في حين تدخل المعركة في أوكرانيا مسارات جديدة من خلال استخدام تكتيكات ومعدات جديدة، وتحديدا المسيّرات الإيرانية التي تستخدمها القوات الروسية، فضلا عن الاتهامات المتبادلة بين موسكو وكييف بشأن استخدام “القنبلة القذرة”، هناك دعوات من المشرّعين ومؤشرات تطالب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بـ”تغيير استراتيجيته” بشأن حرب أوكرانيا، أي الجلوس على طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

تأتي هذه الدعوات من مجلس النواب الأميركي، وخطاب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأخير، في خضم اشتداد الحرب ودخولها في مسارات معقدة مع التهديد بعواقب سلبية كبيرة، بالإضافة إلى زيادة تكلفة هذه الحرب كلما طال أمدها. ومن ثم، يجدر التساؤل عما إذا كانت إدارة بايدن ستستمع لهذه الدعوات، وبالتالي تغيير استراتيجيتها فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، ويبدأ الحل الدبلوماسي ويجلس الطرفان بالفعل على طاولة المفاوضات، وتنتهي الحرب في أوكرانيا، أم أن هذا بعيد عن أرض الواقع، وإذا جلست الأطراف على طاولة المفاوضات، ما النتائج المتوقعة في هذا الصدد، وهل ستكون علامة على الحل، أم أن الوضع سيدخل مرحلة جديدة من التعقيد أكثر مما هو عليه الآن.

انقسام في الرؤية

نواب ديمقراطيون في الكونغرس الأميركي، أرسلوا يوم أمس الإثنين، رسالة للرئيس جو بايدن، تطالبه بتغيير استراتيجيته بشكل كبير بشأن حرب أوكرانيا، بالإضافة إلى السعي للتفاوض مع روسيا، من أجل التوصل إلى تسوية تنهي الحرب، وتشمل استكشاف إمكانية التوافق على ترتيبات أمنية تكون مقبولة من الطرفين.

النواب الديمقراطيون، وعددهم 30، قالوا في رسالة، إنهم يعارضون “الغزو الروسي الشائن وغير الشرعي لأوكرانيا”، مشيرين إلى اتفاقهم مع البيت الأبيض على أن التسوية تعود في النهاية إلى ما تقرره كييف، وفقا لما أوردته وكالة “الأنباء الفرنسية”.

النواب أردفوا، وعلى رأسهم براميلا جايابال رئيسة التجمع التقدمي بالكونغرس، “لكن بصفتنا مشرّعين مسؤولين عن إنفاق عشرات المليارات من دولارات دافعي الضرائب الأمير كيين على المساعدات العسكرية في هذا النزاع، نعتقد أن مثل هذا الانخراط في هذه الحرب يحمّل أيضا الولايات المتحدة مسؤولية استكشاف جميع السبل الممكنة بجدية”.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قال في حديث شامل مع شبكة “أي بي سي”، وصف فيه بوتين بأنه رجل “عقلاني” ولو أن “قراراته أو غاياته غير عقلانية”، وأنه لم يبدِ حتى الآن “اهتمامه بدبلوماسية جدية”. ثم سارع بلينكن إلى التذكير بأن هدف الدعم الأميركي لأوكرانيا، هو “تمكينها للدخول في مفاوضات من موقع قوي” للخروج من الحرب.

في تذكيره بأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يرفض التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان رده بأن الرئيس الأوكراني يعرف أن “الحرب ستكون نهايتها في وقت ما عبر الدبلوماسية”. يعني أن موقف زيلينسكي ليس مشكلة، لأن المفتاح بيد واشنطن التي تتكفل بمعالجة شروطه بحيث لا تتحول إلى عقبة.

الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الروسية، دميتري بريجع، يرى في هذا السياق أن “لا أحد ينكر أن الحرب الأوكرانية باتت في نفق مظلم.

يمكن القول إن شعبية الرئيس بايدن في أميركا تراجعت نتيجة لاستراتيجيته تجاه الملف الأوكراني، ويجب أن نلاحظ أيضا أن الحزب الديمقراطي الأميركي يريد النجاح سواء في انتخابات الكونغرس أو الرئاسية الأميركية المقبلة، لكن من الواضح أن هناك بعض الإضرابات والانقسامات في الرأي تجاه الملف الأوكراني بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، داخل الولايات المتحدة فيما يتعلق بالانتخابات النصفية الأميركية”.

بريجع أردف في حديثه لـ”الحل نت، أنه من الواضح أن الحزب الديمقراطي الحاكم الحالي يتمسك باستراتيجيته الحالية تجاه الملف الأوكراني، في حين أن منافسه الحزب الجمهوري يريد عكس ذلك، خاصة وأن هناك أحاديث بأن بايدن ومنافسه الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب يريدان الترشح للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في عام 2024، والجميع يعلم أن موقفا الشخصين مختلفان تماما حول الملف الأوكراني.

قد يهمك: طموح تركيا في آسيا الوسطى يتعزز.. ما الأسباب والنتائج؟

لمصلحة اقتصاد أميركا

قبل نحو أسبوع، تعهّد رئيس الأقلية الجمهورية في “الكونغرس”، كافين ماكارثي بإعادة النظر في الدعم والمساعدات العسكرية الأميركية إلى أوكرانيا لو فاز حزبه بالانتخابات، إذ إنه يلوح ضمنيا بخفضها إن تعذر قطعها.

على الرغم من أن تصريح ماكارثي انتخابي، إلا أنه أثار قلق الإدارة، لأن الرجل في طريقه ليصبح رئيس مجلس النواب بعد الفوز المتوقع لحزبه الجمهوري. وهو موقع يتحكم صاحبه بعملية طرح المشاريع وتمريرها في المجلس أو تجميدها، وبالتالي، له دور هام ورئيسي، ومنها المتعلقة بتمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

هذا وتدعم إدارة بايدن أوكرانيا في صدها للغزو العسكري الروسي، حيث أقرت الإدارة الأميركية مساعدات عسكرية ومالية لكييف.

أما بالنسبة لدعوات النواب الديمقراطيين، فيقول بريجع أن نسبة من الديمقراطيين وغالبية الجمهوريين يريدون تغيير إستراتيجية واشنطن الحالية تجاه الملف الأوكراني، لأن استمرار ذلك يعني استمرار دعم واشنطن لكييف بالأسلحة والمعدات، وبالتالي لن يكون ذلك في مصلحة الاقتصاد الأميركي.

قد يهمك: المسيرات الإيرانية.. تعرية لروسيا وعقاب لطهران؟

لا مفاوضات حاليا

في سياق متّصل، وردا على سؤال حول الرسالة التي أرسلت من قبل النواب في “الكونغرس” الأميركي إلى الرئيس بايدن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس: “لا أحد يريد أن يرى هذه الحرب تنتهي أكثر من نظرائنا الأوكرانيين”.

برايس أردف، “لا نعرف متى سيحدث ذلك، وبشكل أساسي فقط لأننا لم نر أي مؤشر من الروس على استعدادهم للمشاركة في هذا النوع من الدبلوماسية والحوار، نقدم لشركائنا الأوكرانيين ما يحتاجون إليه في ساحة المعركة، بحيث يكونون في أقوى موقف ممكن عند الذهاب الى طاولة المفاوضات”.

الرئيس الأميركي، جو بايدن “إنترنت”

أما الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار، فقالت، “لقد كنا واضحين جدا، لا شيء بخصوص أوكرانيا من دون أوكرانيا”.

بالعودة إلى الباحث السياسي، ديمتري بريجع، يعتقد أنه إذا جرت مفاوضات فلن تحدث في الوقت الحالي على الأقل، وإذا حدثت بالفعل، فمن الصعب إيجاد حل للصراع الروسي الأوكراني، فمنذ حوالي 8 سنوات وحتى الآن، واتفاقية مينسك حول روسيا وأوكرانيا، لم تعطِ أي نتيجة، لذلك لا يعتقد بريجع أنه “ستكون هناك اتفاقيات وحلول بشأن دونباس أو حتى شبه جزيرة القرم أو المقاطعتين المُضمَّنتين حديثا؛ هما زاباروجيا وخيرسون، مما يعني أن الصراع قد يتجمد في المستقبل وسيتوقف إطلاق النار، ولكن ليس في الوقت الحاضر.

كما يعتقد بريجع الذي تحدث لـ”الحل نت”، أن المفاوضات قد تحدث في حالة حدوث تغييرات في كل من روسيا في عام 2024 في وقت الانتخابات الروسية وأيضا في الولايات المتحدة، سواء في الانتخابات النصفية القريبة جدا أو الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024، ووفقا للتغييرات، إن حدثت في السلطات لكلا البلدين، قد تحدث مفاوضات أو تغييرات تجاه الملف الأوكراني.

ما يحدث الآن في أوكرانيا هي “حرب طويلة الأمد”، مع اتهامات متبادلة باستخدام “القنبلة القذرة”، بالإضافة إلى استخدام موسكو للطائرات الإيرانية بدون طيار، وتكتيكات تفجير الجسور والتفجيرات الأخيرة التي حدثت في كييف. فالمفاوضات ما زالت بعيدة جدا. إن الحل الأمثل لإيجاد الحل هو تعديل منظومة “الأمم المتحدة”، لأنها لا تستطيع وقف الحرب في كثير من الدول، مثل سوريا واليمن وليبيا ومناطق أخرى. ومن الواضح أنه بعد الحرب الأوكرانية، قد يتم تعديل نظام “الأمم المتحدة”، لكن الحل السلمي هو في الوقت الحالي لن يجد آذانا صاغية، على حدّ تعبير بريجع.

يُشار إلى أن واشنطن أقرت في أيار/مايو 2022، 40 مليار دولار مساعدات لأوكرانيا، متقدمة بذلك الجهود الغربية لتوفير أسلحة ودعم الاقتصاد الذي دمرته الغزو الروسي.

تاليا، فإن جميع الاحتمالات مفتوحة في الحرب الدائرة في أوكرانيا، لكن مع زيادة احتدام وتعقيد ساحة المعركة يبدو أن هناك العديد ممن باتوا يرون أن هناك حاجة ملحّة اليوم أكثر من أي وقت مضى لوقف هذه الحرب التي ربما قد تمتد لسنوات عديدة، والتي ستكون لها نتائج سلبية كارثية، ألا وهي أن تجلس واشنطن وموسكو، على طاولة واحدة وطرح الحلول لهذا الصراع الذي لم يشهده العالم منذ 30 عاما.

قد يهمك: ما تأثير الشتاء على عمليات الغزو الروسية لأوكرانيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة