يبدو أن مصر وتركيا باتا على مفترق الطرق مجددا، وذلك بعد محاولات تطبيع العلاقات المتوترة بين الجانبين منذ أكثر من 9 أعوام، حيث أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري توقف مباحثات عودة تطبيع العلاقات مع تركيا، محملا أسباب ذلك لسياسات أنقرا في ليبيا، وربط ذلك بتطورات المشهد الليبي تحديدا الذي يشهد أجواء من التخبط السياسي وعودة الصراع على شرعية الحكم والمؤسسات.

شكري برر ذلك خلال تصريحات صحفية الجمعة الماضي، عدم استئناف مسار المباحثات مع تركيا بقوله إنه “لم تطرأ تغيرات في إطار الممارسات من قبل أنقرة”، مشيرا إلى غضب مصر من التواجد العسكري التركي بليبيا، مؤكدا أن “من الأمور التي تثير القلق هو عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا حتى الآن”.

تأتي هذه التصريحات بعد أشهر عدة من إجراء جولتين من المحادثات الاستكشافية العام الماضي، برئاسة مساعدي وزيري الخارجية في البلدين، الأولى احتضنتها القاهرة، والثانية كانت في أنقرة. وحينها قال ممثلو البلدين، إن المباحثات كانت صريحة ومعمقة وتناولت القضايا الثنائية والقضايا الإقليمية، معلنين الاتفاق على مواصلة المشاورات.

وعن تلك المباحثات، قال وزير الخارجية المصري، إن الجلستين الاستكشافيتين أتاحتا الفرصة لبلاده للتعبير عن شواغلها بالنسبة للممارسات التركية والأوضاع الإقليمية، مشيرا إلى أنه لم يتم استئناف هذا المسار لأنه لم تطرأ تغييرات في إطار الممارسات التركية.

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهيه ولايته، عبد الحميد الدبيبة، قد وقع في 25 أكتوبر 2022، اتفاقيتين عسكريتين مع وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، وذلك خلال زيارة الدبيبة إلى أنقرة، بعد نحو ثلاثة أسابيع فقط من مذكرات التفاهم التي وقعتها تركيا مع حكومة الوحدة، والتي بموجبها ستقوم الشركات التركية بالتنقيب عن النفط والغاز الليبيين.

وأشارت بعض التقارير إلى أن هذه التطورات ما بين تركيا وليبيا تضمنت التوصل إلى اتفاقيات غير معلنة بشأن تقديم الدعم التركي لوحدة الطيران المسير التي أنشأها الدبيبة مؤخرا، فضلا عن طلبه من وزير الدفاع التركي الحصول على مزيد من المسيرات التركية من طراز بيرقدار.

اقرأ/ي أيضا: الانتخابات الإسرائيلية.. مع من يتحالف العرب؟

تحركات تركية مزعجة

بالتالي باتت التحركات الراهنة بين تركيا والدبيبة تثير حفيظة بعض القوى الإقليمية الفاعلة في الملف الليبي، خاصة تلك القوى الداعمة للشرق الليبي، وهو ما قد يدفعها إلى وقف إنتاج وتصدير النفط والغاز مرة أخرى من أجل دفع القوى الدولية للضغط على أنقرة لوقف تغلغلها في غرب ليبيا. 

على هذا النحو، فسر البعض أن رد الفعل المصري “امتداد للغضب السابق فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية واتفافية 2019 الخاصة بالتنقيب عن النفط في المنطقة الخالصة بين ليبيا وتركيا، وكانت هناك اتفاقية مقابلة لها ما بين قبرص واليونان ومصر.

أنقرة كانت قد أبرمت اتفاقية تعاون عسكري وأمني واتفاق ترسيم بحري مثير للجدل في 2019 مع حكومة الوفاق الوطني السابقة ومقرها طرابلس، وفي أغسطس 2020 ردت مصر واليونان على الخطوة باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، ويسمح الاتفاق البحري لأنقرة بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط.

وكانت القاهرة قد أعلنت رفضها للمذكرة، التي تعد مكملة لاتفاق وقعه الجانبان عام 2019، باعتبار حكومة “الوحدة الوطنية” الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة منتهية ولايتها، وفي ضوء معارضة مصر واليونان للنشاط التركي بالمناطق البحرية المتنازع عليها شرق المتوسط.

بيد تشير بعض التقديرات حول دلالة الموقف المصري، إلى أن توقف المفاوضات المصرية مع الجانب التركي الآن، هي تحمل أسباب عديدة، ومن بينها أن القاهرة لم تكن جادة في تطبيع العلاقات.

لذلك، أن وقف العلاقات من قبل مصر، لا يرتبط بشكل في الملف الليبي وحده على الرغم من أنه يمثل الجزء الأهم في الموضوع، لكنه الأسباب تمتد إلى أكثر من ذلك، خاصة بما يرتبط باستضافة تركيا لعناصر وقوى سياسية معارضة للنظام المصري، وتوفر لها منصات إعلامية، ورغم إغلاق بعضها لا أن تحركها ضد ذلك لا يزال خجولا.

وتربط تقارير الموقف المصري من العلاقات مع تركيا، بأن تركيا لم تلتزم بالاتفاق الذي جرى خلال مراحل تطبيع العلاقات، والذي تركز فيه القاهرة بشكل أساسي على خروج قواتها من ليبيا، ومن عملت على استقطابهم للقتال أيضا.

اقرأ/ي أيضا: بعد انتهاء ولايتها.. ما مصير قرارات حكومة مصطفى الكاظمي العراقية؟

مساعي تركية للتغول في الشرق الأوسط

تأكيدا على ذلك، فأن الموقف المصري جاء بعد أيام قليلة من توقيع أنقرة اتفاقية مع حكومة الدبيبة سبقتها اتفاقية مطلع الشهر الماضي، وهو ما يؤشر وجود غضب مصري حيال هذه الاتفاقية، ولذا فإن الخطوة المصرية للوراء مرتبطة بعوامل عدة، أبرزها الملف الليبي الذي شهد تطورات متسارعة بالفترة الأخيرة الماضية، وخاصة أن الأمور تتجه نحو نقطة جديدة خاصة بتعيين مبعوث أممي إلى ليبيا.

بحسب دراسة لمركز “المستقبل للدراسات” فأن التحركات التركية في ليبيا تسعى إلى تمكين تحركات الدبيبة لمساعيه لترسيخ سلطته في المشهد الليبي، للحيلولة دون أي محاولة لإبعاده عن السلطة، وهو ما يتوافق مع مصالحها التي تسعى ترسيخها.

بعض التقديرات ربطت كذلك بين هذه التوافقات وبين اتجاه الدبيبة للإشراف على تدريبات عسكرية للمجموعات المسلحة التابعة لحكومته، للمرة الأولى منذ وصوله إلى السلطة في مارس 2021، حيث اعتبرت هذه التقديرات أن الدبيبة يستهدف التلويح باستعداده للرد عسكريا على أي تحركات داخلية من قبل خصومه، وبالتالي يأتي توقيع الدبيبة على اتفاقيتي التعاون العسكري مع انقرة في إطار مساعيه لتعزيز قدرات قواته وجاهزيتها لصد أي هجمات مقبلة.

إضافة إلى ذلك، فأن التحركات التركية الراهنة عكست مساعي أنقرة ترسيخ نفوذها طويل الأمد في غرب ليبيا، لاسيما بعد مذكرات التفاهم التي وقعتها أنقرة مع حكومة الدبيبة، مطلع الشهر الماضي، والتي بموجبها ستشرع أنقرة في التنقيب عن النفط والغاز الليبيين.

كما أنها تندرج ضمن محاولات استغلال مساعي الدبيبة للتمسك بالبقاء في السلطة، للحصول على مزيد من المكتسبات عبر تعزيز نفوذها في ليبيا، وصياغة واقع جديد في شرق المتوسط، بالإضافة إلى مواجهة التراجع المحتمل في نفوذها، خاصة بعد انفتاح قوى إقليمية على الفاعلين الرئيسيين في غرب ليبيا، وهو ما يزعج مصر بشكل كبير.

اقرأ/ي أيضا: ما مدى إمكانية تنظيم حكومة العراق الجديدة لانتخابات مبكرة خلال عام؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة