فصل الشتاء يمثل تحديا واضحا أمام العمليات العسكرية المستمرة في أوكرانيا، فانخفاض درجات الحرارة وتلاشي الطرق والحقول وتحويلها إلى أرض موحلة، ستنعكس بحسب خبراء على معنويات المقاتلين وحركة وفعالية المعدات الآليات العسكرية، فما الذي سيتغير في ميدان المعركة خلال الأشهر القادمة.

التحديات العسكرية

الشتاء في أوكرانيا يعتبر من أقسى الشتاءات حول العالم، فعادة ما تصل درجات الحرارة إلى 20 درجة تحت الصفر، ومعه يأتي التجمد والثلج، ما يؤدي إلى تصلب الأرض ليجعل القتال أكثر صعوبة.

بالتأكيد فإن التأثير سيشمل كلا الجانبين، الجيش الروسي والقوات الأوكرانية، لكن ما قد يمثل تحديا أكبر من روسيا، هي خطوط الإمدادات اللوجستية البعيدة، وبعد خطوط القتال عن مركز إمدادات الاتصالات والمواصلات البعيدة عن موسكو أو حتى مراكز القيادة الواقعة غربي روسيا.

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، قال قبل أيام، إن “الشتاء يمثل دائما تحديا على صعيد القتال“، إلا أنه توقّع أن تواصل أوكرانيا بذل كل ما في وسعها خلال الشتاء لاستعادة الأراضي وتظل فعالة في ساحة المعركة.

ضابط الاتصال السابق في “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) الدكتور أيمن سلامة، يرى أن تحديات الشتاء والصقيع، لن تقتصر على جانب واحد من طرفي النزاع في أوكرانيا، مشيرا إلى أن التصعيد الذي تشهده المواجهات الآن هو لاستغلال فترة ما قبل الشتاء، لا سيما فيما يتعلق باستعادة القوات الأوكرانية لبعض المناطق التي احتلتها روسيا.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

سلامة قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “سيحاول القادة العسكريين في المقام الأول التخفيف من الآثار السلبية، والتي قد تكون في حالات معينة وفق ظروف الطقس، والآثار الكارثية للشتاء الذي تعرفه كل من أوكرانيا وروسيا من خلال الغزو الألماني خلال القرن الماضي“.

سلامة أشار إلى أن التأثير على فعالية الآليات العسكرية ربما بدأت من الآن، وأضاف، “حتى قبل الشتاء الحقيقي، فإن الخريف الممطر في أوكرانيا سيحد من فاعلية وسرعة وحركة الآليات العسكرية فضلا عن الأسلحة الثقيلة الأخرى“.

دور حاسم للشتاء

إذا فالشتاء المكسي بالثلوج والوحل، سيكون بمثابة دور حاسم، في مجريات العمليات العسكرية الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، لا سيما في ظل التأثير الأكبر على القوات البرية، في حين ستكون تداعيات الشتاء بدرجة أقل على القوات الجوية سواء الطائرات المقاتلة أو المسيرة، وكذلك الحال بالنسبة للأساطيل البحرية، التي لن تتأثر بشكل بكير بتداعيات الشتاء.

بالتأكيد فإن طرفي النزاع يعلمون ما ينتظرهم خلال الأشهر الماضية، وهذا ما يفسر التصعيد العسكري الذي حدث واستبق قدوم الشتاء، فالقوات الأوكرانية شنت العديد من الهجمات خلال الأسابيع الماضية، لاستعادة مناطق كانت قد احتلتها روسيا مؤخرا.

حول ذلك قال سلامة، “القوات الأوكرانية استبقت حلول الشتاء وبادرت ببدء الهجمات المضادة، وجاءت ثمار هذه الهجمات باستعادة العديد من المناطق، لا سيما في محيط خيرسون، التي تسعى أوكرانيا لاستعادتها قبل نهاية الخريف“.

فيما يخص التحديات التي ستواجه الجيش الروسي في الشتاء، يعتقد سلامة، أن بعد مراكز القيادة الروسية عن أرض المعركة، سيمثل عائقا أمام مجموعات الجيش الروسي، لمدهم لوجستيا، كذلك سيمثل الشتاء عائقا أمام الإمدادات الغربية لأوكرانيا.

بهذا الشأن زاد سلامة بالقول “التجهيزات اللوجستية للجيش ستكون صعبة وتمثل تحدي كبير على القيادة الروسية، ومدّ الجنود الذين لا نستطيع أن نجزم بحالتهم المعنوية مع حلول الشتاء ومدى فعاليتهم وقدرتهم واحتفاظهم بعقيدة قتالية“.

الجيش الروسي كذلك كان قد استبق أيام البرد القارس، وبدأ بحرب تدمير البنى التحتية في أوكرانيا، لزيادة معاناة المدنيين ومؤسسات الدولة في أوكرانيا، وبرأي سلامة فإن “روسيا تسعى لقصف محطات الكهرباء، لقطع التيار والتدفئة عن المدنيين، وإذا تم قصف السدود فذلك سيؤدي إلى تجويع المدنيين والمقاتلين في الجبهات، وهي محاولة سياسية وعسكرية في آن واحد لخفض الروح المعنوية للحكومة الأوكرانية“.

الجيش الروسي يحاول بكافة الوسائل الحفاظ على سيطرته في منطقة خيرسون، وذلك تزامنا مع الهجمات الأوكرانية الرامية لاستعادة السيطرة عليها، حيث أطلق الجيش الروسي صواريخ وطائرات مسيّرة، الأحد، على مدينة ميكولايف (شمال غربي خط المواجهة، المؤدي إلى خيرسون)، التي تسيطر عليها أوكرانيا، ودمرت مبنى سكنيا في المدينة القريبة من الجبهة، وحذرت من أن الحرب تتجه نحو “تصعيد غير منضبط“، حسب “رويترز.”

وبعد انحسارها في العديد من القطاعات الأوكرانية، لجأت روسيا إلى استهداف البنية التحتية ومراكز الخدمات، للتغطية على خسارة مجموعات جيشها في العديد من المناطق، لا سيما في المناطق الأربعة التي أعلنت ضمّها قبل أسابيع.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن الجيش الروسي، دخل في مأزق حقيقي خلال الفترة الماضية، وذلك بالنظر لهشاشة الدفاعات التي أنشأها في المناطق التي سيطر عليها، مشيرا إلى أن هناك مؤشرات عديدة على ضعف الدفاعات الروسية، خاصة مع استعادة أوكرانيا لزمام المبادرة وبدء الهجمات.

استمرار هزائم الجيش الروسي، تحت ضغط ضربات القوات الأوكرانية المدعوم من الغرب، سيزيد من احتمالية قصف الجيش الروسي لمحطات توليد أخرى ومؤسسات البنى التحتية، وفق رأي معراوي، لكن محطة خيرسون التي اتهمت أوكرانيا الجيش الروسي بتفخيخها، من المستبعد أن تلجأ روسيا لاستهدافها، وذلك لأنها المحطة الوحيدة التي تزود سكان القرم، بالمياه الصالحة للشرب، وقد كانت من أوائل أهداف الحملة الروسية، ويُعتبر تعطيلها ضربة ثالثة لجهود بوتين باستمرار الاحتفاظ بالقرم.

بالنظر إلى كثافة الهجمات الأوكرانية مؤخرا لاستعادة المناطق التي تقدمت إليها روسيا، يبدو أن القرار الرسمي والشعبي الأوكراني، هو إخراج القوات الروسية من بعض المناطق، مهما كان الثمن.

ضمن هذا المحور أوضح معراوي في حديث سابق مع “الحل نت“، “مهاجمة روسيا للأهداف الأوكرانية وبعض الصواريخ التي أُطلقت على كييف وغيرها، مصدرها من قواعد روسية ببحر قزوين، وهذا يدل على ضعف هائل روسي في تحقيق أي تقدم على الأرض بل حتى الدفاع عما تم احتلاله رغم تغيير قائد العملية عدة مرات ورفد الجبهات بقوى بشرية من الاحتياط“.

إخفاق روسي

روسيا أخفقت منذ بدء غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة، في إملاء شروطها، فلم تنجح حسابات المعركة التي حسبها بوتين، على ما حصل في الميدان، لا سيما بعد أن باغت الأوكرانيون الجيش الروسي، وشنوا هجمات معاكسة خلال الأسابيع الماضية، ما عقد من حسابات القيادة الروسية.

مع احتدام المعارك في أوكرانيا بين القوات الروسية والجيش الأوكراني، كان للدعم الغربي دورا واضحا، في تفوق أوكرانيا برّيا ما ساهم في تراجع القوات الروسية في العديد من المناطق، إلا أن الهجمات الصاروخية الروسية الاخيرة، أظهرت ربما ضعف في منظومة الدفاع الجوية لأوكرانيا، فكيف ساهم الدعم الغربي في قلب موازين القوى على أرض المعركة.

يمكن القول، إن الهجمات الصاروخية الانتقامية التي نفذتها روسيا مؤخرا على العديد من المناطق الأوكرانية بينها العاصمة كييف، رسمت معالم مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية في أوكرانيا، إذ ربما تشكل هذه الهجمات ضغطا إضافيا على حلفاء أوكرانيا لتقديم الدعم العسكري اللازم لمواجهة هجمات مماثلة في المستقبل.

منذ بدء الدعم الغربي بكثافة للجيش الأوكراني، كان واضحا التفوق العسكري للقوات الأوكرانية في بعض المناطق، فكان للدعم الاستخباراتي دورا مهما في استهداف النقاط العسكرية الروسية، ما شلّ حركة الجنود الروس ومنع عنهم الإمدادات، ذلك ما اعترفت به القيادة الروسية نفسها.

كما ساهم هذا الدعم باستعادة أوكرانيا للعديد من المناطق التي استولت عليها روسيا، وتحول الجيش الأوكراني من حالة الدفاع إلى الهجوم، ووفقا لتقرير “معهد دراسة الحرب” ومقره واشنطن، فإن الجيش الأوكراني، استعاد منذ بدء الهجوم المضاد شرقي البلاد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مناطق واسعة وهي أكثر مما استولى عليه الروس في جميع عملياتهم منذ نيسان/أبريل الماضي.

تسعى روسيا من خلال غزو أوكرانيا وفق محللينَ، إلى إعادة الهندسة الأمنية في أوروبا، حيث تريد روسيا تطويع وإعادة هيكلة هندسة الأمن الأوروبي، بما يحقق مصالحها التي تتبنى نظرية المجال الحيوي، وهي النظرية التي أسدلت عليها ستائر النسيان في القانون الدولي.

بالتأكيد لا يمكن القول إن معركة الشتاء ستكون الحاسمة بشكل نهائي، لعمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، فربما يساهم الشتاء في تبريد المواجهات العسكرية وتأجيل حسمها إلى وقت لاحق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة