على المدى القصير، تتطلع دول منطقة الشرق الأوسط بشكل أساسي إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية لتلبية الأهداف المناخية، وذلك في إطار التحول نحو الطاقة النظيفة وتدارك مخاطر الاحتباس الحراري. وهو ما يتزامن مع استضافة دول عربية لقمة الأمم المتحدة للمناخ.

حيث بدأ العد التنازلي لانعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ، التي ستستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية بداية من 6 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، حتى الـ 18 من الشهر نفسه، فيما تتجه الأنظار نحو هذه القمة، التي يشارك فيها قادة العالم، ومسؤولون رفيعو المستوى في الأمم المتحدة، كما يحضره آلاف النشطاء المعنيين بالبيئة من كافة دول العالم.

مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، هو قمة سنوية تحضرها 197 دولة من أجل مناقشة تغير المناخ، وما تفعله هذه البلدان، لمواجهة هذه المشكلة ومعالجتها، وهذا المؤتمر هو السابع والعشرون منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في 21 مارس/آذار 1994. وسيعقد المؤتمر هذا العام في مدينة شرم الشيخ، التي تقع في جنوب سيناء والمطلة على البحر الأحمر. في حين ستستضيفه شركة النفط العملاقة في الإمارات القمة عام 2023.

استضافة مصر والإمارات من بعدها جعلت الأضواء الخضراء في العالم تميل نحو الشرق الأوسط، لاسيما وأن مصر والإمارات تعدان من بين 26 دولة قامت بتحديث أهدافها المناخية، بما يتماشى مع الوعود التي تم التعهد بها في قمة الأمم المتحدة السابق لتغير المناخ في غلاسكو، وفقا لتقرير نشرته الأمم المتحدة للتغير المناخي الأيام القليلة الماضية.

اقرأ/ي أيضا: فرص النمو والتضخم.. ما التأثيرات المتضاربة للنشاط الاقتصادي في الشرق الأوسط؟

ما غاية دول الشرق الأوسط من استضافة قمة المناخ؟

الغاية من استضافة القمة المناخية العالمية، هي تحويل جهود المناخ العالمية إلى دول المنطقة، وهو ما يتوافق مع ما أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إبان تقدم بلاده لاستضافة القمة، بأن مصر ستعمل على جعل المؤتمر “نقطة تحول جذرية في جهود المناخ الدولية بالتنسيق مع جميع الأطراف لصالح إفريقيا والعالم بأسره“.

تلك الجهود تأتي مع التحول الذي تشهد الدول المستضيفة، إذ أنه وبحسب مجلة “نيتشر” الأمريكية، تعِد مصر بمواصلة خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاعات الكهرباء والنقل والنفط والغاز. ورغم أن هذا لا يُقارن إلا بالمستويات المتوقعة سابقا، فإن الالتزام يتوقف على تلقي الدعم المالي الدولي. فيما تتعهد الإمارات بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 31 بالمئة بحلول العام 2030، مقارنة بمستوى العمل المعتاد، وهو ما يتجاوز التخفيض السابق الموعود به البالغ 23.5 بالمئة.

بالتالي أن الجهود المصرية والإماراتية يمكن أن تدعم الالتزامات التي تعهدت بها الدول في العام الماضي والتي ستقلل من الزيادة المتوقعة في الانبعاثات إلى 10.6 بالمئة فوق مستويات عام 2010 بحلول عام 2030، مقارنة بنسبة 13.7 بالمئة المتوقعة في تحليل مماثل العام الماضي. وفقا لتقرير الأمم المتحدة، الذي أشار إلى أن تلك المعدلات تظل أقل بكثير مما يحتاجه العالم للحدّ من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. ووصف سامح شكري، وزير الخارجية المصري، ورئيس قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ، النتائج بأنها مثيرة للقلق، وقال إنها تستحق “استجابة تحولية في القمة“.

إلى ذلك، فإن البلدان النامية هي الأكثر عرضة للآثار الضارة للتغير المناخي، كالفيضانات والجفاف وحرائق الغابات، بالتالي سيكون الوفاء باحتياجات هذه الدول نقطة محورية في مفاوضات قمة هذا العالم، الذي تسعى من خلالها مصر إلى حث دول العالم على الإيفاء بتعهداتها في ضخ مليارات الدولارات لمساعدة البلدان الفقيرة على التعامل مع تأثير تغير المناخ.

اقرأ/ي أيضا: ما دلالة تلويحات الرئيس اللبناني بتوقيع استقالة حكومة ميقاتي؟

 دور الإمارات ومصر بدعم دول الشرق الأوسط

في حين تنظر هذه الدول لنفسها كضحية للتغير المناخي، بينما تساهم بشكل متواضع في انبعاثات الغازات الدفينة، وتطلب هذه البلدان من الدول الغنية الوفاء بتعهدها بتقديم 100 مليار دولار سنويا لمساعدتها في التأقلم مع التغير المناخي. كما تطلب الاعتراف بالأضرار والخسائر التي تعرضت لها، كالآثار المترتبة على ارتفاع منسوب مياه البحر أو الفيضانات المتكررة.

يأتي ذلك بعد أن توصل المشاركون في قمة العام الماضي التي عقدت في غلاسكو بالمملكة المتحدة، لاتفاق يهدف لتقليل حجم المخاطر البيئية التي يتعرض لها كوكب الأرض. الاتفاقية هي الأولى من نوعها التي تنص صراحة على تقليل استخدام الفحم الذي يتسبب في زيادة الانبعاثات الغازية في الغلاف الجوي. وتنص على العمل على تقليل معدل الانبعاثات الغازية، وتوفير دعم مالي للدول النامية للتكيف مع تبعات التغير المناخي الذي يشهده كوكب الأرض.

وتعهدت الدول المشاركة بالعودة إلى الاجتماع هذا العام، للاتفاق على زيادة نسبة تخفيض معدلات انبعاثات غازات الدفيئة وثاني أكسيد الكربون، بما يتماشى مع تقليل معدل زيادة درجة حرارة الكوكب إلى أقل من 1.5 درجة مئوية.

أمام تلك الالتزامات، التي يراها مراقبون أنه مهما أنجز المجتمعون في شرم الشيخ من ملفات، فسيتبقى أمامهم الكثير ليناقشوه في الدورات التالية، على رأسها “سي او بي 28”، والتي ستوفر الإمارات فرصة لاستكمالها خلال استضافتها القمة العام المقبل.

قمة المناخ في الشرق الأوسط “لحظة مهمة”

لما ستمثله استضافة مصر والإمارات لقمة المناخ العالمية، قال كارلوس دوارتي، عالم البيئة البحرية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، إن القمتين المقبلتين ستمثلان “لحظة مهمة” للشرق الأوسط. في حين أكد مايكل أوبنهايمر، عالم الجيولوجيا وباحث سياسة المناخ في “جامعة برينستون“، نيوجيرسي، إنه تغيير كبير عن الماضي، إذ أنه في التسعينيات، منعت المملكة السعودية باستمرار اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ، في حين حاولت دول أخرى غنية بالنفط، بما في ذلك الولايات المتحدة، عرقلة ذلك.

على النقيض من ذلك، شهد العقد الماضي تبني المنطقة للتقنيات المتجددة والتركيز على البيئة. ويقول أوبنهايمر إن المملكة السعودية والدول الرئيسية الأخرى المنتجة للنفط اليوم “لا تحارب واقع العلم“. بالنسبة للدول التي تعتمد على عائدات النفط، فإن هذه الخطوة تدور حول محاولة تنويع اقتصاداتها في مواجهة الانخفاض المستقبلي في الطلب، وكذلك استخدام مصادر الطاقة المتجددة مع توفير الوقود الأحفوري للتصدير، كما تقول ميا مويسيو، الباحثة في سياسة المناخ في معهد المناخ الجديد في برلين، والتي تضيف أن “التأثر بتغير المناخ هو محرك آخر. تشهد المنطقة موجات الحر الشديدة هذه. ربما كان هذا أيضاً بمثابة دعوة للاستيقاظ“.

بالمقابل، أصبحت الإمارات أول دولة عربية تتعهد بالوصول إلى صافي انبعاثات محلية صفرية بحلول عام 2050، بينما تتزايد الجهود في دول أخرى في الشرق الأوسط، حيث حددت المملكة السعودية -أكبر مصدر للنفط في العالم- وجارتها البحرين أهدافا صافية صفرية لعام 2060، وفي غضون ذلك، أعلنت قطر الغنية بالغاز عن خطط لخفض انبعاثاتها بنسبة 25 بالمئة بحلول عام 2030 وأنشأت أول وزارة معنية بتغير المناخ. وأعلنت تركيا عن أهداف للوصول إلى صافي الصفر بحلول منتصف الخمسينيات من القرن الجاري.

على نطاق أوسع، أعلنت مبادرة الشرق الأوسط الخضراء، التي قادتها المملكة السعودية العام الماضي، عن هدف لتقليل انبعاثات الكربون من صناعة النفط والغاز في المنطقة بنسبة 60 بالمئة، رغم عدم تحديد موعد نهائي لذلك، هذه الصناعة هي واحدة من أكبر مصادر الميثان في العالم، إضافة إلى ذلك تخطط السعودية إلى بناء أو توسيع مدن خالية من انبعاثات الكربون.

اقرأ/ي أيضا: علاقات متوترة بين المغرب وإيران.. ما الأسباب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.