في الوقت الذي يمرّ فيه العراقيون بأزمة مالية حادة جراء ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل العملة المحلية وتداعياته على السلع الاستهلاكية، يبدو أنه لا يزال بانتظارهم الكثير من المعاناة، نتيجة فرض الحكومة العراقية ضرائب جديدة على السلع والخدمات العامة في موازنة عام 2023 الثلاثية، والأكبر في تاريخ البلد.

الموازنة الثلاثية تتضمن في بنودها فرض ضرائب الجديدة بنسبة 5 بالمئة على عوائد مبيعات اللتر الواحد من البنزين، و10 بالمئة على زيت الغاز أو الكاز، و15 بالمئة على الوقود المستورد، و1 بالمئة على مبيعات النفط الأسود، كذلك سيتم فرض “ضريبة مطار” في جميع المطارات العراقية بمبلغ مقطوع مقداره 25 ألف دينار، أي ما يقارب نحو 20 دولارا، للشخص الواحد للمسافرين إلى خارج العراق، الأمر الذي عدّه مراقبون بأنه سيفاقم من معاناة المواطنين.

ذلك يأتي بعد عامين من استمرار البلاد من دون موازنة عامة، وبعد أن وافق مجلس الوزراء العراقي منتصف الشهر الجاري، على مشروع قانون الموازنة، وإحالته إلى “البرلمان” بانتظار التصويت عليه في غضون 45 يوم في أقصى الأحوال، وذلك خلال جلسته الاعتيادية التي عُقدت برئاسة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.

موازنة بالضرائب للتخفيف عن المواطنين!

إقرار مشروع قانون الموازنة الاتحادية جاء هذه المرة لثلاث سنوات 2023 و2024 و2025، خلافا لما كان يُعتمد في العراق في إقرار قانون الموازنة لعام واحد، وذلك بعد أن بقي العراق من دون موازنة خلال العام الماضي نتيجة للخلافات السياسية التي عصفت بالبلاد، على خلفية الانتخابات المبكّرة الأخيرة التي خاضها العراق في تشرين الأول/أكتوبر 2021، مما عطّل تشكيل الحكومة لأكثر من عام.

اقرأ/ي أيضا: العراق على فوهة انفجار.. البرلمان يكسر إرادة الشارع بإقرار “سانت ليغو“

مشروع الموازنة جاء للتعامل مع آثار التحديات الاقتصادية الدولية والإقليمية والمحلية، بحسب ما تحدثت به وزيرة المالية طيف سامي، إبان تقديم عرض مشروع الموازنة، والذي من المقرر أن يركّز على الأولويات التنموية، ودعم شبكة الحماية الاجتماعية، والفئات الأكثر احتياجا، فضلا عن توفير غطاء آمن للمشاريع الاستراتيجية والتنموية المستدامة.

لكن على ما يبدو أن الأمر جاء مرادفا لوعود الحكومة والقائمين على الموازنة في تخفيف المعاناة عن المواطنين، فحسب الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، فإن هذه الضرائب ستؤدي إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية والحد ولو قليلا من تهريب الوقود إلى الخارج، غير أنها ستؤدي إلى ارتفاع تكلفة نقل الأشخاص والبضائع ومن ثم ارتفاع جديد في أسعار السلع والخدمات وهو ما قد يؤدي إلى تجاوز نسبة التضخم السنوي المحددة بالموازنة بنسبة 5 بالمئة والتأثير سلبيا على المستوى المعاشي للمواطنين.

المرسومي وفي تصريحات صحفية، تابعها موقع “الحل نت”، قدّر ما ستوفره هذه الضرائب بنحو 400 مليون دولار للحكومة، لكنه حذّر في الوقت ذاته من سلبياتها التي قد تفضي إلى تضرر المستوى المعيشي للشرائح الهشّة في المجتمع، لافتا إلى أن هذه الإيرادات لا تضيف مبلغا كبيرا إلى الموازنة العامة فإنها قد تحد قليلا من الوقود المهرب إلى الخارج.

عضو اللجنة المالية في “البرلمان” العراقي جمال كوجر يتفق مع هذا الرأي، قائلا في تصريحات صحفية، إن الدولة العراقية حالها حال أي دولة أخرى في العالم تفرض الضرائب عندما تقل مواردها لدعم موازنتها، وهنا يكون المواطن هو الضحية وليس الحكومات، موجها انتقاده لفرض الضرائب دون أن يقابله أي تعديل لسلّم الرواتب وتحسين حال المواطنين، لا سيما القطاع الخاص الذي يكاد يكون دعمه معدوما في الموازنات الحكومية، وذلك من أجل خلق نوع من التوازن بين أخذ الضرائب وتحسين الخدمات.

المواطنون ضحية الضرائب

كوجر، بيّن أنه في حال لم يكن هناك أي تعديلات أو تحسّن في الحال المعيشي للقطاع الخاص وسلّم الرواتب، فستكون هناك آثار سلبية سيدفع ضريبتها المواطن. وذلك في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن أن فرض الضرائب بهذا الشكل سيدفع لزيادة التضخم بالبلاد.

ذلك يأتي في وقت تعتمد البلاد فيه على إيرادات بيع الخام لتغطية نحو 95 بالمئة من نفقاتها، محققة في 2022 عائدات مالية بأكثر من 115 مليار دولار جراء تصدير النفط الخام، لتكون الأعلى منذ سنوات حسب الأرقام الرسمية التي أعلنتها وزارة النفط العراقية.

اقرأ/ي أيضا: جولة أميركية ملحمية في إفريقيا.. هل تكبح الأجندة التوسعية لروسيا والصين؟

بيد أن العراق يستورد المشتقات النفطية الرئيسة، كالبنزين وزيت الغاز والنفط الأبيض. وحسب شركة تسويق النفط “سومو”، شهد العام الماضي استيراد أكثر من 5 ملايين طن من المشتقات النفطية بقيمة 5.3 مليارات دولار، مقابل 4.7 ملايين طن وبقيمة 3.3 مليارات دولار في 2021، وكان البنزين الأكثر استيرادا بقيمة 3.8 مليارات دولار، يليه زيت الغاز بأكثر من 1.2 مليار دولار.

وخلال السنوات العشر الماضية مثّلت إيرادات النفط 99 بالمئة من إجمالي صادرات العراق و85 بالمئة من الموازنة العامة للبلاد ونحو 42 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لبيانات البنك الدولي. ويعتزم العراق خلال العام الجاري تصدير 3.5 ملايين برميل سنويا، وفق ما أقرّته حكومة البلاد في موازنتها للعام الجاري.

العراق هو ثاني أكبر مُنتج للنفط في منظمة “أوبك”، وتعتمد الدولة على إيرادات بيع الخام لتغطية نحو 95 بالمئة من نفقاتها، وذلك في الوقت الذي حدد فيه سعر برميل النفط بنحو 70 دولارا للبرميل في الموازنة التي أقرتها الحكومة، بإجمالي نفقات مقترحة تبلغ 197.8 تريليون دينار (152.2 مليار دولار)، وبعجز مالي بلغ 63 تريليون دينار (48.5 مليار دولار)، بحسب البيان الحكومي الرسمي.

ضرائب في ظل البطالة والفقر

ذلك يأتي في الوقت الذي أقرت فيه الحكومة العراقية بارتفاع نسب الفقر في 2022 إلى 25 بالمئة من إجمالي السكان، في أعلى نسبة تتبناها الجهات الرسمية العراقية حتى الآن، وسط تشكيك بكون الرقم المعلن أقل من الواقع، خاصة في المدن المنكوبة، شمالي وغربي البلاد، التي شهدت معارك طاحنة خلال السنوات الماضية لطرد مسلحي تنظيم “داعش”.

حول ذلك، كان المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي، قد قال في كانون الثاني/يناير، إن هذه النسبة ارتفعت مقارنة بعامي 2019 و2020، حيث كانت لا تتجاوز 20 بالمئة، مبينا، وفقا لوكالة الأنباء العراقية، أن ارتفاع نسبة الفقر يعود الى أسباب عدة، من بينها تداعيات جائحة “كورونا” خلال 2020 و2021، وتوقف الأنشطة الاقتصادية، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية نتيجة خفض أسعار النفط خلال الفترة ذاتها، وتوقف المشاريع.

نسبة الفقر في العراق تقاس وفقا لمعدل دخل العائلة اليومي، وتبلغ بالحد الأدنى ما يعادل 8 دولارات باليوم الواحد، وتشير إحصائيات “برنامج الغذاء العالمي” إلى أن مليونين وأربعمئة ألف شخص في العراق بحاجة ماسة إلى الغذاء.

في مقابل تلك الأرقام، كانت وزارة التخطيط العراقية قد كشفت عن ارتفاع نسبة البطالة بين العراقيين إلى 16.5 بالمئة في عام 2021، فيما كانت 14 بالمئة في عام 2020 حيث شهد العراق حينها إغلاقا تجاريا بسبب جائحة “كورونا”، وبحسب الإحصائيات الحكومية، يمثّل الشباب الفئة الأكبر في المجتمع العراقي، إذ ارتفعت نسبة البطالة للفئة العمرية من 15-40 عاما إلى 23 بالمئة، في حين بلغت نسب البطالة بين جميع النساء 30 بالمئة للعام 2021.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة