موجة من النشاطات هذا الأسبوع شهِدها بحر جنوب آسيا، بين تدريبات الحلفاء واختبارات الصواريخ البالستية لكوريا الشمالية التي تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي. وتشير هذه الإجراءات المتبادلة إلى تصاعد التوتر في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، بشكل أوثق معا للحيلولة دون تطوير كوريا الشمالية للأسلحة النووية.

تم إلغاء التدريبات بين البلدين في عام 2019، بعد قمة دونالد ترامب الأولى مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في سنغافورة. يُنظر إلى تنازل ترامب، المفاجئ على أنه محاولة لإقناع كيم، بالتخلي عن برنامج أسلحته النووية وسط موجة من الدبلوماسية التي قادها الرئيس آنذاك ونظيره الكوري الجنوبي مون جاي إن.

لكن في ظل الرئيس المحافظ الجديد لكوريا الجنوبية، يون سوك يول، بعد فوزه بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، والذي يتخذ خطا أكثر تشددا تجاه الشمال، استأنف جيشا الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، تدريباتهما هذا الصيف لأول مرة منذ خمس سنوات، إلا أنه من المتوقع أن يثير استعراض القوة رد فعل غاضب من بيونغ يانغ، فهل ستزيد التدريبات العسكرية للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية من التوتر في آسيا.

سياسة العصا الجديدة

من المؤكد أن الرد الغاضب من بيونغ يانغ، التي هاجمت على مدى عقود التدريبات المشتركة، سيكون كمقدمة للغزو والحرب النووية. حيث أثار نظام زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، حدة التوتر في خطاباته في الأسابيع القليلة الماضية، مشيرا إلى أنه قد يعود إلى الاستفزازات التي تم تعليقها في الغالب أثناء محاربة تفشي فيروس “كوفيد-19”.

بعد مرور أربع سنوات، ليس لدى واشنطن وسيول، أي شيء جوهري لإظهاره لجهودهما في المشاركة. خصوصا وأن كوريا الشمالية استأنفت تجاربها الصاروخية بما في ذلك إطلاقها الأول لصاروخ باليستي عابر للقارات بمدى كامل منذ عام 2017، وتتزايد التكهنات بأنها تستعد لإجراء ما سيكون تجربتها النووية السابعة.

منذ تولى الرئيس الكوري الجنوبي الجديد، يون سوك يول، منصبه في أيار/مايو الفائت، وعد باتخاذ موقف أكثر تشددا ضد الاستفزازات الكورية الشمالية التي ستشمل “تطبيع” التدريبات العسكرية وتعزيز دفاعات بلاده ضد كوريا الشمالية، ويشير استئناف التدريبات أمس الخميس، إلى أن كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، اللتين لديها 28500 جندي في البلاد، قد عادا إلى العروض القوية لقوتهما العسكرية المشتركة في أعقاب استئناف كوريا الشمالية لتجارب الصواريخ الباليستية.

يقول الخبير بالعلاقات الدولية في جنوب آسيا، مايكل بريشر، لـ”الحل نت”، إنه مع سوك يول، بدأت سياسة مختلفة تجاه كوريا الشمالية تترسخ، وهنا يجب على المراقبين في الغرب أن يوجهوا أنظارهم نحو هذه النقطة، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، أكد يول، أنه سيتخذ موقفا أكثر تشددا تجاه القيادة في بيونغ يانغ، من سلفه مون جاي إن. على سبيل المثال، شدد يول، على أنه سيوسع التعاون العسكري بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإنه سيجري محادثات مع حاكم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، فقط إذا أدت لتحقيق نتائج ملموسة.

ويشير بريشر، إلى أنه في خطاب تنصيبه في 10 أيار/مايو الفائت، ألمح الرئيس يول، أخيرا إلى الشكل الذي ستبدو عليه سياسته تجاه كوريا الشمالية، عبر الدعم الاقتصادي مقابل نزع السلاح النووي الكامل بالإضافة إلى ردود الفعل السياسية والعسكرية الحاسمة على الاستفزازات الأخرى من بيونغ يانغ، وبالتالي فإن الهدف المعلَن للرئيس يون، إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بشكل كامل وقابل للتحقق ولا رجعة فيه.

تزايد التوترات في شرق آسيا

منذ يوم الاثنين الفائت، بدأت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، أكبر تدريبات عسكرية مشتركة بينهما منذ أربع سنوات، حيث تسعى واشنطن إلى تنشيط شراكتها الاستراتيجية مع أحد حلفائها الآسيويين المقربين، إذ شملت تدريبات “أولتشي فريدوم شيلد” الأميركية والكورية الجنوبية، عشرات الآلاف من الجنود في تدريبات بالذخيرة الحية تجمع بين القوات البرية والبحرية والجوية.

المناورات البحرية تشارك فيها حاملة طائرات “رونالد ريغان”، وسط تصاعد التوتر مع كوريا الشمالية التي أطلقت 6 صواريخ في الأيام الأخيرة. حيث قالت هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية إن التدريبات البحرية تجرى في المياه قبالة الساحل الشرقي للبلاد اليوم الجمعة وغدا السبت، وفق وكالة “رويترز”.

وتأتي التدريبات بعد أن أطلقت كوريا الشمالية صاروخَين باليستيَين في البحر أمس الخميس، ثم حلقت في وقت لاحق طائرات حربية للشماليين بالقرب من الحدود مع كوريا الجنوبية.

يقول بريشر، إن الحرب على أوكرانيا أظهرت للحلف الغربي كيف يمكن للنزاعات الإقليمية أن تكون لها تأثير حاد على الاقتصاد العالمي. لطالما كانت شبه الجزيرة الكورية واحدة من أهم مراكز التجارة العالمية. إذ تستضيف مدينة بوسان الكورية الجنوبية أحد أكثر الموانئ ازدحاما في العالم، وتُعد كوريا الجنوبية واحدة من أكبر عشرة اقتصادات على مستوى العالم.

وفي حين أن الإمكانات المدمرة للصراع هائلة، لكن وفقا لحديث بريشر، فإنه “لحسن الحظ لا يوجد حاليا أي جهة فاعلة في المنطقة تسعى بجدية إلى إعادة ترسيم الحدود الوطنية بالوسائل العسكرية. ومع ذلك، فإن سباقات التسلح والخطابات العدوانية تزيد من انعدام الأمن. لذلك، فإن الاتحاد الأوروبي وأميركا، لديهما مصلحة في عدم تأخير ردهم على التطورات على الأرض”.

في المقابل، يؤكد الخبراء أن نشاط الاختبار المتزايد لكوريا الشمالية يؤكد نيتها المزدوجة لتعزيز ترسانتها وإجبار الولايات المتحدة على قبول فكرة كوريا الشمالية كقوة نووية حتى تتمكن من التفاوض بشأن تنازلات اقتصادية وأمنية من موقع قوة.

سباق تسلح قادم

في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي مع تلفزيون “أسوشيتد برس”، قال تشوي جين، نائب مدير مركز أبحاث تديره وزارة خارجية كوريا الشمالية، إن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ستواجهان تحديات أمنية “غير مسبوقة” ما لم يتخلوا عن “موقفهم العسكري العدائي” ضد الشمال، بما في ذلك تدريبات مشتركة.

سعت كوريا الشمالية على مدى عقود للاستفادة من احتمالات محادثات نزع السلاح لتقليص التدريبات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وهو الأمر الذي وافق عليه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، خلال قممه مع الزعيم الكوري كيم جونغ أون، اعتبارا من عام 2018.

حذرت الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية جميعا، من أن كوريا الشمالية، تستعد لإجراء أول تجربة نووية لها منذ عام 2017. وتحاول بيونغ يانغ، بناء رؤوس حربية صغيرة بما يكفي لأجهزة تكتيكية لضرب حلفاء أميركا في آسيا وزيادة قوة الأسلحة التي يمكن حملها بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات الموجّهة للولايات المتحدة.

منذ بداية شهر أيلول/سبتمبر الفائت، قدمت الكوريتان شيئا من عرض عسكري للعالم. فبينما كانوا يستعرضون عضلاتهم عبر اختبار الصواريخ وإظهار قدرات جديدة، تكهن الخبراء بشأن تسارع سباق التسلح، وعما إذا كانت شبه الجزيرة، قد تتجه إلى لحظة أزمة بعد عدة سنوات من الهدوء.

ربما كان أكبر تغيير لوحظ مؤخرا من كوريا الجنوبية نفسها، التي قامت بتصميم واختبار صواريخها الخاصة بنجاح، وعلى الرغم من أنها في الغالب قصيرة المدى، ومصممة مع وضع الحرب في شبه الجزيرة الكورية، إلا أنها متقدمة وقادرة على الطيران على ارتفاع منخفض وسريع، وتحلق في مسارات لا يمكن التنبؤ بها مما يمنح الدفاع الجوي الكوري الشمالي القليل من الوقت للرد.

كان الفارق في ملاحظة العديد من الخبراء وفقا لبريشر، هو أنه “مع الاختبار الذي أجرته كوريا الشمالية يوم الخميس الفائت، سواء كان مزيفا أم لا، هو أن كوريا الجنوبية ردّت في نفس اليوم بوابل من تجارب الصواريخ من مجموعة متنوعة من المنصات، مما أظهر لكوريا الشمالية والعالم، أنها لن تتجاهل الاختبارات في الشمال بعد الآن وسترد وفقا لذلك”.

وعليه، فإن هذا الارتفاع في قوة سياسة كوريا الجنوبية تجاه جارتها الشمالية، هو الذي سيساعد في تحديد العلاقات بين البلدين حيث تزيد كوريا الجنوبية بثبات من مخزونها من الأسلحة الاستراتيجية ردّا على مجموعة كوريا الشمالية من التجارب الصاروخية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.