في محاولة لتجنب أزمة غذائية عالمية مرتقبة، غادرت عدة سفن موانئ ساحل البحر الأسود الأوكراني الإثنين، وسط مخاوف حول عدم قدرة هذه السفن الوصول وعبور ممر البسفور (بين البحر الأسود والمتوسط)، إلى البحر المتوسط ثم إلى دول مختلفة من العالم، بسبب العوائق الروسية.

موسكو وأزمة الغذاء

تزامنا مع تحذيرات بتفاقم أزمة الغذاء العالمية، الناتجة بالدرجة الأولى عن عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلنت موسكو انسحابها من مبادرة نقل الحبوب عبر البحر الأسود التي سمحت بتصدير المواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية.

وتحرك السفن المذكورة جاء وفق خطة اتفقت عليها كل من الأمم المتحدة وأوكرانيا وتركيا، بحيث تتحرك 16 سفينة. حيث جاءت هذه الخطة على الرغم من انسحاب موسكو السبت من مبادرة تسهيل نقل الحبوب عبر البحر الأسود من أوكرانيا، لمواجهة أزمة الغذاء العالمية، فجاءت خطوة موسكو لتعزز مخاوف تفاقم الأزمة، إذ تقول روسيا إنها انسحبت من المبادرة ردا على مهاجمة قواتها من قبل الجانب الأوكراني.

بالعودة إلى السفن التي تحركت من المياه الأوكرانية، فوفقا للأمم المتحدة، فإن هذه السفن تشمل سفينة “افريكان روبن” المحملة بالقمح، وسفينة “اس كيه فريندشيب” محملة بفول الصويا.

وقالت الأمم المتحدة، في تصريحات نقلها موقع “القدس العربي” إن السفن غادرت المياه الأوكرانية الأحد، بالإضافة إلى ثلاث سفن أخرى، متجهة إلى ممر البحر الأسود.

من جانبها وزارة البنية التحتية الأوكرانية، أوضحت أن سفينة يطلق عليها ” اكاريا انجيل” تبحر بالنيابة عن برنامج الأغذية العالمي غادرت أيضا. وتحمل السفينة 40 ألف طن الحبوب، وتتجه إلى إثيوبيا.

وبعد انسحاب موسكو من المبادرة المعمول بها منذ تموز/يوليو الماضي، برزت مخاوف بمحاولة موسكو عرقلة مرور سفن الحبوب القادمة من أوكرانيا، لكن على الرغم من هذه المخاوف فإن الأمم المتحدة أكدت تنفيذ الخطة مع أوكرانيا وتركيا، التي تنص على تحريك 16  سفينة اليوم الاثنين، 12 منها ستخرج من موانئ أوكرانيا و4 سفن ستدخل إليها، وتعتزم كذلك تفتيش 40 سفينة خلال اليوم ستتحرك للخروج وهي راسية الآن قرب إسطنبول.

من جانبه قال منسق الأمم المتحدة لاتفاق صادرات الحبوب في البحر الأسود أمير عبد الله، في تصريحات نقلها موقع “العربي الجديد” الإثنين، إن سفن الشحن المدنية لا يمكن أن تكون أهدافا عسكرية أو أن تُحتجز رهينة، وإن “الغذاء يجب أن يتدفق” بموجب الاتفاق الذي علّقت روسيا مشاركتها فيه، في مطلع الأسبوع.

مراقبون أكدوا أن الخطوات الروسية، ستزيد من قلق أزمة الغذاء العالمية، حيث شهدت العديد من الأسواق الدولية، ارتفاعا في أسعار القمح والذرة، إذ يترقب التجار التطورات بشأن الصادرات، وحركة السفن المحملة بالحبوب.

تاجر حبوب من مصر قال في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، إن آلاف الأطنان من مختلف أنواع الحبوب، أصبحت في خطر بعد انسحاب روسيا من مبادرة تسهيل عبور الغذاء من البحر الأسود إلى مختلف أنحاء العالم.

التاجر أضاف في حديثه، “الآن جميع تجار الحبوب على أعصابهم، لا سيما في دول إفريقيا، مئات الآلاف من الأطنان يجب أن تصل خلال الفترة القادمة، لكن التوتر في البحر الأسود الآن قد يمنعها من الوصول، الأخبار الواردة أثرت على الأسعار بشكل مباشر ولحظي”.

تجدر الإشارة هنا إلى أن المبادرة أو الاتفاق الذي تم التواصل إليه في أواخر تموز/يوليو الماضي، مكّن  أوكرانيا من استئناف صادراتها من الحبوب والأسمدة عبر البحر الأسود، والتي توقفت بفعل الغزو الروسي في شباط/فبراير الماضي، وتم الاتفاق مبدئيا على سريان اتفاق التصدير الأوكراني لمدة 120 يوما.

يواجه العالم احتمال تفجر أزمة غذاء عالمية، وسط تحديات غير مسبوقة،  في ظل التهديدات المحدقة بالأمن الدولي من جرّاء الغزو الروسي لأوكرانيا، وتلويح موسكو باستخدام السلاح النووي، كذلك على الصعيد الاقتصادي فإن ارتفاع التضخم بنسب مخيفة، يشكل تحديا آخرا أمام مواجهة أزمة الغذاء.

برنامج الأغذية العالمي، التابع لمنظمة الأمم المتحدة أكد، أن العالم يواجه خطر خوض عام آخر من وصول الجوع إلى مستويات قياسية. ويبدو أن الأزمة لا تثبت على وصف محدد، ففي كل يوم هناك مؤشرات وتداعيات تطفو على السطح، تؤكد أن أزمة الغذاء العالمية تستفحل، وتزداد تعقيدا.

والأزمة القادمة المحتملة، لن تكون مقتصرة على دول فقيرة أو تعاني حروب، فها هي أوروبا التي لم يكن أحد يتخيل أنها ستعاني من أزمة غذاء، أصبحت تبحث عن بدائل وخطة لمواجهة الأزمة القادمة.

خطة أوروبية لمواجهة الأزمة

الخطة الاستراتيجية بشأن الغذاء، التي أجرى الاتحاد الأوروبي تعديلات عليها، كانت قد نُشرت في العام 2015، حيث جاءت التعديلات في ظل المخاوف من تدهور الوضع الغذائي على مستوى العالم، لاسيما ضمن الدول محدودة الدخل.

قد يهمك: العاصمة الأوكرانية بلا كهرباء.. ما تبعات بدء روسيا ضرب المنشآت الحيوية؟

وبحسب تقرير نشره “مركز الإمارات للسياسات“، فإن ورقة تعديل خطة الغذاء في أوروبا، “تسعى لتحليل مضمون الخطة الأوروبية الاستثنائية الجديدة، والكشف عن أهدافها وركائزها، والتحديات التي يمكن أن تعترض طريق تنفيذها في سياق دولي متغير، وظروف مناخية واقتصادية غير مستقرة“.

يُعدّ القطاع الزراعي الأوروبي مستوردا كبيرا لمنتجات معينة، مثل بروتينات الأعلاف، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المدخلات مثل الأسمدة والوقود الأحفوري، الأمر الذي يخلق صعوبات في الإنتاج للمزارعين، ويهدد برفع أسعار المواد الغذائية.

بناء عليه تقترح المفوضية الأوروبية مجموعة واسعة من الإجراءات القصيرة والمتوسطة المدى لتحسين الأمن الغذائي العالمي، ودعم المزارعين والمستهلكين في الاتحاد في مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، أبرزها دعم الفئات الضعيفة من السكان؛ وتكثيف الإنتاج الغذائي المحلي؛ وإزالة القيود المفروضة على تجارة المواد الغذائية وتعزيز المنافسة.كما سيتم إضافة مبلغ 500 مليون يورو إلى المخصصات الوطنية لتقديم الدعم المباشر للمزارعين الأكثر تضررا من زيادة تكاليف المدخلات وإغلاق أسواق التصدير.

كذلك تسعى الدول الأوروبية لتجنب “كارثة إنسانية“، متعلقة بارتفاع أسعار المواد الغذائية في دول الأطراف، ما قد يؤدي إلى اختلال التوازن الأمني والاجتماعي في هذه الدول القريبة من أوروبا، وبالتالي احتمالية تصاعد التهديدات الإرهابية وموجات الهجرة غير الشرعية.

وفضلا عما سبق، فإن استمرار عمليات غزو روسيا لأوكرانيا، قد تدفع إلى مزيد مزيد من القيود العالمية على صادرات الغذاء، ونزوع الدول المصدرة إلى الحمائية، الأمر الذي يرفع بشكل مباشر الأسعار إلى مستويات قياسية في بعض المواد، مثل الزيوت. ففي آذار/مارس الماضي، حظرت أوكرانيا تصدير عدد من المنتجات الغذائية (الشعير، والحنطة السوداء، والسكر، واللحوم) حتى نهاية عام 2022.

وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، زاد مؤشر الجوع العالمي بشكل كبير من 135 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2019، إلى 345 مليونا في عام 2022. منهم نحو 50 مليون شخص في 45 دولة يعانون مجاعة حقيقية.

تستخدم روسيا منذ بدء غزوها للأراضي الأوكرانية، الغذاء كسلاح عسكري في مواجهة العالم بأثره، فالهجوم الذي تتحدث عنه موسكو كذريعة للانسحاب من المبادرة، حدث فعلا من قبل القوات الأوكرانية، التي تحاول ردع الهجمات الروسية التي بدأها الجيش الروسي مستهدفا المنشآت الحيوية بما فيها محطات الطاقة، وتسببت في العديد من المناطق بينها العاصمة كييف بانقطاع التيار الكهربائي.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.