تعويل كبير على عودة حراك “تشرين” في العراق، بالتزامن مع الذكرى السنوية الثالثة لانتفاضة الوسط والجنوب العراقي، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، والنتيجة تظاهرات محدودة لسويعات ليس إلا، وسرعان ما انتهت.

في 25 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، مرّت الذكرى السنوية الثالثة للدفعة الثانية لـ “انتفاضة تشرين”، وكانت التحشيدات مستمرة لإطلاق “تشرين” ثانية بهذه المناسبة، لكن ما حصل مشاركة مئات لا أكثر لاستذكار الانتفاضة فقط.

“تشرين” خرجت بدفعتين، الأولى من 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019 وحتى العاشر من ذات الشهر، بينما خرجت الدفعة الثانية بعد أسبوعين، بدءا من تاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019 ولمدة 5 أشهر ونصف.

أقل من 3 ساعات على الاستذكار، وأنهت القوات الأمنية التظاهرات في ساحة التحرير وسط بغداد، وأُعيد فتح الطرق، وهنا يبرز السؤال التالي، ما الذي أدّى إلى تراجع حراك “تشرين”، ولماذا لم تعد الانتفاضة مجدّدا.

عوامل كثيرة وراء تراجع الحراك الشعبي التشريني، بحسب الباحثة السياسية ريم الجاف، لعل أبرزها اليأس من عدم جدوى التظاهرات في إحداث أي تغيير إيجابي، لا سيما وأن التشرينيين شاهدوا بأعينهم فشل “التيار الصدري” في إحداث أي تغيير بالعملية السياسية.

القمع والتصفية

“التيار الصدري” فاز في الانتخابات المبكرة قبل عام من اليوم، وسعى إلى حكومة أغلبية بعيدة عن حكومات المحاصصة المتبعة منذ 2003، لكنه فشل في مسعاه، فانسحب من العملية السياسية، ليشكّل “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، حكومة بقيادة محمد شياع السوداني، أمس الخميس.

من بين أسباب تراجع حراك “تشرين”، القمع المفرط الذي مارسته ميليشيات “الإطار” تجاه مَن تظاهروا، فضلا عن تصفيتها لأبرز الناشطين في الانتفاضة الشعبية، كما تقول الجاف في حديث مع “الحل نت”.

“انتفاضة تشرين” خرجت في تشرين الأول/أكتوبر 2019 ضد الفساد والبطالة ونقص الخدمات، وضد التدخل الإيراني في الشأن العراقي، واستمرت 5 أشهر ونصف حتى 15 آذار/مارس 2020، لتنتهي جراء اجتياح وباء “كورونا” للبلاد، إضافة إلى قمع الميليشيات لها.

قُتل في الانتفاضة 750 متظاهرا، وأُصيب 25 ألفا بينهم 5 آلاف بإعاقة دائمة، وتُتهم الميليشيات العراقية الموالية إلى إيران، إضافة إلى “قوات الشغب” في حكومة عادل عبد المهدي آنذاك بقتل المتظاهرين.

رغم قمعها، إلا أن الانتفاضة أسفرت عن إسقاط أول حكومة منذ عراق ما بعد نظام صدام حسين، عندما أُجبرت حكومة عبد المهدي على تقديم استقالتها في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وجاءت بعدها حكومة بقيادة مصطفى الكاظمي، انتهت مهامها، أمس الخميس.

خلافات قوى “تشرين”

الجاف تعزو تراجع حراك “تشرين” إلى سبب آخر، وهو احتواء قيادات الحراك من قِبل السلطة، وانضمام بعضهم إليها، لا سيما من عملوا كمستشارين في حكومة الكاظمي السابقة، ناهيك عن عدم امتلاك الحراك إلى قيادة له، على حد تعبيرها.

طوال الانتفاضة، استمرت “تشرين” من دون قيادة، إذ كانت التظاهرات عفوية، لكن عدم وجود القيادة لها، أدّى في نهاية المطاف إلى عدم ديمومتها؛ لأن القوى السياسية التقليدية راهنت على عامل الوقت، وبالتالي أمست “تشرين” مجرد احتجاجات لأجل الاستذكار السنوي لا أكثر، وفق الجاف.

حتى بعد نهاية “انتفاضة تشرين”، لم يسلم العديد من نشطاء الحراك من القتل والتصفية، فقُتل والد المحامي علي چاسب في الناصرية جنوبي العراقي، إضافة إلى اغتيال الناشطة ريهام يعقوب في البصرة بأقصى جنوبي البلاد، فضلا عن قتل الناشط الكربلائي إيهاب الوزني، قبل 4 أشهر فقط من الانتخابات المبكرة، التي جرت في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

الخلافات بين قوى “تشرين” التي تأسّست بعد الانتفاضة، واتخاذها نهج الأحزاب التقليدية عبر تسقيط بعضها البعض، بدل توحيد رؤاها وأفكارها، صدم الجمهور التشريني، الأمر الذي أدّى إلى انحسار الحراك وعدم تجدّده في ذكراه السنوية، بحسب الجاف.

بعد الانتفاضة، تأسست العديد من الأحزاب السياسية من رحم “تشرين”، منها “البيت الوطني” و”حركة امتداد” و”نازل آخذ حقي” و”حركة وعي”، وقاطع بعضها الانتخابات المبكرة، وفشل البعض الآخر بالوصول إلى البرلمان، فيما كانت المفاجأة بفوز “امتداد” عبر حصولها على 17 مقعدا في الانتخابات.

ما الخلاصة؟

نواب “امتداد” يواجهون مصاعب جمة بعد اشتراكهم في العملية السياسية، فقد قاطعوا جلسة منح الثقة لحكومة شياع السوداني، أمس الخميس، وقال الأمين العام للحركة، علاء الركابي، إن “الذين يجلسون في الصف الأول من البرلمان، هم من اغتالوا شهداء تشرين”، ويقصد قيادات “الإطار” في حديثه.

بعد انتهاء جلسة منح الثقة والتصويت على حكومة شياع السوداني، تعرض الركابي ومعه 2 من نواب “امتداد” إلى الاعتداء والضرب أمام مبنى البرلمان من قبل نواب “الإطار”، في عمل ترهيبي لا يختلف كثيرا عن ترهيب الميليشيات “الولائية” للمواطنين الاعتياديين.

لا يعني تراجع حراك “تشرين” أن الانتفاضة انتهت إلى الأبد ولن تتكرر وفق ريم الجاف؛ لأن “تشرين” بذرة، ويمكن لها أن تعود مستقبلا، ما أن تتوفر لها الأجواء المناسبة، خاصة إن أصبحت لها قيادة حكيمة، وتوحّدت قواها التي دخلت إلى مضمار العملية السياسية، وأبعدت من تسلّقوا على كتفها عنها.

ثمة العديد من الشخصيات التي تقود قوى “تشرين” متهمة بكسبها أموالا طائلة من الحكومة السابقة وبعض الأحزاب التقليدية، لقاء صمتها أو عدم انتقادها بشكل دائم للحكومة والأحزاب، وفتحت تلك القوى تحقيقات مع بعض قياداتها، خصوصا “امتداد” و”البيت الوطني”.

الخلاصة، لا يبدو أن حراك “تشرين” الذي تراجع بشكل واضح، سيعود مرة أخرى قريبا؛ لأن البيئة اليوم ليست كما بيئة الأمس، هذا عدا عن القمع الميليشياوي لها وحالة اليأس من عدم حصول أي تغيير، وما سيحدث من عودة الحراك فقط سقوط المزيد من الدم لا غير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.