مرحلة جديدة من العلاقات الدولية مع العراق، بحكم قيادة “الإطار التنسيقي” للحكومة العراقية الجديدة التي تشكّلت نهاية الأسبوع الماضي، فكيف سيكون مصير علاقات بغداد مع الدول الإقليمية والغربية.

الخميس الماضي، منح البرلمان العراقي الثقة بشكل رسمي لحكومة محمد شياع السوداني، مرشّح “الإطار” الموالي إلى إيران، لتبدأ مرحلة أخرى من العلاقات الدولية مع العراق، الكل ينتظر معرفة شكلها.

الحكومة العراقية السابقة بقيادة مصطفى الكاظمي، كانت أنجح حكومات عراق ما بعد 2003 على مستوى العلاقات الخارجية، رغم قصر عمرها، إذ كانت انتقالية لمدة عامين ونصف فقط، مهمتها الأساسية إجراء انتخابات مبكرة، ونجحت في ذلك.

بحسب أستاذ العلاقات العامة الدولية حسن الخاقاني، فإن العلاقات الدولية ستكون مستقرة خلال فترة حكومة السوداني ولن تتأزم؛ لأن “الإطار” بات اليوم أكثر نضجا من الأمس، وتعلّم من أغلاطه.

ثمة خشية في الشارع العراقي، من إمكانية تدهور علاقات بغداد مع محيطها الإقليمي والدولي، عطفا على تجربة الحكومة ما قبل السابقة التي قادها عادل عبد المهدي، الذي ينتمي إلى “الإطار التنسيقي”.

علاقة بغداد وواشنطن

حكومة عبد المهدي، عزلت العراق عن الكل وحصرت علاقاته بإيران وسّلمت بغداد إلى طهران، وهو ما أدّى إلى سقوطها سريعا خلال عام واحد بعد تظاهرات شعبية كبيرة، عرفت بـ “انتفاضة تشرين”، التي خرجت في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

الخاقاني يستبعد تكرار سيناريو حكومة عبد المهدي من قبل “الإطار”، لأنه استفاد من تلك التجربة ولن يكرّرها مجدّدا، بل سيبحث عن علاقات متوازنة مع الجميع، بضمنها واشنطن والرياض، مع كفة أكبر لطهران على اعتبار أن “الإطار” يوالي إيران.

ترحيب دولي واسع حظيت به حكومة شياع السوداني بعد نيلها الثقة، لا سيما من قبل واشنطن وباريس والرياض وأنقرة، إضافة إلى “الأمم المتحدة”، ناهيك عن طهران بالطبع، وهو ما يؤشر إلى تقبل دولي للحكومة الجديدة.

السفيرة الأميركية لدى العراق آلينا رومانوسكي، التقت رئيس الحكومة العراقية شياع السوداني بعد منحه الثقة، وأكد بيان مشترك لهما، تعزيز العلاقات الثنائية بين بغداد وواشنطن، ودعم الأخيرة إلى العراق.

الخاقاني يقول لـ “الحل نت”، إن واشنطن بالتأكيد لم تكن رغبتها أن تصل قوى طهران لقيادة المرحلة الجديدة في بغداد، لكنها في النهاية تتعامل مع الدول على أساس الحكومات التي تقودها، مهما كان شكلها.

ماذا كانت الرغبة الدولية؟

صحيح أن الولايات المتحدة رغبت بوصول حكومة غير هذه، لكنها ستدعم حكومة السوداني، من أجل استقرار العراق؛ لأن استقرار بغداد يعني استقرار المنطقة، ناهيك عن أن واشنطن لم تعد تحتمل أزمة جديدة، تضاف إلى أزمات العالم الراهنة.

إقليميا ودوليا، كان الكل يرغب بالتجديد لمصطفى الكاظمي بولاية ثانية على رأس الحكومة العراقية، نظرا للطفرة التي أحدثها في علاقات بغداد الخارجية بشكل إيجابي كبير، ودفعت باتجاه ذلك الرياض وباريس وواشنطن و”يونامي”.

بحسب الخاقاني، لو عادت حكومة الكاظمي لنجحت في تطوير العلاقات الدولية مع بغداد بشكل أكبر، لكن اللاعب الخارجي في النهاية لا يستطيع تحقيق مسعاه ما لم يكن معه من يدعمه داخليا بشكل قوي، واللاعب الداخلي انتهى مع انسحاب “التيار الصدري” من المشهد السياسي العراقي.

“التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، كان الفائز الأول في الانتخابات المبكرة الأخيرة التي جرت في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021، وكان الداعم الوحيد للكاظمي، وسعى لتشكيل حكومة أغلبية من دون “الإطار”، لكن معظم القوى السياسية وقفت بوجهه، فاستقال من البرلمان وانسحب من العملية السياسية.

يعرف “الإطار” بعلاقته المتشنجة مع السعودية، خاصة في حكومتي نوري المالكي بين عامي 2006 و2014، وازدهرت في حكومة حيدر العبادي، التي أسفرت عن فتح سفارة سعودية في بغداد والعكس أيضا، وذلك لأول مرة منذ غزو نظام صدام حسين للكويت عام 1991.

العلاقة مع الرياض

في حكومة عادل عبد المهدي تراجعت العلاقة بين بغداد والرياض، لكنها لم تتدهور، غير أن العلاقة الثنائية بين العراق والسعودية شهدت أوج ازدهارها في عهد حكومة مصطفى الكاظمي الأخيرة.

السبت المنصرم، وبعد يومين من نيله الثقة، استقبل رئيس الحكومة العراقية شياع السوداني، السفير السعودي لدى العراق عبد العزيز الشمري، ونقل الأخير للسوداني برقية تهنئة خطية من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، بمناسبة تشكيله للحكومة الجديدة.

اليوم لن تتدهور العلاقة بين الرياض وبغداد، خصوصا وأن الأخيرة احتضنت مفاوضات سعودية إيرانية، أفضت عن تقارب كبير بين الرياض وطهران، وبالتالي ليس من مصلحة إيران أن تتأزم علاقة حكومة “الإطار” مع السعودية، بل ستكون العلاقة هادئة، بحسب حسن الخاقاني.

منذ نيسان/أبريل 2021 وحتى تموز/يوليو 2022، احتضنت بغداد بوساطة من حكومة الكاظمي السابقة، 5 مفاوضات بين السعودية وإيران، أفضت إلى تقارب كبير، ولم يتبق سوى جولة أخيرة للتوقيع على تطبيع العلاقات بين البلدين وعودة فتح السفارات الثنائية في طهران والرياض.

بالمحصلة، ستكون علاقات العراق الخارجية مستقرة مع الجميع، لكن كفتها الأكبر ستميل نحو طهران بحكم القوى التي تقود الحكومة الجديدة، غير أن استقرار العلاقات الدولية مع بغداد، لا يعني بالضرورة ازدهارها أكثر مما شهدته في حقبة الكاظمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.