بعد أكثر من عام على الأزمة السياسية في العراق التي لم تجد طريقا للحل، من دون انسحاب “التيار الصدري” الفائز الأول في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ومضي باقي القوى السياسية بتشكيل حكومة توافقية انتقالية تأخذ على عاتقها تمشية الأمور وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام، وفق ما جاء في البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بات السؤال الأكثر حضورا: هل ستكون الحكومة الجديدة قادرة إجراء الانتخابات في موعدها المعلن؟

السؤال عن مدى إمكانية إقامة انتخابات جديدة في وقت لم يمضي منه سوى عام وبضعة أيام على أخر انتخابات، يأتي من الخشية من موافقة البرلمان على حل نفسه وهو الذي يتطلب قانونيا تصويت أعضائه على ذلك، قبل يوم من إجراء الانتخابات، في حين سبق وكان أعضاء المجلس قد اتخذوا ذات الخطوة في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يثير الشك حول مدى قناعة أعضاء المجلس في التخلي عن دورتهم النيابية بعد عام من قضم الدورة السابقة.

إضافة إلى ذلك الاحتمال، فأن إجراء الانتخابات التي كان “التيار الصدري” قد أصر عليها بعد فشل مشروعه في تشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، وباعتبارها حلا أوسطيا للخروج من الأزمة السياسية، تشترط قوى “تحالف الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، والتي وقفت بوجه مشروع الصدريين، أن يسبقها تعديلا لقانون الانتخابات، فضلا عن إعادة النظر بمفوضية الانتخابات، وهو ما يعني قد يستغرق وقتا إضافي لاتفاق القوى السياسية حول ذلك.

عوامل كلها دفعت باتجاه إعادة التفكير بالوعود التي أطلقتها حكومة السوداني، والقوى التي تقف من خلفها، وإذا ما كانت محاولة في الأساس لإقناع القوى السياسية بالمضي في تشكيل الحكومة أولا، لتكريس وجودها وإعادة تنظيم قواعدها التي كانت قد فقدت فاعليتها بشكل كبير ما بعد احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019، والتي عبر من خلالها أغلب الشارع العراقي رفضه لها.

وفي هذا الشأن، تقول عضو مجلس النواب نسيان الصالحي، التي صعدت إلى البرلمان ممثلة عن بعض المحتجين، إن حل البرلمان سيكون خطوة إيجابية، لاسيما بعد انسحاب “التيار الصدري” واستقالة أعضائه منه، مما جعله ناقصا لتمثيل شريحة واسعة من الشعب العراقي، إضافة إلى أنه طيلة العام الماضي لم يكن فعال، وهو ما يعكس مرحلة فاشلة من عمره.

اقرأ/ي أيضا: “مَحّد يقرا”.. سوق الكتب ينتكس في العراق

مكاسب القوى السياسية ودورها في تعطيل الانتخابات

الصالحي أضافت أيضا، أن “المحاصصة في الحكومة الحالية عادت أسوأ من كل سابقاتها، في وقت عبر فيه العراقيين عن رفضهم لها بشكل واسع، وهو ما يعزز أيضا خيار الذهاب نحو حل البرلمان”، بيد أنها تشير إلى أنه “لا يمكن إجراء انتخابات جديدة قبل ما لا يقل عن عامين”، أي ما يخالف ما جاء في البرنامج الحكومي الذي وعد به رئيس الحكومة.

النائبة المستقلة أوضحت في حديثها لموقع “الحل نت”، أن “القوى السياسية التي صعدت إلى مجلس النواب من الصعب جدا أن تتخلى عن مكاسبها التي حققتها، ولذلك فأن خيار الانتخابات في غضون عام احتمالا مستبعد”، مشيرة إلى أن “التوافقات بين القوى السياسية هي من ستحكم في ذلك”.

وبعد أكثر من عام على أزمة سياسية خانقة، حصلت حكومة العراق الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني المرشح من قبل تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى حليفة لإيران وأجنحة سياسية لفصائل مسلحة منضوية في “الحشد الشعبي”، على ثقة البرلمان العراقي، في الـ27 من الشهر الحالي.

حكومة السوداني نالت الثقة بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، وفق ما جاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، والذي أكد أن الحكومة الجديدة نالت ثقة مجلس النواب، بعد التصويت بالغالبية أي النصف زائدا واحدا من أصل 329 نائبا.

جلسة منح الثقة التي شارك بها 253 نائبا، بحسب إعلام البرلمان، شملت التصويت على البرنامج الحكومي، و21 وزيرا، بينهم 12 وزيرا شيعيا تم ترشيحهم من قبل تحالف “الإطار“، و6 وزراء سنة، ووزيرين كرديين إضافة إلى وزارتين لم يتم التوافق حولهما بعد لتبقى شاغرة، فضلا عن وزارة واحدة للأقليات، وتشغل ثلاث نساء مناصب في الحكومة الجديدة.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. ماذا بعد منح الثقة لحكومة شياع السوداني؟

حكومة سريعة

نيل الحكومة الجديدة لثقة البرلمان يأتي بعد نحو أسبوعين من تكليف السوداني بمهمة تشكيل الحكومة، وبعد أكثر من عام من الأزمة السياسية، فيما تعهد الرئيس الجديد بمكافحة الفساد الذي كان “السبب وراء العديد من المشاكل الاقتصادية، وإضعاف هيبة الدولة وزيادة الفقر والبطالة وسوء الخدمات“.

قبل ذلك كان السوداني قد قدم برنامجه الوزاري والذي تضمن إجراء انتخابات مبكرة وتعديل قانون الانتخابات، فضلا عن قضايا مالية وخدمية، وغيرها من الملفات بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان، وكل ذلك محدد في مُدد زمنية.

البرنامج الحكومي تضمن أيضا “بناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال مدة أقصاها 90 يوما من تاريخ تشكيل الحكومة، ومعالجة الفقر والبطالة، والإسراع في إعمار المناطق المحررة (من تنظيم داعش)، والانتهاء من ملف النازحين، وتحسين الخدمات الصحية للمواطنين“.

كما تضمن أيضا الإشارة إلى “إنهاء ظاهرة السلاح المنفلت“، وكذلك معالجة ملف “ملء الفراغ الأمني“، في المناطق الإدارية بين إقليم كردستان وباقي مناطق العراق.

كذلك “إعادة النظر بجميع قرارات حكومة تصريف الأعمال اليومية (حكومة مصطفى الكاظمي)، خصوصا الاقتصادية والأمنية والتعيينات غير المدروسة، وصرف مستحقات مشروع (البترودولار) للمحافظات المنتجة للنفط والغاز، وإعادة النسبة المخصصة لهذه المحافظات إلى 5 بالمئة للإنتاج والتكرير“.

انتخابات مجالس محافظات أيضا

البرنامج تعهد أيضا بـ “إجراء انتخابات مجالس المحافظات وتحديد موعد إجرائها في البرنامج الحكومي، وتضمين اتفاقية تطبيع أوضاع سنجار بما يسهم في إعادة الأمن والاستقرار في القضاء“.

البرنامج تضمن أيضا بنودا تتعلق بمعالجات لقطاعات الزراعة والصناعة وإعادة الثقة بالمنتج العراقي، وتطوير الصناعة النفطية، وتحسين جودة خدمات الاتصالات وحمايتها وتطوير قطاع النقل، وتحسين الاستثمار وتوسيع آفاقه وتفعيل قطاع السياحة لتنويع اقتصاد البلاد، وتوحيد السياسة الجمركية في جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية، وغلق المنافذ غير الرسمية.

مما تضمنه البرنامج كذلك “تخصيص موازنة كافية لتعويض المتضررين جراء العمليات الإرهابية والعسكرية بموجب القانون النافذ، ومعالجة العمل بالوكالة في إدارة مؤسسات الدولة خلال فترة 6 أشهر من تشكيل الحكومة وإرسالها إلى مجلس النواب على ثلاث مراحل للتصويت عليها“.

كما بدا لافتا تطرّق السوداني إلى ملف المدن التي تسيطر عليها مليشيات مسلحة وأبرزها، جرف الصخر، والتعهد بعودتهم خلال مدة زمنية محدودة وطي صفحة النزوح.

البرنامج تضمن كذلك تأكيد التنسيق بين حكومتي المركز والإقليم حول الملفات والقرارات التي تخص إقليم كردستان، والالتزام بتقديم ورقة إصلاحية اقتصادية شاملة مرتبطة ببرنامج تنفيذي محدد، وضرورة التأكيد على إنشاء الصندوق السيادي باعتباره صمام الأمان للأجيال القادمة.

اقرأ/ي أيضا: المشهد السياسي العراقي خلال فترة شياع السوداني

سياق تشكيل الحكومة

السوداني البالغ 52 عاما، يخلف مصطفى الكاظمي الذي تولى رئاسة الحكومة في أيار/مايو 2020، في حين كُلف السوداني وهو محافظ ووزير سابق منبثق من الطبقة السياسية الشيعية التقليدية، في 13 تشرين الأول/أكتوبر بتشكيل الحكومة، من قبل رئيس الجمهورية الجديد عبد اللطيف رشيد مباشرة بعد انتخابه. وهو مرشح القوى السياسية الموالية لإيران والمنضوية في “الإطار التنسيقي“.

تولي الحكومة الجديدة مهامها يأتي بعد عام من أزمة سياسية خانقة تجلت أحيانا بعنف في الشارع، نتيجة للخصومة بين “التيار الصدري” و“الإطار التنسيقي” الذي يضم خصوصا كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة لـ “الحشد الشعبي“.

الأزمة كانت نتيجة صراع محتدم ما بين “التيار الصدري” بزعامة رجل الدين القوي مقتدى الصدر، وتحالف “الإطار” الذي عطّل مشروع الصدر الذي حلت كتلته أولا في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي كان يسعى لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني مشاركة كل أطراف “الإطار” أو بعضها.

الصراع دفع مؤخرا في نهاية آب/أغسطس الماضي الصدر إلى اعتزال السياسة نهائيا، وذلك بعد ما وجه كتلته البالغ عدد أعضائها 73 نائبا بالاستقالة من البرلمان، بعدما فشلت جهوده في تشكل حكومة “أغلبية“، ليعلن أنه لن يشترك بحكومة “توافقية – محاصصة” مجددا، وهي التي كانت السبب في غضب الشارع العراقي الذي تجلى في احتجاجات العام 2019، وأدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، كما أنها السبب في سوء الإدارة والفساد الذي أنهك العراق والعراقيين طيلة الـ 19 عاما الماضية.

اقرأ/ي أيضا: صراع “إطاري” على المؤسسات الأمنية العراقية.. ما الأسباب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.