الزيتون في سوريا، لطالما اعتبره السوريون من أهم الأشجار والزراعات التي يعتمدون على إنتاجها بشكل موسمي، سواء لبيع الزيتون “الحَب” كما يسمونه، أو لعصره والحصول على الزيت أيضا لبيعه أو للمونة، ولكن خلال العامين الأخيرين أصبح الزيتون وإنتاج الزيت عبئا على السوريين لارتفاع تكاليف إنتاجه، التي باتت توازي سعر البيع داخليا أو حتى عند تصديره.

الزيتون مكلف الخسارة أكبر

العناية بأشجار الزيتون أصبحت مكلفة للغاية بحسب المزارعين، الري يحتاج لمبالغ كبيرة، والفلاحة أيضا وحتى رش الأشجار بالمبيدات لمنع التسوس وغيره، أضافة إلى العديد من الأمور الأخرى.

قطاف الزيتون بسوريا “وكالات”

أبو نواف أربعيني يملك حقل زيتون في السويداء، يروي لـ”الحل نت” عن تكاليف العناية بأشجار الزيتون قائلا، “الوضع حاليا يختلف عن السابق فكل شيء ارتفع بشكل كبير جدا، فلدي 100 شجرة زيتون عمر الشجرة 9 سنوات، خلال الصيف أضطر إلى سقايتها بواسطة صهريج ماء لعدم وجود آبار قريبة، وثمن كل صهريج 35 ألف ليرة وفي كل مرة أحتاج إلى 10 صهاريج على الأقل أي 350 ألف ليرة، ولا بد من الفلاحة حول الأشجار على الأقل مرة في الصيف ومرة بعد القطاف بواسطة (العزاقة) وأجرتها في الساعة لا تقل عن 20 ألف، وتبلغ التكلفة في كل مرة 200 ألف ليرة”.

أبو نواف يضيف، “خلال الصيف من المهم أن يتم رش الشجر بالمبيدات من أجل التخلص من التسوس الذي يصيب الأشجار نفسها، والدود الذي يصيب حبات الزيتون وهذا بحد ذاته مكلف، خاصة لمن لا يملك جرار وصهريج صغير للرش، وفوق كل ذلك زادت أجور العمال إلا إذا كان لدى صاحب الأرض أبناء يمكنهم العمل فيها فيوفّرون أجور العمل، كل هالشي وما وصلنا للقطاف والعصير، الموضوع خسارة بخسارة”.

إقرأ:“سيل الزّيتون من سيل كانون”.. مزارعو الزيتون السوري يفقدون الأمل

التكاليف متنوعة وإذا ربحت راس براس

تكاليف الزيتون لا تقتصر على الري والفلاحة والأعمال التي تسبق القطاف، وإن كانت أساسية ومهمة، فعند الوصول إلى موسم عصر الزيتون بعد منتصف تشرين الأول/أكتوبر من كل عام تبدأ تكاليف أخرى بالظهور ويتم التعامل معها بشكل مختلف بين شخص وآخر من المزارعين.

عبدالله الخطيب، من ريف درعا الغربي يملك أرضا مزروعة بنحو 200 شجرة زيتون، يتحدث لـ”الحل نت” قائلا، “أملك حوالي 200 شجرة زيتون بعضها عمرها 15 سنة والبعض 10سنوات، وحاليا بدأنا بالتحضير للقطاف والعصير، ومن أجل ذلك اتفقت مع ورشة عمال مكونة من 10 أشخاص وأجرة العامل يوميا 15 ألف ليرة ونحتاج لحوالي 8 أيام على الأقل للانتهاء من القطاف وستكون أجرة العمال وحدها حوالي 1,2 مليون ليرة، والنقل إلى المعصرة يحتاج إلى 30 ألف ليرة عن كل عملية نقل، وبعد ذلك يأتي شراء عبوات الزيت (البيدونات) وسعر العبوة 10 آلاف ليرة، ثم أجرة العصر حيث تبلغ 20 ألف ليرة على الأقل عن كل عبوة، التكاليف كلها ارتفعت وبالأخير إذا الموسم جيد بتطلع راس براس”.

حول أسعار الزيت يضيف الخطيب، “على الرغم من انخفاض قيمة الليرة وارتفاع سعر تنكة الزيت لحوالي 300 ألف، إلا أن دخل الأهالي متدني، وشراء تنكة زيت يحتاج راتب شهر خاصة للموظف، وهناك أشخاص يفضلون الشراء من المعصرة نفسها حيث ينخفض السعر ليبلغ 250 ألف لتنكة الزيت، أما بالنسبة للتصدير فلا شيء واضح حتى الآن، سمعنا أن باب التصدير سيفتح هذا العام لكن الأسعار متقاربة بين التصدير والداخل وحتى الأسعار بالداخل أفضل”.

ارتفاع غير مسبوق بالتكاليف

الارتفاع غير المسبوق في تكاليف إنتاج زيت الزيتون، يترك آثاره على سعر مبيع ليتر الزيت، ويؤكد منتجون أن هنالك أرقاما كبيرة يدفعونها هذا العام لقاء كل عبوة زيت يشعر أغلبية المستهلكين بوطأة سعرها، وقدّر بعضهم الزيادة عن تكاليف العام الماضي بمقدار الثلث، بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الخميس.

المنتجون أشاروا إلى أن المستهلكين عموما يبدون استياء أكبر من ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية من دون غيرها من السلع، التي يرتفع سعرها يوميا بما في ذلك الزيوت النباتية، ولكن يوضحون أن تكاليف إنتاج الزيت تتوزع على أكثر من مرحلة، فهي تصل إلى أكثر من 400 ألف ليرة لكل دونم زيتون، وتتوزع بين تكاليف حراثة الدونم التي تصل إلى 80 ألف ليرة، وأجرة عامل التقليم 25 ألف ليرة يوميا، ويصل سعر كيس السماد الواحد إلى 250 ألف ليرة.

هذه التكاليف كلها لمرحلة ما قبل الإنتاج، وعند الوصول إلى مرحلة الإنتاج تظهر التكاليف الأكبر، حيث تصل أجرة عامل القطاف في اليوم إلى 35 ألف ليرة، أو 5 آلاف ليرة لقاء كل” تنكة” زيتون يقطفها.

المنتجون يشيرون إلى أنه عندما تكون الأجرة أقل من 35 ألف ليرة، يصبح على صاحب حقل الزيتون أن يقدم للعامل الطعام والشراب وأجور المواصلات، لتصبح التكلفة ضمن الحدود السابقة، أو أن يحاصص صاحب الإنتاج على نسبة قد تصل إلى النصف في الأراضي التي يصعب قطافها، وفي الغالب لا تقل النسبة عن ثلث الإنتاج مقابل قطافه.

هنالك تكاليف أخرى، منها نقل الزيتون إلى المعاصر حيث لا تقل تكلفة أي نقلة عن 25 ألف ليرة، علما أن غالبية المنتجين يضطرون لنقل الزيتون أكثر من مرة، منها من الأرض إلى البيت، ومن ثم إلى المعاصر بسبب انتظار الحصول على الدور قد يطول نتيجة الازدحام على المعاصر من جهة، وقلة أعداد المعاصر من جهة أخرى.

التقرير نقل عن صاحب إحدى المعاصر، أنه يتقاضى عن كل “بيدون” زيت سعة 20 ليترا مبلغا قدره 15 ألف ليرة سورية أو وربع الليتر من الزيت، مؤكدا ارتفاع تكاليف التشغيل والإصلاح رغم حصولهم من المنتجين على مخلفات العصر مجانا، حيث يباع الطن منه بمبلغ لا يقل عن 600 ألف ليرة، ويمكنهم تصنيع الصابون منه وكذلك فحم الأركيلة.

ارتفعت أيضا أسعار أدوات الإنتاج من عبوات وأكياس وغيرها، حيث وصل سعر “البيدون” الفارغ إلى 11 ألف ليرة، وغالبا ما يضطرون لتجديد هذه العبوات كل عام بسبب استهلاكها الدائم، لأن تأمين العبوات من أهم مشكلات تسويق المنتج، إذ على الشاري أن يحضر معه العبوة، وعندما لا يحصل هذا الأمر على المزارع تحمل أعباء وتكاليف تأمينها، خاصة عند مَن يضطر لبيع بعض إنتاجه مع قلة الطلب الناتجة عن تراجع القدرة الشرائية، والحاجة لتأمين مصاريف الحياة.

البيع بأسعار العام الماضي

حتى الآن لا يوجد رقم نهائي لتكاليف الإنتاج هذا الموسم وكذلك الحال مع وزارة الزراعة، حيث بيّن مدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة، أحمد دياب، أن التسعيرة النهائية لتكاليف ليتر الزيت لم تُنجز بعد، وأن العمل جار على دراسة التكاليف وستُعلن قريبا.

لكن في الواقع يتراوح سعر مبيع الزيت بين منطقة وأخرى من 250-300 ألف ليرة، حيث يعتمد المنتجون على تسعيرة العام الماضي، ويمكن أن يكون السعر أقل من ذلك في حال تم شراء الزيت من المعاصر، حيث حصل البعض على “بيدون” الزيت من المعاصر بسعر 230-240 ألف ليرة.

ارتفاع في الأسعار وتدني القدرة الشرائية

القدرة الشرائية المتدهورة تسبب مشكلات كبيرة في تسويق أي نوع من الإنتاج، ويمكن ملاحظة حالة الاستياء العامة من ارتفاع أسعار زيت الزيتون أكثر من غيره من المواد التي تتحرك أسعارها كل ساعة، كما يقول منتجو الزيتون، بحسب الصحيفة.

عضو مجلس إدارة غرفة زراعة دمشق واتحاد الغرف الزراعية، مجد أيوب، أوضح أن حالة الاستياء العامة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية أمر طبيعي جدا نظرا للتطور الكبير والسريع بالأسعار مع غياب الرقابة، وعند التصريح عن الأسعار من وزير التجارة الداخلية عمرو سالم يتم الأمر من دون دراسة الوضع العام سواء للمنتجين أو المستهلكين.

أيوب بيّن أن سعر زيت الزيتون كان دائما أعلى من أسعار الزيوت النباتية الأخرى ولا يزال كذلك، فسعر كيلو غرام الزيت كان في العام الماضي عند الموسم بحدود 14.5 ألف ليرة، في حين لم يكن سعر ليتر الزيت النباتي يتجاوز ألفي ليرة. أما هذا العام فإن الارتفاع الرئيسي هو في أسعار الزيوت النباتية مقارنة مع واقع السعر المقدر لزيت الزيتون، الذي ربما لن يتجاوز 15 ألف ليرة لليتر بسبب وجود إنتاج كبير متوقع من الزيتون، علما أن موافقة رئاسة مجلس الوزراء على تصدير الزيت لها دور إيجابي في رفع سعر الزيت لهذا العام، في حين كان من المتوقع تراجعه عن سعر العام الماضي.

أيضا فإن الأسباب الرئيسة لارتفاع أسعار زيت الزيتون إضافة لغياب رقابة الدولة بشكل رئيسي، ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي من أدوية وأسمدة ومحروقات لازمة للري وكهرباء، وكذلك ارتفاع أجور العمليات الزراعية سواء الآلية أم اليدوية وارتفاع أجور النقل والأتاوات المدفوعة على الطرقات، أو عند الدخول والخروج من أسواق الجملة.

قرار مثير للجدل

قرار الحكومة بالسماح بتصدير 45 ألف طن زيت فائض عن الحاجة، أثار الكثير من الجدل، واعتبر السوريون أن هذا القرار ساهم في رفع سعر الزيت، والحقيقة أن القرار ليس جديدا، وقد سمح بتصدير 5 آلاف طن في العام الماضي ومن ثم تم تجديد القرار ثانية بسبب قلة الكميات التي تم تصديرها، وهذا الموسم أعلنت الحكومة فقط عن الكميات الفائضة حسب تقديرات وزارة الزراعة.

مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة، عبيرجوهر، بينت أن الجديد في قرار تصدير الزيت هذا العام هو زيادة حجم العبوات من 8 إلى 16 ليترا، حيث ارتفع حجم العبوة من 5 إلى 8 ثم 16 ليترا، مشيرة إلى أن موضوع تأثير التصدير على الأسعار المحلية لا يعالج بمنع التصدير لأنه لا توجد دولة في العالم لا تصدّر الفائض عن حاجتها، وهذا يعود بالفائدة على مزارعي الزيتون والاقتصاد بشكل عام، ولكن المشكلة في انخفاض القدرة الشرائية.

جوهر أكدت أن التصدير لن يرفع أسعار الزيت محليً، لأن السعر المحلي مرتفع أصلا وقريب من السعر العالمي، حيث يصل سعر ليتر الزيت ”الإكسترا” عالميا إلى 3.6 يورو، أي ما يعادل نحو 11 ألف ليرة حسب السعر في “المصرف المركزي” لليورو، وهو السعر المعتمد في التصدير.

انخفاض الإنتاج

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى انخفاض إنتاج الزيتون هذا العام في سوريا، فارتفاع درجات الحرارة، وعدم انتظام هطول الأمطار بغزارة، والغازات الدفيئة، وهجر الناس لمزارع الزيتون بسبب الغلاء وعدم قدرتهم على تأمين السماد، أدى لانخفاض في إنتاج الزيتون.

من مراحل عصر الزيتون في سوريا “وكالات”

 تغير المناخ يعد أكثر من مجرد مشكلة، إنه يعرّض مستقبل قطاع الزيتون بأكمله للخطر، الآثار هي حقيقة واقعة بالنسبة إلى آلاف الأسر من أصحاب الحيازات الصغيرة في زراعة الزيتون في سوريا. فبالنسبة لمعظم الناس، يُعتبر الزيتون مصدر دخلهم الرئيسي أو الوحيد، وتعتمد مناطق بأكملها على جدوى الزيتون كمحصول نقدي.

التقرير نقل عن أحد المزارعين، أن إحدى الآفات التي لم يستطع مزارعو الزيتون في سوريا محاربتها وأثرت في إنتاج هذا العام، هي الحشرات من دودة ثمار الزيتون، وفقا لما يرويه الرفاعي، حيث بدأت بالظهور ومن المرجح في حال عدم مكافحتها أن تؤثر بشكل سلبي في الإنتاج، وعدم قدرة المزارعين على محاربتها يرجع إلى فقدانهم للمصائد الفرمونية، التي كانت توزعها دائرة الوقاية في مديرية الزراعة.

أما بالنسبة لاستهلاك الزيتون، تفيد إحصاءات المجلس الدولي للزيتون لموسم 2020-2021، بأن سوريا أكثر الدول العربية من حيث استهلاك الفرد لزيت الزيتون، وحسب إحصاءات المجلس، وهو عبارة عن منظمة حكومية دولية تضم 44 دولة، تستحوذ على 98 بالمئة، من الإنتاج العالمي من زيت الزيتون، فإن استهلاك الفرد من زيت الزيتون في سوريا، هو الأعلى عربيا والرابع عالميا بـ4.6 لترات سنويا.

إقرأ أيضا:ارتفاع في سعر زيت الزيتون بسوريا.. “البيدون” بـ400 ألف

من الجدير بالذكر، أن عدد أشجار الزيتون في سوريا يبلغ، وفق إحصائية وزارة الزراعة، نحو 106 ملايين شجرة، منها 82 مليونا مثمرة، وتتوزع زراعة الزيتون في المنطقة الشمالية: إدلب وحلب، بنسبة 46 بالمئة، وفي المنطقة الوسطى: حمص وحماة، بنسبة 24 بالمئة، وفي المنطقة الساحلية: طرطوس واللاذقية، بنسبة 18 بالمئة، وفي الشرقية: دير الزور والحسكة والرقة، بنسبة 2 بالمئة، لتدخل مناطق الجنوب: درعا والسويداء حديثاً وبوتيرة زراعة عالية، بنسبة 10 بالمئة، ما أوصل الإنتاج المتوقع إلى أكثر من 800 ألف طن هذا العام من الثمار، ونحو 125 ألف طن من زيت زيتون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.