بعد عام على إجراء الانتخابات العراقية، استطاع “الإطار التنسيقي” القريب من إيران، فرض مرشحه لمنصب رئيس الوزراء في العراق، ويأتي هذا بعد انسحاب غريمه المباشر من البرلمان “التيار الصدري” الذي حظي بأكبر عدد من مقاعد البرلمان الجديد، ولكنه فشل في تمرير مرشحه لمنصب رئيس الوزراء.

الرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد، أعلن في 13 تشرين الأول/أكتوبر، تكليف محمد شياع السوداني، أمين عام “تيار الفراتين” والعضو السابق في حزب “الدعوة” والعضو الحالي في “الإطار التنسيقي” بمهام تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. لاقى التكليف ردود أفعال إيجابية وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي (فرنسا وألمانيا)، بالإضافة إلى الأطراف الأخرى في المعادلة العراقية مثل إيران والسعودية والإمارات وتركيا.

قد يهمك: ارتفاع صادرات النفط العراقي إلى أميركا

ردود الأفعال هذه كانت محل استغراب كبير لدى أغلب المتابعين للشأن العراقي، ووجود توافق غربي إيراني على مرشح جهة قريبة من طهران، أثار الاستغراب أكثر ويمكن إرجاع ذلك إلى أن المجتمع الغربي يبحث عن استقرار جديد في العراق، لدعم الاستقرار العالمي وخاصة في مجال الطاقة، وكذلك أن تزامن الاتفاق السياسي في العراق مع اتفاق “حزب الله” وإسرائيل على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، جعل البعض يربط ما حصل في العراق من اتفاق، باتفاقية ترسيم الحدود التي حصلت.

دعم غربي

الدول الغربية باتت على قناعة بأن العراق قد يكون المنقذ لهم في المستقبل القريب في مجال الطاقة، ولذلك وجب حصول الاستقرار فيه لأن العراق وبالأخص إقليم كردستان، على وشك تصدير النفط والغاز إلى أوروبا عبر الأنابيب التركية، ومن ضمن الاتفاقات التي حصلت بين الشيعة والكرد، هو إعطاء الحرية الكاملة لإقليم كردستان العراق في تصدير النفط والغاز، وتنظيم ذلك من قانون النفط والغاز الاتحادي الذي لم يقر إلى الآن منذ دورتين برلمانيتين، بسبب الخلافات السياسية بين بغداد وآربيل.

الغرب بصورة عامة مستعد أن يدخل بأي صراع، ويستقبل أي نوع من التهديد الدبلوماسي أو العسكري، لكن إياك المساس بمصادر الطاقة، بحسب حديث المدون العراقي ياسر الجبوري، لـ “الحل نت”، حيث أن أوروبا اليوم تشهد ارتفاع شديد بأسعار الغاز والوقود وهذا يؤثر على وضع المواطن الغربي، إذ أن الأخبار تشير إلى أن بعض الأوروبيين سيتناولون وجبات طعام أقل حتى لا يصلون الى مرحلة الفقر، وهذا بسبب ارتفاع الوقود للتدفئة والعجلات والكهرباء.

العراق مصدر أساسي من مصادر الطاقة العالمية، وعليه يجب أن يستقر قبل وصول الشتاء الأقسى على الدول الغربية، وفق الجبوري، ولهذا هم لا مانع لديهم على السوداني أو غيره ما دام سيشكل حكومة مستقرة نسبيا، تحقق جزء من مطالب الشعب العراقي حتى ينعمون هم باستقرار أيضا في دولهم.

قبل تولي السوداني مهام تشكيل الحكومة بأيام قليلة، صرح لصحيفة “وول ستريت جورنال”  الأميركية، بأن العراق لن يحتمل خفض إنتاجه وفقا لاتفاق “أوبك +”، لأن العراق بحاجة إلى المال لمعالجة اقتصاده المتدهور، وكان هذا التصريح بمثابة رسالة للغرب بأني منقذكم بشأن الطاقة.

مشروع الأغلبية التي كان يطرحها “مقتدى الصدر” كان من الممكن أن يؤثر على بنية المنظومة السياسية في العراق، ويزعزع الأركان التي قامت عليه هذه المنظومة بعد عام 2003 بتوافق أميركي وإيراني، بحسب حديث الباحث السياسي شاهو القره داغي، لـ “الحل نت”، ونتيجة لذلك كان هناك شعور واضح من قبل هذه الأطراف بضرورة الإبقاء على الوضع الراهن، وتشكيل الحكومة الجديدة وفق الآليات السابقة على أساس التوافقية، إضافة إلى المدة الطويلة للانسداد السياسي الذي كان ينذر بذهاب البلاد إلى المجهول واندلاع الفوضى كما حصل في أحداث بغداد والبصرة.

 بالتالي كان هناك توافق إيراني أميركي على الإسراع في عملية تشكيل الحكومة وإنهاء الانسداد السياسي بصورة فورية. العراق أحد أهم مصادر الطاقة، وفق القره داغي، ومن المهم للأطراف الغربية أن يبقى العراق مستقرا في الفترة الحالية، لضمان تدفق الطاقة وعدم حدوث أزمة إضافية، لأن الأطراف الغربية تُركز على مصالحها في الوقت الحالي، ولا تكترث بمسيرة الديمقراطية في العراق أو مصير الحوكمة والمؤسساتية، بقدر اهتمامها بحكومة قوية قادرة على حماية المصالح الخارجية.

الدعم الغربي للسوداني يظهر اهتمام الغرب بمصالحه، والتي تكون بإيجاد حل أزمة الطاقة التي بدأت تتفاقم في أوروبا وأميركا، وبالتالي هم حريصين على أن تشهد هذه الدول مثل العراق، استقرارا حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت، لحين انتهاء أزمة الطاقة وعدم تشتيت الجهد في جبهة أوكرانيا، ولذلك حصل اتفاق أيضا بين “حزب الله” وإسرائيل على ترسيم الحدود، وهذا يؤكد أن الغرب يبحث عن الاستقرار في المنطقة، بحسب حديث عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ياسر السالم، لـ “الحل نت”.

التدافع الغربي على دعم السوداني، بحسب السالم، يظهر تناقض كبير في سياساتهم وخاصة أن إحاطة المبعوثة الأممية في العراق السيدة جنين بلاسخارات، قد شيطنة النظام السياسي العراقي، وأكدت أنه نظام يعمل ضد مصالح شعبه، وبالتالي هذا الدعم الغربي يناقض ما جاء في الإحاطة وفي ذات الوقت.

 هناك نبرة تحذيرية للسوداني ودعوات لأن يكون مختلف عمن سبقوه، وفق السالم، وهذه النبرة التحذيرية كانت واضحة عن السفيرة الأميركية، ولكن رغم ذلك إلا أنه لا يبرر للغرب أنهم يقدمون الدعم لحكومة هي أساسا فاقدة للشرعية السياسية والشعبية، وبالتالي تم منحها شرعية دولية على حساب مصالح الشعب العراقي.

هل انتصرت إيران؟

إيران أدركت تراجع نفوذها داخل العراق خلال الفترة الماضية، وفق الباحث السياسي شاهو القره داغي، ولذلك اختارت عدم الاستعجال هذه المرة لضمان بقاء وحماية نفوذها، إذ أنها في النهاية نجحت في تكليف شخص موالي لـ “الإطار التنسيقي” وزعيم ائتلاف دولة القانون المالكي، لتشكيل الحكومة القادمة مستفيدا من تراجع “التيار الصدري” من البرلمان، وعدم قدرة خصوم طهران على بلورة مشروع واضح لمواجهة نفوذها، لأن الجانب الإيراني لا يمكن أن يتخلى عن العراق بسهولة، نظرا لأهمية البلاد السياسية والاقتصادية لطهران، إضافة إلى الاستفادة من التطورات الإقليمية والدولية التي جاءت في مصلحة إيران، وسهلت مهمتها في العراق.

 إيران تشهد صراع داخلي بالأساس ومظاهرات مستمرة واغتيالات لقادة وعلماء إيرانيين داخل إيران، وفق ياسر الجبوري والذي لا يرى بأن السوداني فرض على الأحزاب العراقية من قبل إيران أو أي دولة إقليمية أخرى، ولكن هو اختيار “الإطار التنسيقي” الذي تمسك به من البداية، وأيضا بالوقت نفسه هو حاجة العالم الغربي لاستقرار العراق، لما أشار له مسبقا بمصادر الطاقة.

ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية

العديد من المتابعين ربط تشكيل الحكومة العراقية بهذه الطريقة بالاتفاق اللبناني _ الإسرائيلي لترسيم الحدود بينهما، وخاصة أن “حزب الله” اللبناني هو المسيطر على لبنان، والاتفاق على ترسيم الحدود كان معه وليس لبنان، ويستذكر البعض ما حصل من اتفاق بين “حزب الله” وتنظيم “داعش” الإرهابي عام 2017، حينها تم الاتفاق على نقل مسلحي التنظيم وعوائلهم إلى مدينة البوكمال السورية على الحدود العراقية من الحدود اللبنانية السورية.

فيما يبدو أن هناك ربطا واضحا في الملفات الإقليمية وخاصة بين لبنان والعراق، عندما نرى موافقة “حزب الله” اللبناني على ترسيم الحدود مع إسرائيل دون اعتراض، فهذا يعني أن الإيرانيين قدموا هذه التنازلات في لبنان، حتى يحصلوا على الثمن في العراق، بحسب القره داغي،  بمعنى أن العراق دفع الثمن مجددا ببقائه داخل دائرة النفوذ الإيرانية، بسبب مساومات وصفقات إقليمية دولية، وهنا يبرز أهمية العراق في العقلية الاستراتيجية الإيرانية مقارنة بباقي الميادين مثل سوريا ولبنان، لأن العراق يوفر الدعم المالي والاقتصادي ويعتبر الرئة الاقتصادية للنظام الإيراني، بخلاف باقي الدول الذي يتطلب من النظام الإيراني الإنفاق عليها لحماية نفوذها.

ياسر السالم يرى بأنه لا يستطيع الحديث عن وجود صفقة ما بين ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ودعم مرشح “الإطار التنسيقي” لمنصب رئيس الوزراء، ولكن هناك شيء يشبه الصفقة، وهذا يأتي لأن مصلحة الغرب تتطلب وجود نوع من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الأمر يدفع للتفكير في طريقة تعامل الولايات المتحدة الأميركية مع السعودية التي وقفت مع روسيا في رفع أسعار النفط، وهذا يؤكد أن أميركا والغرب لا يبحثون عن جبهات جديدة بعيدة عن الجبهة الأوكرانية، التي أنهكتهم سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

اقرأ أيضا: الأعلى منذ 1972.. إيرادات النفط العراقي تحقق أعلى مستوياتها

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.