منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي، برز اسم مدينة خيرسون الأوكرانية إلى واجهة الأحداث والمعارك بين روسيا وأوكرانيا، إذ من المتوقع أن تشهد المدينة معركة فاصلة بين الروس والأوكرانيين، وحتى الآن لا تزال خيرسون تشهد معارك ضارية بين الطرفين، حيث تقع المدينة تحت السيطرة الروسية منذ بدء غزو أوكرانيا.

أهمية خيرسون

لمدينة خيرسون أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تقع بالقرب من مصب نهر دنيبر، وتُعد خط إمداد حيوي للقوات الروسية، ومعبرا للوصول لمجموعة واسعة من الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.

سامر إلياس، الخبير في الشؤون الروسية، يشير إلى أن مدينة خيرسون هي من أوائل المدن التي سعت روسيا لاحتلالها في عمليتها العسكرية التي أعلنت عنها في 24 شباط/فبراير الماضي، وهي مركز المقاطعة الوحيد الذي سيطرت عليه منذ غزوها لأوكرانيا حتى الآن، أما بقية المناطق مثل زابروجيا وخاركيف فهي لم تتمكن من السيطرة على مراكز مقاطعاتها، لذلك تحمل خيرسون أهمية رمزية.

مدينة خيرسون الأوكرانية “وكالات”

إلياس، يضيف خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن خيرسون من الناحية الاستراتيجية بوابة للدخول إلى شبه جزيرة القرم، كما أنها مهمة حيث بنى الأوكرانيون فيها عددا من السدود وأغلقوا القنوات التي تزود شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا في 2014 بالمياه.

أهمية المدينة بحسب إلياس، تبرز فيمن يسيطر عليها، فبالنسبة للجانب الروسي، فحتى الآن لم تُظهر روسيا ما تريد من عمليتها العسكرية بشكل واضح، وليس هناك سوى تصريحات المسؤولين الروس بأن العملية تسير وفق المخطط، وهنا لا بد من السؤال حول ما إذا كان هذا المخطط يشمل تقدم روسيا في مناطق جنوب أوكرانيا، فإذا كان كذلك فالأمر يتعلق بمدينتين رئيسيتين ومهمتين لروسيا وهما ميكلايف وأودويسا.

أما بالنسبة للجانب الأوكراني، فإن استعادة سيطرتهم على خيرسون تمكنهم من أن يذهبوا في أكثر من اتجاه، نحو زابروجيا وميلتوبل وربما نحو ماريوبل، وفي هذه الحالة ستكون خسارة روسيا خسارة استراتيجية وعسكرية.

إقرأ:دعوات لإنهاء حرب أوكرانيا.. هل تبدأ المفاوضات الأميركية الروسية؟

استعدادات لمعركة خيرسون

الروس والأوكرانيون، يستعدان بالحشد والتسليح حول معركة فاصلة في خيرسون الاستراتيجية، فقد بدأت القيادة الأوكرانية في إعادة تحويل القوات على نطاق واسع من اتجاه خاركيف إلى دنيبر وبيتروفسك وإلى اتجاه خيرسون.

التحضير للمعركة بدأت ملامحه تظهر من خلال الدعم الإضافي الأوروبي والأميركي الذي أعلن على مدار الأيام الماضية، حيث نقلت الولايات المتحدة اثنين من أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات “ناسامز” مؤخرا، ونقل طائرات من أنواع “أف 15” و”أف 16″، وجريبن من السويد.

ألمانيا ستسلّم أول منظومة من أربعة أنظمة دفاع جوي طراز “إيريس-تي”، كما أعلنت فرنسا تدريب ألفي جندي أوكرانيا على القتال واستخدام الأسلحة المتطورة، وأيضا الدنمارك أعلنت أيضا تدريب ما يقرب من ألف جندي أوكراني على أراضيها.

وكذلك دفعت الولايات المتحدة بخبراء عسكريين بشكل خاص للمساعدة في معركة خيرسون، كما أعلنت أنها تدرس إرسال نظام الدفاع الجوي “هوك” لمساعدة كييف على التصدي للمسيرات والصواريخ الروسية.

سامر إلياس، يرى أن مواصلة الدعم الغربي لأوكرانيا أمر مهم للغاية في الحرب بشكل عام وخيرسون بشكل خاص، إذ يمكنه أن يقلب موازين المعركة، وعلى عكس ذلك ففي حال حدوث تشققات في المعسكر الغربي نتيجة الانتخابات النصفية الأميركية، واستمرار الضغط الروسي بسلاح الغاز أو أسلحة أخرى “غير عسكرية” فإن الدعم لأوكرانيا سينخفض وهذا ما سيكون في صالح روسيا.

هل معركة خيرسون حاسمة؟

منذ بدء الهجوم الأوكراني المضاد، نجحت كييف في استعادة عدة مناطق ومدن من السيطرة الروسية، كان آخرها مدينة ليمان، ولكن إذا ما نجحت القوات الأوكرانية في استعادة مدينة خيرسون، فإنها ستكون بذلك قد وجهت صفعة استراتيجية لروسيا، قد تخلّف آثارا كبيرة على سير العمليات العسكرية.

لكن من غير المتوقع أن تتخلى روسيا عن المدينة بسهولة، نظرا لأهميتها في تأمين شبه جزيرة القرم، خاصة بعد حادث تفجير جسر القرم في وقت سابق من الشهر الحالي، وهو ما يمثل أهمية استراتيجية روسية.

الفترة الماضية كانت استعدادات روسيا مكثفة للدفاع عن خيرسون، حيث شكلت قوات أطلقت عليها “الدفاع الإقليمي”، وأقامت عدة تحصينات على ضفاف نهر دنيبر، وطلبت من جميع سكان خيرسون المغادرة الفورية، فيما سحبت موسكو جميع موظفيها من المدينة.

في الوقت نفسه، أعلنت كييف أنها تواصل هجماتها المضادة ضد القوات الروسية خاصة في خيرسون وزابروجيا، حيث قصفت مواقع روسية تشمل طرق الإمداد لقوات موسكو.

 سامر إلياس، يشير إلى أن فصل الشتاء على الأبواب، وفي هذه المرحلة تسعى روسيا لإضعاف أوكرانيا وإضعاف زخم الهجوم الأوكراني المضاد والذي بلغ ذروته في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، والذي تمخض عن قدرة أوكرانيا على تحرير آلاف الكيلومترات من مقاطعة خاركيف، وفقدان الروس لبلدة ليمان الاستراتيجية، وتقدم أوكرانيا في مناطق في لوغانسك وإن كانت محدودة ما يعني أن الإنجاز الوحيد الذي تمكن بوتين من تحقيقه، هو السيطرة على كامل لوغانسك والذي بدأ يفقده مؤخرا.

إلياس يؤكد أن المعركة مستمرة في أكثر من مكان، وبالنسبة لخيرسون يمكن أن تكون نقطة تحول مهمة، لكن ليست حاسمة للحرب في أوكرانيا، لأنه لا يمكن معرفة المخطط الروسي في هذه المرحلة، إضافة إلى أهمية استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا بالسلاح اللازم.

أيضا لفت إلياس، إلى أن أوكرانيا سوف تستغل تقدمها واستمرار الدعم، لكن المعركة الفاصلة يُتوقّع أن تكون في الربيع المقبل، مضيفا أن الحرب طويلة ولن تحسمها خيرسون ولكنها ضربة معنوية كبير لروسيا، وتفتح الباب أمام الجانب الأوكراني للتقدم نحو شبه جزيرة القرم ومناطق في إقليم دونباس وزابروجيا.

إلياس ختم بأن فقدان سيطرة روسيا على خيرسون تعني أن آمال الروس بالعبور إلى الضفة الغربية من نهر دنيبرو انتهت، ولا يمكن بعد ذلك لروسيا التقدم نحو جنوب أوكرانيا وخاصة مدينتي ميكلايف وأوديسا.

لقاءات في كييف ووعود بالدعم

مصادر أميركية كشفت عن سفر مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، إلى أوكرانيا، في وقت سابق من هذا الشهر، للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومسؤولين آخرين مع اقتراب العملية الروسية من عامها الأول.

من جانب آخر، أعلن حلفاء الناتو هذا الأسبوع الاستعداد لتوسيع إمدادات مجموعة متنوعة من المعدات العسكرية إلى أوكرانيا التي تطالب بضرورة تزويدها بدفاعات جوية.

مخزونات الأسلحة لبعض الدول الأوروبية التي تم إرسالها لأوكرانيا على وشك النفاد، فيما أضاف مسؤول عسكري أميركي سابق أن واشنطن لا تزال على وشك الوصول إلى أقصى قدراتها لتوفير رأس المال لدعم كييف بالإمدادات العسكرية خاصة من الذخائر العديدة.

معارك قرب زابوروجيا “وكالات”

مسؤولون غربيون أوضحوا، أنه لا تزال الإرادة السياسية لتوفير المزيد من الأسلحة لأوكرانيا موجودة في معظم عواصم الاتحاد الأوروبي، إضافة للندن، لكن هناك تساؤلات متزايدة حول المُدّة التي يمكن خلالها الاحتفاظ بإمدادات الذخيرة دون إفراغ ترسانات “الناتو”.

المسؤولون الغربيون أشاروا إلى أن هناك حربين مختلفتين للغاية يتم خوضهما في أوكرانيا، حيث يقوم “الناتو” بتسليح وتوجيه وتعزيز جيش وكيله المحلي في المقام الأول للفوز بمسابقة دعائية قصيرة المدى، مع يأس خاص لتحقيق نجاحات رمزية من جانب واشنطن قبل انتخابات التجديد النصفي الأميركية في أوائل الشهر المقبل.

أيضا تقاتل روسيا من أجل “نزع السلاح” من أوكرانيا و”حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، بينما مخططي “الناتو” سعداء بتكبد القوات الروسية خسائر فادحة في مقابل مكاسب إقليمية صغيرة نسبيا، في حين يبدو أن الروس سعداء بالتجارة في الأراضي مقابل فرصة إلحاق أضرار غير مستدامة بالقوى العاملة الأوكرانية وترسانات “الناتو”.

تأثير استمرار الحرب على الداخل الأوروبي

في هذه الزاوية يرى مسؤولون غربيون، أن الحكومات الغربية ستستمر في الالتزام بأموال لا تملكها إلى أن يثير الألم الذي تسببه زيادات الضرائب والعقوبات على الناس العاديين، رد فعل سياسي من شأنه أن يعيد المخازن إلى العواصم الغربية.

من جهة أخرى، يرى خبراء أنه رغم الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعصف بأوروبا، تواصل دول الغرب مَدّ أوكرانيا بالأسلحة المتطورة وآخرها كانت ألمانيا، وتلتها مباشرة أستراليا، حيث ستواصل دول “الناتو” تحديدا على مسألة الإمداد وسط توافق وإجماع على هذا الأمر.

أيضا فإن الأسلحة التي ستُقدم لأوكرانيا ستكون تجريبية، في حال أثبتت مقدرتها على تغيير الخارطة الميدانية فسيكون مقدمة لإمدادات مستمرة وأكثر تطورا، أما من حيث الدعم المادي، فإن هناك أصواتا بدأت ترتفع خاصة على المستوى الشعبي، والتي ترفض العبث بمقدّرات الدول إكراما لأوكرانيا، لدينا النمسا وألمانيا وإيطاليا، وهو ما يعني أن الأمور ستخرج قريبا عن مقدرة الغرب التحكم بها، لأن الميزانية دخلت في المحظور.

إقرأ أيضا:أوكرانيا من الدفاع إلى الهجوم.. معركة فاصلة في الشتاء؟

معركة كبيرة قادمة، خيرسون بدايتها ولكن لا أحد يعلم متى تنتهي الحرب، فالأمر لم يعد يقتصر على خيرسون إنما يخوض الغرب هذه الحرب من خلال دعمه لأوكرانيا لوضع حد للتغول الروسي، ورغبة بوتين في الهيمنة والتهديد ليس فقط على المستوى العسكري إنما على مستويات أخرى على رأسها الطاقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.