بعد أكثر من عام على أزمة سياسية خانقة، حصلت حكومة العراق الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني المرشح من قبل تحالف “الإطار التنسيقي” المقرب من إيران، على ثقة البرلمان العراقي، مساء أمس الخميس.

حكومة السوداني نالت الثقة بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، وفق ما جاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، والذي أكد أن الحكومة الجديدة نالت ثقة مجلس النواب، بعد التصويت بالغالبية أي النصف زائدا واحدا من 329 نائبا.

جلسة منح الثقة التي شارك بها 253 نائبا، بحسب إعلام البرلمان، شملت التصويت على البرنامج الحكومي، و21 وزيرا، بينهم 12 وزيرا شيعيا تم ترشيحهم من قبل تحالف “الإطار“، و6 وزراء سنة، ووزيرين كرديين إضافة إلى وزارتين لم يتم التوافق حولهما بعد لتبقى شاغرة، فضلا عن وزارة واحدة للأقليات، وتشغل ثلاث نساء مناصب في الحكومة الجديدة.

جاء ذلك في خطوة هي الأولى والأخيرة قبل أن يتولى السوداني وفريقه الوزاري مهامهم الرسمية اليوم الجمعة، بحسب مصادر مطلعة، أفادت بأن أول جلسة لرئيس الوزراء الجديد مع أعضاء فريقه الحكومي ستُعقد اليوم.

نيل الحكومة الجديدة لثقة البرلمان يأتي بعد نحو أسبوعين من تكليف السوداني بمهمة تشكيل الحكومة، وبعد أكثر من عام عاشت فيها البلاد أزمة سياسية حادة، فيما تعهد الرئيس الجديد بمكافحة الفساد الذي كان “السبب وراء العديد من المشاكل الاقتصادية، وإضعاف هيبة الدولة وزيادة الفقر والبطالة وسوء الخدمات“.

اقرأ/ي أيضا: أسباب تراجع حراك “تشرين” في العراق

شكل المرحلة القادمة في حكومة السوداني

قبل ذلك كان السوداني قد قدم برنامجه الوزاري والذي تضمن إجراء انتخابات مبكرة وتعديل قانون الانتخابات، فضلا عن قضايا مالية وخدمية، وغيرها من الملفات بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان، وكل ذلك محدد في مُدد زمنية ضيقة وهو ما أثار السؤال حول إمكانية التطبيق.

بيد أنه يجب ألا ننسى أن حكومة السوداني مؤقتة، أي تعمل على انتخابات مبكرة وتشكيل مفوضية انتخابات، كما أن بانتظاره أزمات متعددة، كما يقول المحلل السياسي باسم الخزرجي، ويضيف أن السوداني توعد بتشكيل حكومة مهنية تضم شخصيات كفؤة ونزيهة، كما سيضع حلولا لمشكلات نقص الخدمات والفقر والبطالة وغيرها، إضافة إلى القضاء على الفساد، غير أن العراق كدول لديه مشكلات رئيسية.

مشكلات تتمثل بحسب الأهمية من الفساد ونقص الخدمات وتفشي البطالة بين الشباب، في حين يدعو السوداني لحملة وطنية للقضاء على الفساد في وقت لا يملك الشعب إمكانية ذلك، لسبب أن الحكومة هي التي تمتلك الأدوات إلى جانب القضاء، إذ أنها من يفتح ملفات الفساد ويرسلها إلى القضاء وذاتها من يُفترض أن يطالب بمحاسبة الفاسدين، على قول الخزرجي.

المحلل السياسي وحول المرحلة المقبلة من حكومته، أشار إلى أن “الرئيس الجديد تحدث عن هيبة الدولة بشكل خجول كما أن من المخيب للآمال أنه لم يتطرق لمعالجة السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة“.

الخزرجي وجه نصيحته إلى السوداني، أنه في المرحلة المقبلة عليه أن يترك خطابات التلفزيون ويذهب إلى المشكلات التي يعاني منها العراق من سلاح منفلت وبطالة مستشرية، ومنوّها إلى أن العراق بات لديه خزينة هائلة بالتالي يجب حمايتها من الفاسدين وصرفها في المجالات التي تحتاجها.

اقرأ/ي أيضا: الحكومة العراقية تبصر النور.. الانتخابات المبكرة حقيقة أم كلام؟

حكومة السوداني مؤقتة

كما يعتقد أن “عمر حكومة السوداني لن يتجاوز عمر حكومة سلفه مصطفى الكاظمي، وهذا ما يعني أنها ستنحصر بسنة إلى سنة ونصف، وفي حال صلُحت النوايا فبإمكان السوداني أن يعالج قضايا مثل قانون الانتخابات وتبنّي قانون عادل بعيد عن شروط الأحزاب، وتشكيل مفوضية انتخابات نزيهة“.

لكن الخزرجي يرى أن “حكومة السوداني الجديدة ليس بإمكانها خدمة المواطن العراقي لسبب أنها خرجت من رحم الأحزاب على الرغم من أن الرئيس حاول تقديم نفسه كمستقل، بيد أنه في الواقع يداه مقيدتان ومن خلفه أحزاب سياسية هي من تحركه“.

يُشار إلى أن البرنامج الحكومي للسوداني قد تضمن بنود مختلفة تتعلق بإجراء إصلاحات عاجلة في القطاعات الاقتصادية والمالية والخدمية.

البرنامج الحكومي تضمن أيضا “بناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال مدة أقصاها 90 يوما من تاريخ تشكيل الحكومة، ومعالجة الفقر والبطالة، والإسراع في إعمار المناطق المحررة (من تنظيم داعش)، والانتهاء من ملف النازحين، وتحسين الخدمات الصحية للمواطنين“.

كما تضمن أيضا الإشارة إلى “إنهاء ظاهرة السلاح المنفلت“، وكذلك معالجة ملف “ملء الفراغ الأمني“، في المناطق الإدارية بين إقليم كردستان وباقي مناطق العراق.

إعادة تقيم قرارات حكومة الكاظمي السابقة

كذلك “إعادة النظر بجميع قرارات حكومة تصريف الأعمال اليومية (حكومة مصطفى الكاظمي)، خصوصا الاقتصادية والأمنية والتعيينات غير المدروسة، وصرف مستحقات مشروع (البترودولار) للمحافظات المنتجة للنفط والغاز، وإعادة النسبة المخصصة لهذه المحافظات إلى 5 بالمئة للإنتاج والتكرير“.

البرنامج تعهد أيضا بـ “إجراء انتخابات مجالس المحافظات وتحديد موعد إجرائها في البرنامج الحكومي، وتضمين اتفاقية تطبيع أوضاع سنجار بما يسهم في إعادة الأمن والاستقرار في القضاء“.

البرنامج تضمن أيضا بنودا تتعلق بمعالجات لقطاعات الزراعة والصناعة وإعادة الثقة بالمنتوج العراقي، وتطوير الصناعة النفطية، وتحسين جودة خدمات الاتصالات وحمايتها وتطوير قطاع النقل، وتحسين الاستثمار وتوسيع آفاقه وتفعيل قطاع السياحة لتنويع اقتصاد البلاد، وتوحيد السياسة الجمركية في جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية، وغلق المنافذ غير الرسمية.

مما تضمنه البرنامج كذلك “تخصيص موازنة كافية لتعويض المتضررين جراء العمليات الإرهابية والعسكرية بموجب القانون النافذ، ومعالجة العمل بالوكالة في إدارة مؤسسات الدولة خلال فترة 6 أشهر من تشكيل الحكومة وإرسالها إلى مجلس النواب على ثلاث مراحل للتصويت عليها“.

كما بدا لافتا تطرّق السوداني إلى ملف المدن التي تسيطر عليها مليشيات مسلحة وأبرزها، جرف الصخر، والتعهد بعودتهم خلال مدة زمنية محدودة وطي صفحة النزوح.

اقرأ/ي أيضا: إقليم كردستان سوق جديد للاستثمارات العراقية والإقليمية.. الأسباب والنتائج

تنسيق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان

البرنامج تضمن كذلك تأكيد التنسيق بين حكومتي المركز والإقليم حول الملفات والقرارات التي تخص إقليم كردستان، والالتزام بتقديم ورقة إصلاحية اقتصادية شاملة مرتبطة ببرنامج تنفيذي محدد، وضرورة التأكيد على إنشاء الصندوق السيادي باعتباره صمام الأمان للأجيال القادمة.

السوداني البالغ 52 عاما، يخلف مصطفى الكاظمي الذي تولى رئاسة الحكومة في أيار/مايو 2020، في حين كُلف السوداني وهو محافظ ووزير سابق منبثق من الطبقة السياسية الشيعية التقليدية، في 13 تشرين الأول/أكتوبر بتشكيل الحكومة، من قبل رئيس الجمهورية الجديد عبد اللطيف رشيد مباشرة بعد انتخابه. وهو مرشح القوى السياسية الموالية لإيران والمنضوية في “الإطار التنسيقي“.

تولي الحكومة الجديدة مهامها يأتي بعد عام من أزمة سياسية خانقة تجلت أحيانا بعنف في الشارع، نتيجة للخصومة بين “التيار الصدري” و“الإطار التنسيقي” الذي يضم خصوصا كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة لـ “الحشد الشعبي“.

الأزمة كانت نتيجة صراع محتدم ما بين “التيار الصدري” بزعامة رجل الدين القوي مقتدى الصدر، وتحالف “الإطار” الذي عطّل مشروع الصدر الذي حلت كتلته أولا في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي كان يسعى لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني مشاركة كل أطراف “الإطار” أو بعضها.

الصراع دفع مؤخرا في نهاية آب/أغسطس الماضي الصدر إلى اعتزال السياسة نهائيا، وذلك بعد ما وجه كتلته البالغ عدد أعضائها 73 نائبا بالاستقالة من البرلمان، بعدما فشلت جهوده في تشكل حكومة “أغلبية“، ليعلن أنه لن يشترك بحكومة “توافقية – محاصصة” مجددا، وهي التي كانت السبب في غضب الشارع العراقي الذي تجلى في احتجاجات العام 2019، وأدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، كما أنها السبب في سوء الإدارة والفساد الذي أنهك العراق والعراقيين طيلة الـ 19 عاما الماضية.

اقرأ/ي أيضا: الإعدام بحق قاتل أحد أبرز ناشطي العراق المدنيين.. هل يمهد لمحاسبة قتلة المتظاهرين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.