بعد أن تم القبض عليه في الربع الأول من أيلول/سبتمبر الماضي، أصدرت محكمة جنايات محافظة القادسية أمس الثلاثاء، حُكما بالإعدام بحق “كفاح الكريطي” المتهم بقتل الناشط المدني البارز ثائر الطيب، الذي قُتل في الـ 25 من شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، إثر إصابته بانفجار عبوة لاصقة استهدفته في سيارته لدى عودته من تظاهرات ساحة التحرير في بغداد إلى محافظته الديوانية جنوبي العراق.

مجلس القضاء الأعلى قال في بيان له، إن “محكمة جنايات القادسية أصدرت حُكما بالإعدام بحق (كفاح الكريطي) بعد عملية الاغتيال في محافظة الديوانية والتي استهدف فيها الناشط ثائر الطيب“، مبيّنا أن “الحُكم بالإعدام يأتي استنادا لأحكام المادة الرابعة /1 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 وبدلالة المادة الثانية/ 1و7 منه، والمواد 47 و48 و49 من قانون العقوبات“.

الحُكم بحق الكريطي يأتي بعد أكثر من ثلاثة أعوام من استمرار التيار المدني في العراق، بالمطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين في احتجاجات ما باتت تعرف بـ “انتفاضة تشرين”، التي اجتاحت البلاد أواخر العام 2019، وراح ضحيتها “نحو 800 شخص وجرح الآلاف“، بحسب إحصائيات لـ“المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب“.

الحكم بحق الكريطي، فعليا هو أول قصاص ضد قتلة الناشطين العراقيين، على الرغم من أنه سبق وقُبض على متهمين بعمليات اغتيال شخصيات مدنية فاعلة في المشهد العراقي، وطالما نددت بنظام الحكم وسطوة الميليشيات، بيد أنه لم يتم حُكم أي منهم بسبب ضغوط جهات مسلحة وسياسية ترعاهم وانحياز القضاء إليهم، بحسب مراقبين.

اقرأ/ي أيضا: المشهد السياسي العراقي خلال فترة شياع السوداني

فرصة لمحاسبة “قتلة” آخرين

لكن الحُكم بحق قاتل ثائر الطيب، حسب المهتم بالشأن السياسي وأحد جرحى تظاهرات تشرين، علي الشمري، لربما يفتح الباب لمحاسبة آخرين متورطين بقتل ناشطين مدنيين، وهو ما سيدفع بالضرورة فيما لو حصل، لفتح ملف انتهاكات وجرائم القوات الأمنية بحق المتظاهرين.

الشمري لفت إلى أن “القضاء العراقي فيما لو أراد التحقيق بقتل المتظاهرين لما كان استغرق وقتا في التوصل إلى الحقائق، بخاصة وأن ما حدث من قتل وترويع، كان واضحا وضوح الشمس أمام العالم أجمع، وموثق بالصور والفيديوهات، بالتالي لن يكلف الجهات المسؤولة عن الملف سوى أن تكون لديهم الجرأة في أن يكونوا مُنصفين وألا يحاولوا طمس الحقائق“.

المهتم بالشأن السياسي أردف بالقول “لكن الجميع مشترك بتلك الجرائم كل من لديه صلة في مراكز القرار العليا في الحكومة العراقية، لذلك لن نجد موقفا مشرفا من أحد تجاه هذا الملف“، مستدركا أن “الحكم بحق قاتل الطيب قد يعيد الأمل والثقة بالمؤسسة القضائية، ولكن إذا أُغلق الموضوع عند هذا الحد فلن يكون الأمر مختلفا عنما سبق، بل سيزيد من رفض الجماهير لهذا النظام، وهو ما سيدفع مع مرور الوقت وتراكم المشكلات وعدم إنصاف المظلومين إلى ثورة عارمة تتجاوز بغضبها تشرين وكل ما سبقها لتطيح بهذا النظام عن بكرة أبيه“.

الشمري الذي أصيب في تظاهرات “تشرين” برصاص قوات الأمن، يؤكد أن “منظومة الحكومة لا يمكنها أن تكسب ود السواد الأعظم من العراقيين الذي عبّروا عن رفضهم لها، كما لا يمكنها إعادة مد جسور الثقة معهم إذا لم تكن جادة في ملف قتلة المتظاهرين، لاسيما وأن حكمها بحق قاتل الطيب يمكن تفسيره على أنه لسبب عدم وجود جهة سياسية أو مسلحة تتبناه وتقف خلفه، خاصة مع تبرأ التيار الصدري منه“، متسائلا، “لماذا لا نرى حكما سريعا بحق قاتل الباحث والمحلل السياسي هشام الهاشمي، والذي يعبق منذ شهور في زنازين السلطة معزز مكرم”.

والراحل الطيب هو أحد ضحايا حملة اغتيالات ممنهجة شنتها فصائل مسلحة موالية لإيران، ومنضوية للحشد الشعبي، بحسب تقارير، وضمن تلك الحملة سجلت “المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان” 81 محاولة اغتيال ضد نشطاء وصحفيين مناهضين للحكومة منذ بدء المظاهرات، نجح 34 منها. ووقع ما يقرب من ثلث عمليات القتل منذ أن تولى الكاظمي السلطة قبل عام.

اقرأ/ي أيضا: غرماءه يقتربون من تشكيل حكومة عراقية جديدة.. ما دلالات صمت الصدر؟

هجرة الناشطين

حملة القتل الممنهجة تحولت إلى قلق كبير يواجه المحتجون ومعهم ناشطون مؤيدون وصحفيون، وهو ما دفع بالعشرات منهم إلى الفرار أما إلى خارج العراق أو إلى إقليم كردستان، حيث رصد مركز “ميترو” لحرية الصحافة وحده لجوء 71 صحفيا ومدونا وناشطا إلى الإقليم في العام 2020.

يُشار إلى أن كفاح الكريطي قاتل الطيب، هو قيادي في “التيار الصدري“، وقت حادثة الاغتيال، التي حصلت منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2019، بمحافظة الديوانية، جنوبي العراق، واعترف في منتصف أيلول الماضي بجريمته بعد اعتقاله من قِبل شرطة المحافظة.

لكن “التيار الصدري“، تبرأ من الكريطي، وأظهر وثيقة تؤكد طرده من “التيار” قبل عام ونصف، إلا أن ذلك أكد أنه كان ضمن “التيار الصدري“، عندما تمت جريمة اغتيال ثائر الطيب.

وأمس الثلاثاء، كان المتظاهرون العراقيون قد جددوا مطالبهم بالكشف عن قتلة المتظاهرين في الذكرى الثالثة لانطلاق التظاهرات التي خرجت ضد البطالة والفساد السياسي ونقص الخدمات والتدخل الإيراني بالشأن العراقي.

يُذكر أن شرارة ثورة “تشرين” أدت الى وصول مطالب المتظاهرين إلى إسقاط النظام الحاكم واستقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة، وندّد المتظاهرون أيضا بالتدخل الإيراني في العراق وحرق العديد منهم العلم الإيراني، فيما واجهت القوات الأمنية هذه التظاهرات بعنف شديد، واستعملت قوات الأمن صنف القناصة واستُهدف المتظاهرون بالرصاص الحي، حيث بلغ عدد القتلى من المتظاهرين حوالي 800 شخص منذ بدء التظاهرات، وأُصيب أكثر من 20 ألفا بجروح، فضلا عن اعتقال العديد من المحتجين وأيضا قطع شبكة الإنترنت عن العديد من المدن.

اقرأ/ي أيضا: مع حلول الشتاء.. معاناة مستمرة لنازحي العراق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.