خلاف حاضر منذ اللحظة الأولى، ولم تخفه القوى المناوئة له، كما أنها على ما يبدو لم تكتفي في إزاحته من المشهد. هذا هو المشهد باختصار بين رئيس الحكومة العراقية السابقة مصطفى الكاظمي، وقوى تحالف “الإطار التنسيقي” المقرب من إيران، والتي نجحت بتشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد شياع السوداني في الـ27 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد أزمة سياسية استمرت لأكثر من عام.

وبعد انتهاء ولاية حكومة الكاظمي، مباشرة تصاعدت الدعوات من قبل عدد من النواب والجهات السياسية إلى إلغاء جميع القرارات التي اتخذت وصدرت بعد تاريخ الانتخابات التشريعية التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، أي بعد تحول الحكومة إلى تصريف أعمال، وهو ما يشير له البعض إلى أنها لا تنسجم مع صلاحيات الحكومات المؤقتة، التي لا يمكنها اتخاذها.

القرارات التي يدور الحديث حولها هي التي تتعلق بمثل إقرار الموازنة وعمليات الصرف الكبرى والتعيينات في المناصب العليا، أو إحالة المشاريع ذات المبالغ الكبيرة إلى التنفيذ، وهي التي يؤكد حولها بعض أعضاء مجلس النواب بأنها لا تتوافق مع صلاحيات الحكومة السابقة التي اتخذتها في وضع تصريف أعمال.

إلى ذلك، فأن قرارات حكومة الكاظمي على ما يبدو في طريقها إلى مراجعة شاملة من قبل مجلس النواب، لا سيما بعد مطالبات نيابية أكدت ضرورة إلغاءها، في حين أعلن النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، الأحد الماضي، تشكيل لجنة نيابية تضم ممثلين من أربع لجان نيابية لتدقيق جميع القرارات التي اتخذتها حكومة الكاظمي.

اللجنة المشكلة ستكون برئاسة المندلاوي، وستتولى مراجعة كل القرارات التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال وتحديدا من تاريخ العاشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وهو موعد إجراء الانتخابات المبكرة وإلى غاية انتهاء سلطتها، كما ستضم اللجنة أعضاء من اللجان النيابية المعنية وهي، النزاهة، والمالية، والقانونية، والاستثمار.

اقرأ/ي أيضا: مصير العلاقات الدولية مع حكومة العراق الجديدة

هل حق إلغاء قرارات حكومة الكاظمي؟

بدورها طالبت النائبة عن محافظة البصرة زهرة البجاري مجلس الوزراء العراقي الجديد بإلغاء جميع القرارات التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال، وقالت إنه من الضروري تشكيل لجان متخصصة لمراجعة قرارات الكاظمي للوقوف على حجم الفساد الإداري والمالي خلال هذه الفترة الانتقالية، معتبرة إياها أسوأ فترة مرت على العراق ووصفتها بـ “الحكومة الهزيلة”.

غير أن قرارات الحكومة العراقية السابقة، ولغرض اتخاذ موقف بشأنها لا بد من معرفة الحالة القانونية لها، ومن هنا تواصل موقع “الحل نت”، مع الخبير القانوني علي التميمي، وقال إن “حكومة تصريف الأمور اليومية هي حكومة ناقصة الصلاحيات لغرض تمشية بعض الأعمال الضرورية، وهي تكون عادة في المراحل الانتقالية أو مرحلة الانتخابات أو مرحلة طارئة، ولا يحق لها البت في الأمور المهمة والمصيرية وغرضها يكون فقط لاستمرار المرافق العامة”.

التميمي أضاف أن “الدستور العراقي حدد هذه المدة بـ 30 يوما في المادتين 61 و64، لافتا إلى أن معظم دساتير العالم حددت ذلك بـ 30 يوما كما في ألمانيا وجنوب أفريقيا والمدة يحب أن لا تكون طويلة إلا في حدود المصلحة الوطنية”.

بناء على ذلك، فأن الرقابة على حكومة تصريف الأعمال اليومية هو من اختصاص القضاء الإداري والمحكمة الاتحادية من حيث أنه يمكن الطعن بقراراتها أمامهم، ويسمى الطعن الضيق، لافتا إلى أن صلاحيات تصريف الأعمال هي توقيع العقود بين الوزارات وسحب مبلغ لصرف الرواتب، ولهذا فمداها شهر واحد فقط أو لحين تشكيل الحكومة الجديدة، بحسب الخبير القانوني.

بالتالي يؤكد التميمي أن “أحقية الحكومة الجديدة إلغاء قرارات حكومة تصريف الأمور اليومية كما حصل لحكومة عبدالمهدي التي ألغت قرارات حكومة العبادي أثناء تصريف الأمور وتشكيل لجنة متخصصة لدرس هذه القرارات وسلوك الاتجاهات في شأنها”.

يشار إلى أن العديد من النواب والكتل النيابية، فضلا عن المهتمين بالشأن السياسي طالبوا في مناسبات عدة، بتشكيل لجان سواء كانت نيابية أو من قبل ذوي الاختصاص لتدقيق القرارات والعقود التي أبرمتها حكومة تصريف الأعمال اليومية، فيما رفع نواب دعاوى قضائية ضد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي وبعض وزراء حكومته، لاتخاذهم قرارات وإبرام عقود يرى هؤلاء النواب أنها غير قانونية لكون الحكومة مهامها تصريف الأعمال اليومية وليس من صلاحياتها التعاقد وإصدار القرارات.

السوداني من بعد أمة شهدها الكاظمي

والسوداني البالغ 52 عاما، يخلف مصطفى الكاظمي الذي تولى رئاسة الحكومة في أيار/مايو 2020، في حين كُلف السوداني وهو محافظ ووزير سابق منبثق من الطبقة السياسية الشيعية التقليدية، في 13 تشرين الأول/أكتوبر بتشكيل الحكومة، من قبل رئيس الجمهورية الجديد عبد اللطيف رشيد مباشرة بعد انتخابه. وهو مرشح القوى السياسية الموالية لإيران والمنضوية في “الإطار التنسيقي“.

تولي الحكومة الجديدة مهامها يأتي بعد عام من أزمة سياسية خانقة تجلت أحيانا بعنف في الشارع، نتيجة للخصومة بين “التيار الصدري” و“الإطار التنسيقي” الذي يضم خصوصا كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة لـ “الحشد الشعبي“.

الأزمة كانت نتيجة صراع محتدم ما بين “التيار الصدري” بزعامة رجل الدين القوي مقتدى الصدر، وتحالف “الإطار” الذي عطّل مشروع الصدر الذي حلت كتلته أولا في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي كان يسعى لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني مشاركة كل أطراف “الإطار” أو بعضها.

الصراع دفع مؤخرا في نهاية آب/أغسطس الماضي الصدر إلى اعتزال السياسة نهائيا، وذلك بعد ما وجه كتلته البالغ عدد أعضائها 73 نائبا بالاستقالة من البرلمان، بعدما فشلت جهوده في تشكل حكومة “أغلبية“، ليعلن أنه لن يشترك بحكومة “توافقية – محاصصة” مجددا، وهي التي كانت السبب في غضب الشارع العراقي الذي تجلى في احتجاجات العام 2019، وأدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، كما أنها السبب في سوء الإدارة والفساد الذي أنهك العراق والعراقيين طيلة الـ 19 عاما الماضية.

اقرأ/ي أيضا: ما مدى إمكانية تنظيم حكومة العراق الجديدة لانتخابات مبكرة خلال عام؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.