مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستشهدها تركيا في صيف العام المقبل، باتت قضية تجنيس اللاجئين نقطة خلاف رئيسية. اختلفت وجهات النظر بين الأطراف التركية حول وضع اللاجئين المنحدرين من سوريا وليبيا والعراق وأفغانستان في تركيا، وحدثت زيادة في الحملات العلنية الرافضة لبقائهم في البلاد. دعت مجموعة واسعة من حملات أحزاب المعارضة إلى إعادة اللاجئين، بينما كان من المتوقع أن يصوّت الحاصلون على الجنسية التركية حديثا لصالح حزب “العدالة والتنمية” الحاكم.

حزب “الشعب الجمهوري”، هو أكبر الأحزاب المعارضة في تركيا وثاني أكبر حزب في برلمان البلاد، أشار إلى وجود ما لا يقل عن 200 ألف ناخب ينحدرون من سوريا وليبيا والعراق وأفغانستان سيشاركون في الانتخابات المقبلة وسيصوّتون لصالح الحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولذلك يحاول حزب المعارضة الرئيسي إقرار مشروع عبر البرلمان التركي لمنع الحاصلين على الجنسية التركية حديثا من المشاركة في تلك الانتخابات، فهل يتم الموافقة على إقراره خصوصا وأن مثل هذا المشروع لن يمر بسهولة بسبب الأكثرية النيابية التي يتمتع بها التحالف الحاكم، وكيف سيكون تأثير الأجانب المجنسين في تلك الانتخابات التي تُعقد في يونيو/حزيران من عام 2023 المقبل.

المجنسون شرارة بين الأحزاب التركية

أكثر من 113 ألف سوري يحملون الجنسية التركية من بين 200950 سوريا، في تركيا سيكونون مؤهلين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية لعام 2023، وفقا لبيان صادر عن هيئة الهجرة في البلاد، وسط مناقشات مستمرة حول مصير المهاجرين، فيما تروج الهيئة أنه لن يكون لهم تأثير كبير على النتيجة، على عكس ما أشارت إليه أحزاب المعارضة التركية.

الخبير في التغيير الاجتماعي والسياسة في تركيا، محمد أمين أوغلو، أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا في 18 حزيران يونيو 2023، ستكون نقطة تحول ملحوظة، حيث ستحدد هذه الانتخابات مستقبل البلاد واتجاهها، وبالتالي فهي ليست مهمة فقط للسياسة المحلية، ولكن أيضا على المستوى الدولي فيما يتعلق بقدرة تركيا على العمل كلاعب عالمي. ومن خلال هذه الانتخابات، ستواجه المعارضة حزب “العدالة والتنمية” وزعيمه رجب طيب أردوغان، للحصول على السلطة السياسية بعد عقدين من حكم الحزب، ولن تكون لديهم فرصة للنجاح إلا إذا حصرت جميع الفرص للوقوف أمام الحزب الحاكم، ومن ضمنها قضية منع الحاصلين على الجنسية التركية حديثا من المشاركة.

على الرغم من أن عدد المجنسين لا يزال ضئيلا مقارنة بعدد الناخبين الأتراك، يشير أمين أوغلو إلى أن قادة المعارضة يرون أنه قد يؤثر على النتيجة في المحافظات حيث توجد منافسة كبيرة بين حزب “العدالة والتنمية” المهيمن وخصومه. في مقاطعة هاتاي على سبيل المثال، تقع أعلى نسبة من المجنسين السوريين داخل هذه المحافظة. ومع بدء الاستعدادات للانتخابات المبكرة في تركيا، تلقى السوريون الحاملون للجنسية التركية إخطارات عبر موقع التوزيع الإلكتروني الحكومي أبلغتهم بمراكز الاقتراع الخاصة بهم وزودهم بالمكان والوقت المخصصين للتصويت.

في الآونة الأخيرة، رشّح حزب “العدالة والتنمية” رجل الأعمال السوري محمد شيخوني، الذي يحمل الجنسية التركية، لعضوية البرلمان عن ولاية بورصة، وفي وقت لاحق غير اسمه إلى محمد أردوغان. وقال، سيكون صوت السوريين في البرلمان التركي إذا فاز، كما وعد بدعم إقامة مشاريع لمساعدة اللاجئين السوريين في العثور على وظائف.

الدستور التركي ينص على أن جميع المواطنين مؤهلون للتصويت، ما لم يكونوا دون سن 18 عاما، أو أفرادا يخدمون في الجيش، أو طلابا في مدارس عسكرية، أو مُدانين. كما لا يحدد القانون التركي متى يحق لمن يحصل على الجنسية التصويت، ولذلك يرى أمين أوغلو، أنه من المستبعد أن تستطيع المعارضة التركية تمرير مثل هذا المشروع بسهولة بسبب الأكثرية النيابية التي يتمتع بها التحالف الحاكم، الذي يضم حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” برئاسة دولت بهجلي.

هل للمعارضة فرصة؟

حزب “الشعب الجمهوري” كان قد جدد السبت الفائت، دعوته لمنع الحاصلين على الجنسية التركية من المشاركة في الانتخابات المقبلة في موقف يحظى بدعم تيارات يمينية في البلاد أبرزها حزب “النصر” حديث النشأة.

تيارات تركية قومية يمينية كانت قد أطلقت حملة منذ يوليو/تموز الماضي، تهدف لمنع عشرات الآلاف من الحاصلين على الجنسية التركية في السنوات الأخيرة، من المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبِلة.

هذه الحملة، يقودها حزب “الجيد” القومي الذي يُعرف أيضا بحزب “الخير”، وحزب “النصر” الذي انشق زعيمه أوميت أوزداغ عن حزب “الخير” في السابق. وتحظى هذه الحملة بدعم حزب المعارضة الرئيسي في البلاد والذي يتعهد لأنصاره بطرد اللاجئين والمهاجرين من تركيا، حال وصوله إلى السلطة.

وفقا لحديث أمين أوغلو، فقد مرت تركيا بأوقات مضطربة، اقتصاديا وسياسيا. في نيسان/أبريل 2022، وصل معدل التضخم إلى ما يقرب من 70 بالمئة، وباتت الأسعار أعلى بمرتين مما كانت عليه في عام 2021، وقد أدى هذا الوضع إلى استياء شديد في المجتمع.

تحد آخر نشأ بعد أن ولّدت الوساطة الدبلوماسية التركية بين روسيا وأوكرانيا، تغطية إعلامية سلبية للحزب الحاكم في كل من تركيا وخارجها. حيث ترى المعارضة وفئات من المجتمع المحلي أن مكانة أنقرة على المسرح العالمي تزعزت، وكذلك مكانة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يصف نفسه الآن أنه “وسيطا إقليميا وصانع سلام” لكن هذا التصور لا يحظى بشعبية داخل الولايات التركية.

مع ذلك، فإن الوضع الحالي والمالي على وجه الخصوص يوفر فرصا لأحزاب المعارضة، إذ يشير الخبير في التغيير الاجتماعي والسياسة في تركيا إلى أن الوضع الاقتصادي الحالي مشابه للوضع الذي جعل فوز حزب “العدالة والتنمية” ممكنا في عام 2002، في أعقاب الأزمة المالية عام 2001 في تركيا. وقد يلعب الوضع المالي السيئ دورا مهما في كيفية قرار الناخبين ويؤدي إلى تغيير الحكومة.

انتخابات تركيا 2023 ماذا تقول استطلاعات الرأي؟

مع تصاعد الحملة الانتخابية تدريجيا، لاقى خصوم الرئيس رجب طيب أردوغان، رواجا وحصدا للأرقام في استطلاعات الرأي، إذ إن الديناميكيات المجتمعية الأكبر التي يمكن أن تلعب دورا في الانتخابات، ركزت على أهم القضايا منها الهجرة واللاجئين والوضع الاقتصادي.

حتى الآن، تشكلت ثلاث كتل انتخابية رئيسية، يجمع تحالف “الشعب”، الذي ظل قائما منذ الانتخابات الأخيرة، حزب “العدالة والتنمية” وحزب “الحركة القومية”، وفي حين أن التحالف يبدو مستقرا، فإن شعبية حزب “الحركة القومية” قد تراجعت بشكل مطرد، لذلك قد يكون أقل فائدة في مساعدة حزب “العدالة والتنمية” على الاحتفاظ بأغلبية برلمانية أو إعادة انتخاب أردوغان.

الكتلة الثانية، المعروفة باسم “جدول الستة”، ليست تحالفا سياسيًا متماسكا بقدر ما هي تجمع فضفاض لأحزاب معارضة متنوعة إيديولوجيا وهي تضم حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، حزب “الشعب الجمهوري”، والحزب “الصالح”، وهو فصيل منشق عن حزب “الحركة القومية”، بالإضافة إلى حزب “السعادة الإسلامي”، لم يتفق أعضاء التحالف حتى الآن على أي برنامج انتخابي أو مرشح، باستثناء النية العامة لإعادة البلاد إلى النظام البرلماني إذا فازوا في الانتخابات. والكتلة الأخيرة، تحالف “العمل والحرية”، المكون من ستة أحزاب كردية ويسارية يقودها حزب “الشعوب الديمقراطي”.

استطلاعات الرأي تشير إلى تزايد الإحباط بين الناخبين، مما يدل على توجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع العام المقبل وسط حالة من الإحباط بشأن المسار المستقبلي للبلاد. وقد يتطلع عدد متزايد من ناخبي حزب “العدالة والتنمية” الساخطين إلى الإدلاء بأصواتهم لصالح حزب آخر غير الحاكم الحالي.

لا تلعب السياسة الخارجية دورا مباشرا في قرارات الناخبين، فبالرغم من أن قضايا مكافحة الإرهاب والعمليات عبر الحدود تحظى بدعم غالبية الناخبين. أوضح الخبير في الإحصاء الاجتماعي وأساليب البحث المتقدمة في جامعة إسطنبول، إمري أردوغان، أن قضايا السياسة الخارجية، بالنظر إلى السياق الإقليمي والعالمي الحالي، قد لا تلقى صدى لدى الناخب العادي.

استطلاعات الرأي المختلفة التي أجريت في أيلول/سبتمبر الفائت، تظهر انخفاضا ملموسا في حظوظ حزب “العدالة والتنمية” منذ الانتخابات السابقة، حيث حصل الحزب على دعم 30-34 بالمئة من الناخبين، بينما حصل حزب “الحركة القومية” على 7 بالمئة فقط من الأصوات. وكان المستفيد الرئيسي من هذا التراجع هو “الحزب الصالح”، حيث حصل الآن على 15 بالمئة من الأصوات، بينما لا يزال حزب “الشعب الجمهوري” يحصل على نسبة 23-24 بالمئة، على غرار الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

التنبؤ بنتيجة الانتخابات الرئاسية القادمة صعبة للغاية، لأن المرشح الوحيد المعروف حتى الآن هو أردوغان، المؤهل للترشح لولاية أخيرة بحسب الدستور التركي. وجدت استطلاعات الرأي التي وضعت أردوغان في مواجهة منافس لم يكشف عن اسمه أنه يحظى بدعم حوالي 34 بالمئة من الناخبين، وهو ما يعادل تقريبا الدعم المتوقع لحزبه.

المعارضة ستواجه صعوبة مماثلة في الاتفاق على مرشح رئاسي واحد، بصفته زعيم أكبر وأقدم حزب معارض، يعتقد رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، كمال كيليجدار أوغلو، أنه في أفضل وضع لهزيمة أردوغان. ومع اقتراب موعد الانتخابات، سيصبح المشهد السياسي والاقتصادي بلا شك أكثر وضوحا. ولكن في هذه المرحلة، وسط الكثير من الشكوك، لا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بنتائج الانتخابات، خصوصا في ظل عدم البت في ملف تجنيس الأجانب وتصويتهم في الانتخابات المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.