إن مقارنة قدرات جيشي الكوريتين ليس بالأمر السهل نظرا لقدراتهما المختلفة جذريا، لا سيما امتلاك كوريا الشمالية للأسلحة النووية. في الماضي، اعتقد الكوريون الجنوبيون أن كوريا الشمالية لديها جيش أقوى، ومع ذلك، فقد انقلبت الأرقام مؤخرا، ويعتقد الكثيرون الآن أن الجنوب أقوى.

للمرة الأولى منذ الحرب الكورية، تبادلت كوريا الشمالية والجنوبية إطلاق صواريخ عبرت الحدود البحرية بين البلدين، جيش كوريا الجنوبية أعلن اليوم الأربعاء أن كوريا الشمالية أطلقت صاروخا باليستيا غير محدد باتجاه بحر الشرق، وقالت سيول إنها “المرة الأولى على الإطلاق التي يسقط فيها صاروخ كوري شمالي قرب مياهنا”، داعية إلى رد حازم على “استفزازات” جارتها.

مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة للجيش الكوري الجنوبي، كانغ شين شول، قال للصحفيين، إن “إطلاق الصاروخ الكوري الشمالي أمر غريب جدا وغير مقبول حيث سقط بالقرب من المياه الإقليمية لكوريا الجنوبية، جنوب خط الحد الشمالي لأول مرة”، ووصف الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، إطلاق بيونغ يانغ للصواريخ بعملية “غزو إقليمي”، يأتي هذا الإطلاق، بعدما دعت كوريا الشمالية، الاثنين الفائت، الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى وقف التدريبات العسكرية الواسعة النطاق في المنطقة.

في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية، تعاني المناطق التي يشترك فيها معسكرين متعارضين في حدود مادية من توتر أعلى، وهذا هو الحال في شبه الجزيرة الكورية. ولكن هل بيونغ يانغ على وشك استئناف تجارب القنابل النووية للمرة الأولى منذ عام 2017، في حين ذلك، هل تمهد مناورات “عاصفة اليقظة” لغزو إقليمي.

مناخ الحرب الباردة “ولّى”؟

في ظل الرئيس المحافظ الجديد لكوريا الجنوبية، يون سوك يول، وبعد فوزه بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، والذي يتخذ خطا أكثر تشددا تجاه الشمال، استأنف جيشا الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، تدريباتهما هذا الصيف لأول مرة منذ خمس سنوات، حيث قالت القوات الجوية الأميركية، إن العملية التي يطلق عليها اسم “عاصفة اليقظة” ستستمر حتى يوم الجمعة القادم، ويشارك فيها نحو 240 طائرة حربية تقوم بنحو 1600 طلعة جوية.

حرب الصواريخ بدأت بعد يوم من تحذير بيونغ يانغ، للولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، بوقف المناورات العسكرية، التي تجريانها في محيط شبه الجزيرة الكورية، الأسبوع الجاري، حيث أطلقت الجارة الشمالية صاروخا الباليستيا قصير المدى، في الساعة التاسعة من صباح الأربعاء، سقط على بعد 26 كيلومترا جنوب الحدود البحرية وعلى بعد 57 كيلومترا من مدينة سوكتشو.

مع انطلاق صافرات الإنذار، صدرت تعليمات من السلطات لسكان جزيرة أولونغدو، التابعة لكوريا الجنوبية، بإخلاء منازلهم، واللجوء إلى الأماكن الآمنة. لترد كوريا الجنوبية بعد ثلاث ساعات من سقوط صاروخ كوريا الشمالية، بإطلاق ثلاثة صواريخ أرض جو، يقول المسؤولون إنها سقطت على بعد مماثل خلف خط الحدود البحرية مع كوريا الشمالية.

الخبير في أسلحة الدمار الشامل في شبه الجزيرة الكورية، ماتيو ليجرينزي، يشير في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن المنافسة السياسية والعسكرية المتزايدة بين الغرب والصين منذ غزو روسيا لأوكرانيا أدت إلى زوال مناخ الحرب الباردة، وأجبر الكوريتين على إعادة تعديل مواقعهما، الشمال يقترب أكثر من الصين وروسيا، والجنوب من الولايات المتحدة واليابان.

ومع إعلان سوك يول رسميا كسر سياسة الانفتاح التي اتبعها سلفه وإبقاء بيونغ يانغ تحت المجهر، أطلق سلسلة من الإجراءات أبرزها العقوبات الثنائية في حالة إجراء تجربة نووية أخرى، أيضا قرر تكثيف التدريبات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة.

كما عزز الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق تحليل ليجرينزي، اعتقاد القيادة الكورية الشمالية بأن الدولة التي ليس لديها وسائل ردع قوية، هي دولة معرضة للخطر، لذلك بدأت في تكثيف تجاربها للأسلحة النووية، ودفعت بيونغ يانغ إلى تعزيز علاقاتها مع موسكو وبكين، لبناء مواجهة جيوستراتيجية.

فيما يتعلق بالمصالح الأمنية، يلفت ليجرينزي، إلى أن تصور سيول للتهديد من بيونغ يانغ توسع بشكل كبير بسبب الحقائق التي تفيد بأن كوريا الشمالية هي التي أثارت الحرب بالفعل بالسابق، وأن كوريا الشمالية قد دفعت الجنوب إلى الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة. كما ازداد العداء الكوري الجنوبي ضد الصين وروسيا بعد التقارير التي أكدت مساعدتهم العسكرية لكوريا الشمالية، ومثل هذا التصور لانعدام الأمن جعل الرئيس سوك يول يعارض استمرار وقف إطلاق النار، والذهاب نحو محاسبة كوريا الشمالية.

كيم جونغ أون ونضج البرنامج النووي

في تشرين الثاني/نوفمبر2021، أقامت كوريا الشمالية عرضا كبيرا  سلط الضوء على الصاروخ الباليستي الجديد العابر للقارات. على الرغم من أنه لن يتم استخدامه لاستهداف كوريا الجنوبية المجاورة، إلا جونغ أون تحدث إلى حشد الجيش المجتمع قائلا،”سنواصل تعزيز رادع الحرب، من أجل احتواء جميع المحاولات الخطيرة وأعمال التخويف من قبل المعادين والسيطرة عليها، بما في ذلك التهديد النووي المستمر”.

حتى لو تلاشت هذه الصور في كوريا الجنوبية، بحلول نيسان/أبريل الفائت، أقامت كوريا الشمالية عرضا عسكريا طويلا آخر، ووصفت بيونغ يانغ أبرز ما حدث “لقد دخل الصاروخ الباليستي الاستراتيجي الغواصة، أقوى سلاح في العالم، إلى الميدان في تتابع ليُظهر بقوة قوة الجيش الثوري القوي صاحب اليد العليا عسكريا وتكنولوجيا للعالم”.

على الرغم من أن جميع الأسلحة التي تعرضها كوريا الشمالية لم تجرب لتظهر فعاليتها من عدمها، أم إنها دعاية ضمن الحرب الباردة، إلا إن تصرفات الجارة الشمالية لا تبشر أن هناك وسيلة محتملة للتقارب، طبقا لحديث ليجرينزي.

كوريا الشمالية أجرت تجارب على عدد قياسي من الصواريخ هذا العام، وقالت إن الموجة الأخيرة من عمليات الإطلاق كانت ردا على مناورات الحلفاء، منوها إلى إن تجاربها الأخيرة على الأسلحة شملت صواريخ قادرة على حمل أسلحة نووية وقذائف مدفعية، معتبرة ذلك “بروفة” لأي غزو محتمل.

فيما تعتقد واشنطن وسول أن بيونغ يانغ ربما تكون على وشك استئناف تجارب القنابل النووية للمرة الأولى منذ عام 2017، لذلك تبنتا استراتيجية “ردع” بيونغ يانغ من خلال مناورات عسكرية كبيرة.

من وجهة نظر ليجرينزي، فإن التجارب الكورية الشمالية تشير أيضا إلى أن زعيمها كيم جونغ أون ليس لديه أي نية لاستئناف الدبلوماسية النووية المتوقفة مع واشنطن في أي وقت قريبا؛ لأنه يريد التركيز على مزيد من تحديث ترسانته النووية لتعزيز نفوذه في المفاوضات المستقبلية مع الولايات المتحدة.

التعامل مع كوريا الشمالية

كوريا الشمالية أجرت تجارب على الأسلحة بوتيرة غير مسبوقة هذا العام، بإطلاق صواريخ باليستية قصيرة المدى، ومئات من قذائف المدفعية بالقرب من الحدود المدججة بالسلاح بين الكوريتين.

هيئة الإذاعة والتلفزيون الكورية الرسمية، ذكرت الأحد الفائت، أن الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، قاد التدريبات الأخيرة، والتي تضمنت صواريخ باليستية برؤوس حربية نووية وهمية وتقودها “وحدات عمليات نووية تكتيكية”. وأضافت الوكالة، أن محاكاة التجارب المختلفة استهدفت منشآت القيادة العسكرية في الجنوب.

الخبير في أسلحة الدمار الشامل ليجرينزي، يعتقد أن الرد الفعال الوحيد على هذا التهديد المتصور هو ليس المراوغة، ولكن التعامل مع كوريا الشمالية دبلوماسيا. إذ إن الموجة الحالية من اختبارات الصواريخ التي تجريها كوريا الشمالية هي المعيار المعتاد الذي كان دائما عندما تكون الدبلوماسية في أدنى مستوياتها بين البلدين.

منذ الأسبوع الأول في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، بدأت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، أكبر تدريبات عسكرية مشتركة بينهما منذ أربع سنوات، حيث تسعى واشنطن إلى تنشيط شراكتها الاستراتيجية مع أحد حلفائها الآسيويين المقربين، إذ شملت تدريبات “أولتشي فريدوم شيلد” الأميركية والكورية الجنوبية، عشرات الآلاف من الجنود في تدريبات بالذخيرة الحية تجمع بين القوات البرية والبحرية والجوية.

المناورات البحرية شاركت فيها حاملة طائرات “رونالد ريغان”، وسط تصاعد التوتر مع كوريا الشمالية التي أطلقت 6 صواريخ في الأيام الأخيرة. حيث قالت هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية إن التدريبات البحرية تجرى في المياه قبالة الساحل الشرقي للبلاد.

في إيجاز صحفي أمس الثلاثاء، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، بات رايدر، إن تدريبات “عاصفة اليقظة” الجوية الجارية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، هي مناورات دفاعية ومخطط لها منذ فترة طويلة، وهذه المناورات عبارة عن “تدريبات مخطط لها منذ فترة طويلة وتركز على تعزيز إمكانية التشغيل البيني للقوات، من أجل العمل معا للدفاع عن جمهورية كوريا، وكذلك حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة”.

المتحدث أوضح أن حوالي 240 طائرة من البلدين وآلاف الجنود من كلا البلدين يشاركون في تلك المناورات، مما سيعزز القدرات العملياتية والتكتيكية والعمليات الجوية المشتركة ويدعم الموقف الدفاعي القوي المشترك بينهما.

في حين أن الإمكانات المدمرة للصراع هائلة، لكن وفقا ما يراه محللون، فإنه لحسن الحظ لا يوجد حاليا أي جهة فاعلة في المنطقة تسعى بجدية إلى إعادة ترسيم الحدود الوطنية بالوسائل العسكرية. ومع ذلك، فإن سباقات التسلح والخطابات العدوانية التي تنتهجها كوريا الشمالية تزيد من انعدام الأمن. لذلك، فإن الاتحاد الأوروبي وأميركا، لديهما مصلحة في عدم تأخير ردهم على التطورات على الأرض مع حليفهم الجنوبي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.