الشيعي، الذي تخلى عنه النظام الإيراني بشكل علني في أذربيجان لصالح دعم خصومهم من المسيحيين في أرمينيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة