وتيرة المواجهات العسكرية بين الجيش الروسي الذي يسعى لاحتلال المزيد من المناطق في أوكرانيا، وبين القوات الأوكرانية التي تحاول استعادة أراضيها من الجيش الروسي تتصاعد، وأبرزها إقليم خيرسون، التي احتدت فيها المعارك، فما هي أهمية خيرسون وتأثيرها على مسار الغزو الروسي لأوكرانيا.

الجيش الروسي يحاول بكافة الوسائل الحفاظ على سيطرته في منطقة خيرسون، وذلك تزامنا مع الهجمات الأوكرانية الرامية لاستعادة السيطرة عليها، حيث أطلق الجيش الروسي صواريخ وطائرات مسيّرة خلال الأيام الماضي، على مدينة ميكولايف (شمال غربي خط المواجهة، المؤدي إلى خيرسون)، التي تسيطر عليها أوكرانيا، ودمرت مبنى سكنيا في المدينة القريبة من الجبهة، وحذرت من أن الحرب تتجه نحو “تصعيد غير منضبط“.

معركة شرسة

وما ينذر بوقوع معركة محتدمة، تصريح مستشار الرئيس الأوكراني أوليكسي أريستوفيتش، الذي قال، إن القوات الروسية تعد العدة “لأشرس المعارك” في إقليم خيرسون الذي يحمل أهمية استراتيجية بجنوب البلاد بعد أن سيطرت عليه روسيا.

الباحث السياسي صدام الجاسر، يرى أن “المعركة الشرسة” المحتملة في مدينة خيرسون، تأتي من أهمية الإقليم الأوكراني، القريب من الحدود الروسية، كذلك يشكل أهمية استراتيجية كونه الممر الوحيد الذي يصل إلى جزيرة القرم الواقعة تحت سيطرة القوات الروسية.

أهمية خيرسون

الجاسر قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “إقليم خيرسون هو إقليم مهم جدا للأوكران، وبذات الأهمية للروس، أهمية إقليم خيرسون تأتي من كونه قريب جدا من الأراضي الروسية، ويُعتبر من الأقاليم الحدودية مع روسيا، استعادته بالنسبة للأوكران يعني مقدرتهم على نقل الحرب إلى داخل الحدود الروسية“.

أما بالنسبة للجيش الروسي، فنجاح أوكرانيا في استعادة أراضيها في خيرسون، يعني تهديد الأمن القومي الروسي، وذلك في ظل استمرار عمليات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، لذلك ستكون المعركة “فعلا شرسة جدا بين الجانبين” وفق الجاسر.

وما يدل على الاستعدادات لمعركة مصيرية في مدينة خيرسون، بدء خروج المدنيين من المنطقة، حول ذلك أضاف الجاسر، “المعركة ستبدأ خلال أيام ربما، بين الجيش الأوكراني مدعوما بأسلحة غربية وأنظمة سلاح متطورة غربية، والجيش الروسي المتفوق عدديا وبالقوة النارية التي تعتمد على التدمير الكامل، بينما الجيش الأوكراني نلاحظ أنه متطور بالقوة التكنولوجية، لذلك المعركة ستكون شرسة وقد نشهد فيها ضحايا بشكل كبير، الروس سوف يستعملون القوة النارية، وهذا سيؤدي لوقوع ضحايا“.

ومن خلال تصريحات المسؤولين الأوكرانيين، يلاحظ مراقبون إصرار أوكرانيا على استعادة خيرسون، فيوضح الجاسر هنا أنه “إذا استعادت أوكرانيا إقليم خيرسون، سوف نرى دعم أوروبي كبير للحفاظ على ما تم تحقيقه من نصر من الجانب الأوكراني، طبعا هذا الأمر سيعزز إطالة أمد الحرب، وهو أمر ترغب فيه الدول الغربية والولايات المتحدة بشكل كبير، لاستنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا“.

اقرأ أيضا: ما تأثير الشتاء على عمليات الغزو الروسية لأوكرانيا؟

كذلك فإن استعادة مدينة خيرسون، تعني بالضرورة سقوط الإقليم بالكامل، وبالتالي السيطرة على الممر الوحيد الواصل إلى جزيرة القرم، وهذا يشكل تهديد استراتيجي حقيقي لروسيا، بمعنى أن هذه المعركة ستحدد مصير المواجهة مع روسيا بشكل كامل، فأهمية إقليم خيرسون بالنسبة لأوكرانيا، هي في سيطرتها على الطريق البري الواصل إلى القرم

المعارك تدور الآن في محيط مدينة خيرسون، وهي عاصمة الإقليم التي تحمل اسمه والتي كان يسكنها قبل الحرب نحو 280 ألف نسمة، وهي أكبر مركز لا تزال روسيا تحتفظ به منذ الاستيلاء عليه في وقت مبكّر من غزو أوكرانيا قبل نحو ثمانية أشهر.

خيرسون، هو واحد من بين الأقاليم الأربعة التي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضمها، فيما يؤكد محللون أن خيرسون هو الأهم من الناحية الاستراتيجية، لا سيما وأنه يحوي الطريق البري إلى القرم، ومصب نهر دنيبرو الشاسع الذي يشطر أوكرانيا.

من جانبه، قال وري سوبوليفسكي، وهو عضو في المجلس الإقليمي لمجلس خيرسون المؤيد للأوكرانيين، إن السلطات التي عينتها روسيا تمارس ضغوطا متزايدة على سكان خيرسون للمغادرة، مضيفا عبر تطبيق تليغرام، “إجراءات البحث والانتقاء تزداد، شأنها شأن عمليات البحث عن السيارات والمنازل“.

خسائر متتالية لروسيا

بعد انحسارها في العديد من القطاعات الأوكرانية، لجأت روسيا إلى استهداف البنية التحتية ومراكز الخدمات، للتغطية على خسارة مجموعات جيشها في العديد من المناطق، لا سيما في المناطق الأربعة التي أعلنت ضمّها قبل أسابيع.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن الجيش الروسي، دخل في مأزق حقيقي خلال الفترة الماضية، وذلك بالنظر لهشاشة الدفاعات التي أنشأها في المناطق التي سيطر عليها، مشيرا إلى أن هناك مؤشرات عديدة على ضعف الدفاعات الروسية، خاصة مع استعادة أوكرانيا لزمام المبادرة وبدء الهجمات.

استمرار هزائم الجيش الروسي، تحت ضغط ضربات القوات الأوكرانية المدعوم من الغرب، سيزيد من احتمالية قصف الجيش الروسي لمحطات توليد أخرى ومؤسسات البنى التحتية، وفق رأي معراوي، لكن محطة خيرسون التي اتهمت أوكرانيا الجيش الروسي بتفخيخها، من المستبعد أن تلجأ روسيا لاستهدافها، وذلك لأنها المحطة الوحيدة التي تزود سكان القرم، بالمياه الصالحة للشرب، وقد كانت من أوائل أهداف الحملة الروسية، ويُعتبر تعطيلها ضربة ثالثة لجهود بوتين باستمرار الاحتفاظ بالقرم.

بالنظر إلى كثافة الهجمات الأوكرانية مؤخرا لاستعادة المناطق التي تقدمت إليها روسيا، يبدو أن القرار الرسمي والشعبي الأوكراني، هو إخراج القوات الروسية من بعض المناطق، مهما كان الثمن.

ضمن هذا المحور أوضح معراوي في حديث سابق مع “الحل نت“، “مهاجمة روسيا للأهداف الأوكرانية وبعض الصواريخ التي أُطلقت على كييف وغيرها، مصدرها من قواعد روسية ببحر قزوين، وهذا يدل على ضعف هائل روسي في تحقيق أي تقدم على الأرض بل حتى الدفاع عما تم احتلاله رغم تغيير قائد العملية عدة مرات ورفد الجبهات بقوى بشرية من الاحتياط“.

روسيا أخفقت منذ بدء غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة، في إملاء شروطها، فلم تنجح حسابات المعركة التي حسبها بوتين، على ما حصل في الميدان، لا سيما بعد أن باغت الأوكرانيون الجيش الروسي، وشنوا هجمات معاكسة خلال الأسابيع الماضية، ما عقد من حسابات القيادة الروسية.

مع احتدام المعارك في أوكرانيا بين القوات الروسية والجيش الأوكراني، كان للدعم الغربي دورا واضحا، في تفوق أوكرانيا برّيا ما ساهم في تراجع القوات الروسية في العديد من المناطق، إلا أن الهجمات الصاروخية الروسية الاخيرة، أظهرت ربما ضعف في منظومة الدفاع الجوية لأوكرانيا، فكيف ساهم الدعم الغربي في قلب موازين القوى على أرض المعركة.

يمكن القول، إن الهجمات الصاروخية الانتقامية التي نفّذتها روسيا مؤخرا على العديد من المناطق الأوكرانية بينها العاصمة كييف، رسمت معالم مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية في أوكرانيا، إذ ربما تشكل هذه الهجمات ضغطا إضافيا على حلفاء أوكرانيا لتقديم الدعم العسكري اللازم لمواجهة هجمات مماثلة في المستقبل.

منذ بدء الدعم الغربي بكثافة للجيش الأوكراني، كان واضحا التفوق العسكري للقوات الأوكرانية في بعض المناطق، فكان للدعم الاستخباراتي دورا مهما في استهداف النقاط العسكرية الروسية، ما شلّ حركة الجنود الروس ومنع عنهم الإمدادات، ذلك ما اعترفت به القيادة الروسية نفسها.

كما ساهم هذا الدعم باستعادة أوكرانيا للعديد من المناطق التي استولت عليها روسيا، وتحول الجيش الأوكراني من حالة الدفاع إلى الهجوم، ووفقا لتقرير “معهد دراسة الحرب” ومقره واشنطن، فإن الجيش الأوكراني، استعاد منذ بدء الهجوم المضاد شرقي البلاد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مناطق واسعة وهي أكثر مما استولى عليه الروس في جميع عملياتهم منذ نيسان/أبريل الماضي.

بالنظر إلى الوضع العسكري في خيرسون، يبدو أن الجانبَين يريدان بشدة السيطرة على الإقليم، لا سيما مع اقتراب الشتاء، وتبعاته على سير المعارك، في حين أن المعطيات تؤكد أن استعادة أوكرانيا لخيرسون، ستكون بمثابة انتكاسة لروسيا في مسار غزوها لأوكرانيا، وهو ما يدفعها لحشد المزيد من القوات لمواجهة الجيش الأوكراني المدعوم غربيا.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.