أخيرا، بات للعراق حكومة جديدة بعد أكثر من عام على إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة. الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني مُنحت الثقة برلمانيا، ووعدت بتنفيذ إصلاحات جذرية، لكن اللافت تحديد السوداني لعمر حكومته عبر تحديد موعد الانتخابات المبكرة الجديدة.

أمس الخميس، منح البرلمان العراقي الثقة لحكومة شياع السوداني، من خلال تصويته على 21 وزارة من أصل 23 وزارة، وكانت المحاصصة الطائفية هي السمة الأبرز للكابينة الحكومية الجديدة.

ردود فعل الشارع العراقي كانت غير مرحبة بالمجمل، خصوصا مع تبوء أسماء تنتمي إلى ميليشيات مسلّحة لبعض الوزارات، على رأسها وزارة التعليم العالي، التي أُسندت إلى نعيم العبودي، المنضوي في ميليشيا “العصائب” بقيادة قيس الخزعلي.

الكابينة الحكومية الجديدة، شهدت أيضا وصول شخصيات لا تحمل التخصص المناسب للوزارات التي أُسندت لهم، مثل وزارة الشباب والرياضة التي تسلّمها، أحمد المبرقع، وهو يحمل ماجستير في علم الاجتماع، وينتمي لكتلة “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي.

وزارتان لم يتم التصويت عليهما، وهما البيئة والإعمار والإسكان، وذلك نتيجة الخلاف الكردي بين “الحزب الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني” عليهما، وسيتولى إدارتهما شياع السوداني بنفسه، لحين حسم الصراع الكردي وترشيح أسماء توافقية للوزارتين.

لاستباق ردة فعل الصدر؟

الكابينة الحكومية الجديدة، فيها 3 نساء و18 وزيرا، وشهدت عودة وزيرين من حكومة مصطفى الكاظمي السابقة إلى نفس وزارتيهما، الأول فؤاد حسين، عاد ليكون وزيرا للخارجية مجددا، فيما أعيدت إيڤان فائق إلى وزارة الهجرة والمهجرين.

بعيدا عن عدم ترحيب الشارع وعن التقسيمة المحاصصاتية التي لم تكن مستغربة في حسم كابينة حكومة شياع السوداني الجديدة، كان لافتا تحديد السوداني لعمر حكومته الجديدة ضمن منهاجه الوزاري.

السوداني حدّد إجراء الانتخابات المبكرة الجديدة خلال عام واحد، يسبقها إجراء تعديل على قانون الانتخابات خلال أول 3 أشهر من عمر حكومته، فهل سينجح فعلا بإجراء الانتخابات في الموعد الذي حدده.

بحسب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية حيدر شاكر، فإن موعد الانتخابات المبكرة من الصعب الالتزام به من قبل حكومة شياع السوداني؛ لأنه قصير جدا ولا يمكن تنفيذه.

شاكر يرى في حديث مع “الحل نت”، أن تحديد موعد الانتخابات المبكرة وعمر الحكومة الجديدة، يأتي لاستباق أي ردة فعل من قبل زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، عبر إيصال رسالة له، بأن الحكومة ستحقق مطلبه.

مقتدى الصدر، كان الفائز الأول في الانتخابات المبكرة الأخيرة، وسعى إلى حكومة أغلبية يقصي منها “الإطار التنسيقي” لكنه لم ينجح في ذلك، فانسحب من البرلمان والعملية السياسية، ليصعد بدلا عن نوابه، أعلى الخاسرين من “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران.

رؤية “الإطار”

بعد انسحاب الصدر، تظاهر الجمهور الصدري رفضا لترشيح “الإطار” شياع السوداني لرئاسة الحكومة، واعتصم أمام البرلمان العراقي لمدة شهر كامل، وكان مطلبه حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

التظاهرات الصدرية انتهت بتوجيه من الصدر نهاية آب/أغسطس المنصرم، بعد صدام مسلّح بدأته الميليشيات الموالية إلى “الإطار” مع فصيل “سرايا السلام” التابع إلى الصدر، داخل “المنطقة الخضراء” أسفر عن مقتل 50 شخصا وإصابة أكثر من 700 شخص.

لم ينجح الصدر في مسعاه بإجراء انتخابات مبكرة من خلال حكومة الكاظمي السابقة، لكن حكومة شياع السوداني حدّدت موعد الانتخابات المبكرة، غير أن هذا الموعد لا يبدو بالإمكان الالتزام به، بحسب حديث حيد شاكر.

الوقت المحدد ضيق جدا، والسوداني يصدق في نواياه، لكن “الإطار” الذي أتى به لديه غير رؤية رئيس الحكومة، فهو يسعى إلى إطالة أمد الحكومة أكبر قدر ممكن؛ من أجل ربح أعلى رقم ممكن من الأموال تدخل في رصيده من خلال الوزارات التي امتلكها في الحكومة الجديدة، وفق شاكر.

لدى “الإطار التنسيقي” في حكومة شياع السوداني الجديدة 12 وزارة من مجموع 21 وزارة، و5 وزارات من حصة المكون السني، و4 وزارات من نصيب الكرد، و2 من حصة الأقليات، بحسب التقسيمة المحاصصاتية الطائفية.

بحسب شاكر، فإن تعديل قانون الانتخابات هو أكبر معرقل أمام إجراء الانتخابات المبكرة في الموعد الذي حدّده السوداني؛ لأن التعديل يُراد منه أن يكون وفق مقاسات الأحزاب السياسية، لا سيما “الإطار”.

أزمة سياسية جديدة

هنا قد لا يمكن تعديل القانون في الفترة التي حدّدها السوداني وهي أول 3 أشهر من عمر حكومته؛ لأن مقتدى الصدر يرى أن القانون الانتخابي الحالي هو الأفضل، خصوصا وأنه كان الفائز الأول في آخر انتخابات أُجريت عبر هذا القانون، بحسب شاكر.

القانون الانتخابي الحالي، جرى تشريعه بعد “انتفاضة تشرين” التي خرجت في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وهو يمنح صاحب الأصوات الأعلى الدخول لقبة البرلمان، عكس قانون “سانت ليغو” السابق، الذي كان شبه مفصل على مقاس الأحزاب، بحيث لا يصل أي مرشح فردي للبرلمان.

القانون الأخير، رحّبت به قوى وجماهير “تشرين”، خصوصا وأنه أسفر عن فوز 50 مرشحا مستقلا وصلوا إلى البرلمان، ناهيك عن 15 مرشحا من قوى “تشرين”، وأدى إلى خسارة قوى إيران بحصولها على 17 مقعدا فقط.

في حال أصر “الإطار” على تعديل قانون الانتخابات كي يضمن له الفوز في الانتخابات المقبلة، فإن حكومة شياع السوداني ستواجه تظاهرات ليست صدرية فحسب، بل من قوى “تشرين” أيضا؛ لأن التعديل يعني نسف أبرز منجز حققته الانتفاضة، كما يقول حيدر شاكر.

شاكر يعتقد أن تعديل قانون الانتخابات سيأخذ أكثر من 3 أشهر، وقد يدخل البلاد في أزمة سياسية جديدة، وبالتالي يتأجل إجراء الانتخابات المبكرة من عام إلى عامين، لحين إيجاد تسوية ترضي “الإطار” ومقتدى الصدر و”تشرين”.

بالنتيجة، لا يبدو أن حكومة شياع السوداني ستستطيع الإيفاء بوعدها عبر إجراء الانتخابات المبكرة في موعدها؛ لأن المطبات أكبر منها، والموعد المحدد هو كلام إنشائي أكثر من أن يكون حقيقة واقعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.