في السنوات الثلاث الماضية، برز الحوار الأمني الرباعي “كواد” للولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند كأهم تجمع جيوسياسي في السياسة العالمية. بدأ في عام 2007، بمبادرة من قِبل رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو آبي، ثم توسعت الشراكة من بُعد واحد للتعاون عبر التدريبات العسكرية المشتركة، إلى مجموعة من الأبعاد، بما في ذلك المعايير الرقمية، والصحة العامة، وتمويل البنية التحتية.

من الواضح أن الدول الرباعية متماسكة بسبب القلق المتبادل بشأن طموحات الصين في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. وهذا يعززه إصرار بكين على خلق المواجهة الحدودية مع الهند والتي بدأت في أيار/مايو 2020، حيث تسبب باشتباك مميت بين القوات الهندية والصينية في وادي جالوان، والذي كان أسوأ قتال منذ أكثر من أربعة عقود وأسفر عن سقوط قتلى من الجانبين.

بعد مرور عامين تقريبا على المواجهة، تتضح معالم هجوم الصين على الهند وخلق توترات بين البلدين، إذ إن التحليل الدقيق للمناقشات الداخلية الصينية حول الهند في السنوات التي سبقت صدام جالوان وبعد ذلك يوفر فهماً واضحا للتصورات الصينية التي تكمن وراء أزمة الحدود، فهل تنتزع الهند اعترافا بأن منطقة أكساي تشين، أرض هندية محتلة، وعليه كيف سيشكل “كواد” جبهة ضد الغطرسة الصينية.

لماذا تعتبر الصين الهند عدو؟

أبان دخول المواجهة العسكرية بين الصين والهند على طول حدودهما البرية المتنازع شهرها الثالث، استمرت الأسئلة والنظريات في الدوران حول دوافع بكين لاتخاذ مثل هذا الإجراء العدواني في هذا الوقت. فمنذ بدء أعمال العنف في أوائل أيار/مايو 2020، ورد أن الصين حشدت الآلاف من القوات بمركبات مدرعة وقذائف مدفعية في نقاط متعددة بالقرب من خط السيطرة الفعلية، حيث تقع أراضي الهند لاداخ على حدود التبت، وهو ما يمثل أكبر تصعيد عسكري في البلاد منذ أكثر من نصف قرن.

الخبير السياسي في العلاقات الهندية – الصينية، نيخيل مينون، بيّن لـ”الحل نت”، أن هناك العديد من التفسيرات لذلك، بدءا من الاستياء الصيني من تطور البنية التحتية الهندية، فضلا عن التقارب الهندي – الأميركي خصوصا في أميركا اللاتينية والكاريبي، وأيضا يأتي السبب الأكبر المتمثّل برفض الهند لمبادرة الحزام والطريق الصينية، والانتقام من قرار نيودلهي بالحد من الاستثمار الصيني في الهند.

لذلك في ظل انتشار وباء “كورونا”، يشير مينون إلى أن بكين استغلت هذا الحدث الذي أغلق العالم عن بعضه لتحقيق مكاسب جيوسياسية، وما نشهده في الوقت الحاضر هو على الأرجح استمرار لذات الاتجاه، إذ إن اللافت للنظر هذه المرة هو حجم العمل العسكري من قِبل بكين.

من جهتها الصين لم تخفِ أسبابها، حيث صرحت بكين بوضوح أن تحسين البنية التحتية في نيودلهي مؤخرا كان المحرك الرئيسي للمخاوف الصينية. ففي مقابلة شاملة في يونيو/حزيران الفائت، مع السفير الصيني في الهند، صن ويدونغ، أشار إلى أن “الجانبين حافظا على السلام بشكل أساسي لعقود. ومع ذلك، منذ بداية هذا العام، قام الجانب الهندي بشكل مستمر ببناء منشآت في وادي جالوان، مما أدى إلى تغيير الوضع الراهن من وجهة نظرها”.

من حيث الانتصار في المعركة ربما كان عدوان الصين على لاداخ ناجحا، وفقا لما ذكره مينون، حيث استطاعت بكين احتلال مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي الحدودية، ولكن من الناحية السياسية، فقد دفع ذلك الهند إلى الاقتراب من واشنطن وتفعيل مجموعة “كواد”، فمنذ منتصف عام 2021 استبعدت الهند الشركات المصنّعة الصينية من تجارب شبكاتها اللاسلكية من الجيل الخامس، وتوجهت إلى ووهان في ذروة الوباء للحصول على الإمدادات الطبية.

فشل في إحباط طموح الهند

في قمة الحوار الأمني الرباعي التي عُقدت في أيار/مايو الفائت، كشف زعماء أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة عن مشروع بحري لتبادل المعلومات في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. تهدف المبادرة إلى الاستجابة للكوارث الطبيعية ومكافحة الصيد غير المشروع؛ يأتي ذلك جزئيا كرد فعل على النشاط الصيني في المنطقة.

الإدارات الأميركية المتعاقبة، بحسب ما ذكره مينون، سعت إلى رعاية شراكة استراتيجية أكثر قوة بين الولايات المتحدة والهند لمواجهة نمو الصين المتزايد. والآن بعد أن دخلت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين مرحلة وصفها الرئيس الأميركي، جو بايدن بأنها مرحلة “منافسة شديدة”، ازدادت أهمية توثيق العلاقات بين الولايات المتحدة والهند.

جرُّ بكين للهند نحو مواجهة مسلحة بين البلدين، من شأنه أن يهدد بتعطيل الاقتصاد العالمي، وتقويض التنمية الإقليمية، وله عواقب إنسانية كبيرة اعتمادا على حجمه النهائي، وهذا ما تسعى إليه الصين مؤخرا وفق تحليل مينون، لأن الهدف الأسمى لبكين، هو إضعاف الهند عسكريا واقتصاديا في هذه العملية، لأن قيمتها كقوة موازنة للصين سوف يتم تقويضها حينها.

في خضم المجموعة المعقدة من الأزمات المترابطة بين الصين والهند، سيجد الجانبان صعوبة متزايدة في معايرة ردود أفعالهما والتحكم فيها بطرق ترضي أهدافهما السياسية والاستراتيجية. وعلاوة على ذلك، فإن فشلهم في إدارة النزاع الحدودي لعام 2020 سلميا أدخل العلاقات بين الصين والهند حقبة جديدة أكثر خطورة ولا يمكن التنبؤ بها.

وبالتالي، يرى مينون، أنه يجب على تحالف “كواد” تعزيز قدرة الهند على الدفاع ضد العدوان الصيني، مع الحرص على إعطاء الأولوية لمساعدة الهند على ردع العدوان الصيني المستقبلي بشكل أساسي عن طريق حرمان بكين من أية فرص لبسط سيطرتها العسكرية على الأراضي على طول حدودهما البرية المتنازع عليها، فضلا عن نزع اعتراف دولي بالسيادة الهندية على ولاية أروناتشال براديش.

الهدف تحالف “كواد”؟

جميع الدلائل السابقة وتحركات الصين ضد الهند، تشير إلى أن بكين تخوفها الأكبر هو نمو تحالف “كواد” أو ما يسمى “الحوار الأمني الرباعي” الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان، الذي بدأ عام 2007 بشكل رسمي، لكن عام 2017 كان العام الأبرز لها، حيث ارتقت المجموعة الرباعية إلى مستوى الحوار على مستوى القادة، وبدأت في إصدار بيانات مشتركة، ووضعت هيكلا جديدا لمجموعة العمل لتسهيل التعاون.

الملفات المشتركة بين أعضاء التحالف تطورت من مواجهة نفوذ الصين، والخيارات العسكرية، إلى التعاون في مجالات تشمل الصحة، والتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، والوعي بالمجال البحري، ومعالجة قضية تغير المناخ.

خلال المؤتمر الأخير الذي عُقد في طوكيو لمجموعة “كواد”، أعاد القادة الأربعة تأكيد التزامهم بالحرية والمرونة والانفتاح في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بالإضافة إلى اهتمامهم بالتعاون في التقنيات الحيوية والناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، الذي احتل صدارة ملفات القمة.

في السنوات الخمس الماضية، أعلنت الدول الأربع عن استراتيجيات دولية للذكاء الاصطناعي تهدف إلى الاستفادة من التكنولوجيا في التنمية المجتمعية والازدهار الاقتصادي والقوة العسكرية. وترى دول الرباعي أيضا أن التعاون التكنولوجي متعدد الجنسيات هو مفتاح التطوير وتعزيز نظام إيكولوجي تكنولوجي سهل الوصول إليه وآمن، يمكن أن يساعد في مواجهة سلوك الصين في المنطقة.

لتلبية احتياجات البنية التحتية الهائلة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، هدفت مجموعة العمل هذه إلى تعميق التعاون في مجال التوصيلية الرقمية والبنية التحتية للنقل والطاقة النظيفة والقدرة على التكيف مع المناخ بين البلدان الأربعة. ففي قمة القادة في أيار/مايو 2022، اجتمع رؤساء وكالات تمويل التنمية في دول الرباعي لاستكشاف سبل معالجة فجوة تمويل البنية التحتية في المنطقة.

كجزء من مجموعة العمل هذه، سيجتمع كبار المسؤولين من البلدان الأربعة بانتظام لبناء أرضية مشتركة في مواجهة التهديدات الإلكترونية وتعزيز العمل بين الحكومات والصناعيين. عقد الاجتماع الأول لمجموعة العمل هذه في آذار/مارس 2022. وفي قمة طوكيو، حددت المجموعة مجالات التركيز: حماية البنية التحتية بقيادة أستراليا، ومرونة سلسلة التوريد بقيادة الهند، وتنمية القوى العاملة والمواهب بقيادة من اليابان، ومعايير أمان البرامج بقيادة الولايات المتحدة.

باعتقاد مينون، فإن إستراتيجية البيت الأبيض لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ واضحة بشأن حاجة حلفاء الولايات المتحدة وشركائها إلى تعزيز علاقاتهم مع بعضهم البعض. كما إن تعزيز التعاون المرتبط بالذكاء الاصطناعي بين أستراليا والهند واليابان يمكن أن يعيد تأكيد الرباعية كركيزة للاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك مساعدة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية.

كما يبدو أن المجموعة الرباعية تتمتع بقاعدة دعم دائمة داخل دولها الأعضاء الأربعة، مما يشير إلى أنها ستستمر في كونها جزءا مهما من المشهد المؤسسي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ في المستقبل على الرغم من التغييرات في الإدارات، أدى هيكل مجموعة العمل والمجموعة الموسعة من القضايا التي يغطيها التجمع إلى زيادة عدد الوكالات الحكومية والأفراد المشاركين في عملياتها، ولذلك بات من الواضح أن المواجهة الحدودية بين الصين والهند ليست مواجهة عادية، إنما ذريعة لاستهداف أحد أهم أركان “كواد”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة