التماسك الذي استمر لمدة عام بين قوى “الإطار التنسيقي” لمواجهة “التيار الصدري”، ونجح في إفشال مشروع “التيار” بحكومة أغلبية في العراق، تهدّده اليوم صراعات وخلافات حادة بين تكتلاته بسبب المؤسسات الأمنية، وذلك بالتزامن مع تشكيل حكومة عراقية جديدة، فما القصة.

يتكون “الإطار التنسيقي” من جميع القوى الموالية لإيران، بما فيها القوى التي تملك ميليشيات مسلّحة “ولائية”، وهو يقترب اليوم من تشكيل حكومة جديدة بعد أكثر من عام على إجراء الانتخابات العراقية المبكرة.

اللافت هو ظهور خلافات حادة بين قوى “الإطار” على المؤسسات الأمنية العراقية، إذ تتصارع القوى فيما بينها على وزارة الداخلية وجهاز “الأمن الوطني” وجهاز المخابرات، وهيئة “الحشد الشعبي”.

بحسب مصادر “الحل نت” الخاصة، فإن الصراع وصل ذروته بين “دولة القانون” بزعامة رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، و”تحالف الفتح” بزعامة هادي العامري، على وزارة الداخلية.

صراع “العصائب” و”الكتائب”

منذ عدة سنوات باتت وزارة الداخلية من حصة كتلة العامري، لكن المالكي يريد كسر عظم الأول وسحب الوزارة منه هذه المرة، في وقت أُعلن عن سحب ترشيح قلسم الأعرجي، وهو قيادي في كتلة العامري للوزارة، قبل أن ينفي مكتبه ذلك الإعلان لاحقا.

جهاز المخابرات و”الأمن الوطني”، هما الآخران يشهدان صراعا شرسا عليهما بين ميليشيا “كتائب حزب الله” وميليشيا “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، حتى أن الأخير أكد استعداده التخلي عن حصته من الوزارات مقابل تسلمه رئاسة الجهازين الأمنيين.

ميليشيا “كتائب حزب الله” فقيرة المقاعد في البرلمان العراقي، لكنها لم تستسلم إلى “العصائب” بعد، في وقت انتقل الصراع إلى قيادة هيئة “الحشد الشعبي” أيضا، إذ وعدت قوى “الإطار” رئيس الهيئة فالح الفياض، تسليمه بعض الوزارات مقابل تنازله عن رئاسة “الحشد”.

الصراع الإطاري بات علنيا ويهدّد بتشقق وحدة “التنسيقي”، لكن السؤال هو ما أسباب هذا الصراع على المؤسسات الأمنية العراقية، ولماذا هذا الاهتمام بها، والحكومة المقبِلة هي بيد “الإطار” بشكل عام.

أسباب متعددة وراء صراع وخلافات “الإطار” على المؤسسات الأمنية، بحسب الخبير الأمني والمحلل السياسي مؤيد الجحيشي، أبرزها الخشية من الحركة الاحتجاجية في البلاد.

خشية من الصدريين و”تشرين”

الجحيشي يقول لـ “الحل نت”، إن قوى “الإطار” تخشى من تجدد التظاهرات الشعبية ضد حكومة “الإطار” بعد تشكيلها من قِبل المكلف برئاسة الحكومة محمد شياع السوداني.

في 13 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، انتخب البرلمان العراقي عبد اللطيف رشيد، رئيسا لجمهورية العراق، وكلّف الأخير بذات اليوم محمد شياع السوداني لتشكيل حكومة جديدة، والسوداني مرشح “الإطار التنسيقي”.

المدة الدستورية تمنح السوداني 30 يوما من تاريخ التكليف لتشكيل حكومة جديدة، ولم يتبق أمامه سوى 18 يوما لتقديم كابينته الحكومية إلى البرلمان، من أجل منحها الثقة، وفي حال فشله، يتم تكليف شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة.

الخشية الأخرى، هي من احتمالية نزول “التيار الصدري” إلى الشارع مجددا، وفي حال خرج الصدريون مع التشرينيين سويا إلى الشارع، فسيكون الأمر أكثر تعقيدا على قوى “الإطار التنسيقي”، وفق الجحيشي.

اليوم يستعد التشرينيون للخروج بتظاهرات حاشدة ضد حكومة “الإطار” المقبلة، وذلك بالتزامن مع الذكرى السنوية الثالثة للدفعة الثانية من “انتفاضة تشرين”، التي خرجت في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

منع الحركة الاحتجاجية

“انتفاضة تشرين” خرجت بدفعتين، الأولى استمرت 10 أيام من اليوم الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019، وحتى اليوم العاشر من ذات الشهر، أما الدفعة الثانية فانطلقت بعد أسبوعين من الدفعة الأولى، واستمرت منذ يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019 وحتى 15 آذار/مارس 2020.

الانتفاضة أسقطت حكومة عادل عبد المهدي السابقة نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وجاءت محلها حكومة مصطفى الكاظمي الحالية، لكن “قوات الشغب” الحكومية بعهد عبد المهدي والميليشيات العراقية الموالية لإيران، مارست العنف بكل أنواعه ضد الانتفاضة.

العنف أسفر عن مقتل 750 متظاهرا، وإصابة 25 ألفا بينهم 5 آلاف بإعاقة دائمة، وفق الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية، فضلا عن العشرات من الناشطين المغيبين، الذين لا يعرف ما هو مصيرهم حتى الآن.

“الإطار” يحاول رغم الخلافات بين كتله بشأن من يحصل على تلك المؤسسات الأمنية، أن يعيد فرض سيطرته على المراكز الأمنية مجتمعة؛ كي يؤمن على استمرارية حكومته المقبلة، ويمنع أي حركة احتجاجية من استمراريتها، وينهيها حتى وإن كان عبر العنف والقمع، على حدّ قول الجحيشي.

وفق موقع قناة “الرابعة” العراقية، فإنه من المرجح أن تعقد جلسة البرلمان العراقي للتصويت على كابينة محمد شياع السوداني، ومنح حكومته الثقة، عند الساعة 7:45 دقيقة من مساء اليوم الثلاثاء.

“تصحيح الغلطة”

الأمر الآخر الذي يجعل قوى “الإطار” تتصارع من أجل فرض قبضتها على المؤسسات الأمنية، هو لتصحيح غلطتها عندما أمّنت برئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي ومنحت حكومته الثقة، لكنه قلّم أظافر “الإطار” في المؤسسات الأمنية، وفق الجحيشي.

ما يريده “الإطار” من خلال قواه مجتمعة، إعادة من قام الكاظمي بإبعادهم من المراكز الأمنية، وزيادة نفوذه في القرار الأمني؛ لأنه يدرك أن استمرار حكومته بشكل خاص والنظام بشكل عام، لن يتم دون وجود مؤسسات أمنية تابعة له، بحسب الجحيشي.

السبت الماضي كان من المفترض أن تعقُد جلسة البرلمان للتصويت على حكومة السوداني، لكن الخلافات السياسية على بعض الوزارات، لا سيما الأمنية منها، وأهمها وزارة الداخلية، أدّى إلى تأجيل عقد الجلسة.

بحسب تقرير سابق لـ “الحل نت”، فإن شياع السوداني سيتوجه لمنح الثقة لحكومة منقوصة الوزارات، أي إعطاء الثقة لأغلبية كابينته الوزارية، مع تأجيل التصويت على الوزارات الخلافية لوقت لاحق، حال حسم صراع الكتل السياسية عليها.

في النهاية، الحكومة الجديدة ستتشكل عاجلا أم آجلا، لكن الخلافات على المؤسسات الأمنية بين قوى “الإطار” لا يمكن التكهن بمن سيظفر بحصة تلك المؤسسات من قوى إيران، غير أن هدف القوى مجتمعة هو واحد، تدعيم النظام وضمان استمراريته عبر السيطرة على مراكز الأمن بالكامل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.