الخلافات بين بغداد وأربيل ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى سنوات خلت، لكنها تُعد من أبرز المشاكل التي تواجهها الحكومات العراقية المتعاقبة، وها هو الملف يعود إلى الواجهة ليكون أول اختبار لحكومة شياع السوداني الجديدة، فهل تنجح باجتيازه.

من المقرر أن يصل وفد من حكومة إقليم كردستان العراق إلى العاصمة بغداد، في الأيام القليلة المقبلة لبحث التفاهمات بشأن الخلافات والمشاكل العالقة بين الإقليم والمركز، بهدف حلّها وإنهاء هذا الملف الذي طال كثيرا.

بحسب المعطيات السابقة، هناك تفاهمات ببن بغداد وأربيل أفضت إلى تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، بعد أن أعلن الكرد موافقة “الإطار التنسيقي” على تنفيذ كل شروطهم، مقابل التصويت لصالح الحكومة الجديدة، قبيل يومين من نيلها الثقة.

الكرد وضعوا شروطا عدة على “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، من أبرزها حل مسألة المناطق المتنازع عليها وتقسيم المناصب في كركوك وصلاح الدين، إضافة إلى حقوق موظفي إقليم كردستان التي تخص مرتباتهم، ناهيك عن حصة بغداد من نفط الإقليم.

وفق المحلل السياسي نجم القصاب، فإن خلافات المركز والإقليم، هي الاختبار الأبرز والأول للحكومة الجديدة، وهي التي ستحدّد ملامح استمرارية هذه الحكومة بهدوء أو بعدم استقرار سياسي.

نحو حل المادة 140؟

القصاب يقول لـ “الحل نت”، إن السوداني وأي رئيس حكومة آخر لا يسره وجود خلافات متراكمة بين الحكومة الاتحادية والإقليم؛ لأن الخلافات تعكر صفو الحكومة وتتسبب لها بمشاكل عديدة، تدفع بها نحو الفشل والإخفاق.

رؤساء الحكومات عادة ما يصطدمون بصراعات القوى السياسية كلما حاولوا حلحلة هذا الملف، لذلك تجدهم يتراجعون عنه دون أن ينجحوا في حلّه؛ لأن المنظومة السياسية التي تتحكم بها الأحزاب أقوى من رئيس الحكومة نفسه، وفق القصاب.

منذ 2003، ثمة خلاف حول المناطق المتنازع عليها، بين كرديتها وعروبيتها، وتتعلق بمحافظة كركوك شمالي العراق، إضافة إلى مناطق في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، وكان من المفترض حلها وفق المادة 140 من الدستور العراقي.

الدستور الدائم لعام 2005، وضع حل المناطق المتنازع عليها في المادة 140، من خلال إجراء إحصاء سكاني لتلك المناطق، وتنتهي صلاحية المادة في عام 2007، لكن وبعد 17 عاما من وضع تلك المادة الدستورية، لم يتم إجراء أي إحصاء سكاني، نتيجة الخلافات السياسية.

هذه النقطة تُعد أبرز نقطة خلاف بين بغداد وأربيل، وبشأنها يقول نجم القصاب، الذي يدير مركز “المورد” للدراسات، إنه من الصعب جدا على شياع السوداني أن ينجح في حل هذه المادة؛ لأن كل الأطراف ترفض إجراء الإحصاء السكاني، وإن أصر على ذلك، قد يتم الإطاحة بحكومته.

عودة المناصب الإدارية للكرد.

سبب رفض القوى السياسية وخاصة المقربة من إيران، إجراء الإحصاء السكاني وتنفيذ المادة 140 من الدستور، هو الخشية من أن يكون الكرد هم الأغلبية في تلك المناطق، وخصوصا في محافظة كركوك، ولا يريد العرب التفريط بها مهما حصل، بحسب القصاب.

كركوك تعرضت إلى حملة تعريب ممنهجة من قبل نطام صدام حسين السابق، عبر تهجير الكرد منها، وبعد سقوط صدام حسين في ربيع 2003، قام الإقليم بحملة لتكريد كركوك، ومنذ ذلك الحين، لم يُعرف من هم الأغلبية في تلك المحافظة.

لن يعرج السوداني على أصل ملف المناطق المتنازع عليها مطلقا، لكنه سيذهب للنقاط الخلافية التي بالإمكان حلها، ومنها مثلا منح مناصب إدارية للكرد في صلاح الدين وكركوك، مثل النائب الأول لمحافظ صلاح الدين، ولربما منصب محافظ كركوك، على حد قول القصاب.

حتى عام 2017، وتحديدا تاريخ 27 أيلول/سبتمبر من ذلك العام، كان منصب محافظ كركوك من نصيب الكرد، وكذلك منصب النائب الأول لمحافظ صلاح الدبن، وقائمقام قضاء طوزخورماتو في صلاح الدين، لكن إجراء استفتاء انفصال إقليم كردستان في ذلك التاريخ، غيّر كل شيء.

بعد إجراء الاستفتاء، قامت الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي آنذاك، بمحاصرة الإقليم من كل النواحي، وإبعاد “قوات البيشمركة” من السيطرة على كركوك والمناطق المتنازع عليها، ومنح منصب محافظ كركوك والنائب الأول لمحافظ صلاح الدين للعرب، واستمر هذا الوضع حتى اليوم.

ما المتوقع؟

لا يعتقد القصاب، أن ملف النفط سيتم حله، فهو الآخر فيه مشاكل كثيرة؛ لأن لا أربيل تقتنع بإرسال حصة وارداتها من النفط إلى بغداد، ولا الأخيرة تترك مقايضة الأولى باستقطاع رواتب موظفي الإقليم بسبب ذلك الملف، وبالتالي فإن الخلاف سيستمر، بحسب تعبيره.

زعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، عبّر عن تفاؤله بحل الخلافات العالقة بين بغداد وأربيل، وذلك في رسالة بعثها يوم السبت، إلى زعيم “الحزب الديمقراطي الكردستاني” مسعود بارزاني، بمناسبة نجاح المؤتمر الرابع عشر للحزب، وتجديد الثقة بالبارزاني، رئيسا للحزب.

بالعودة إلى المناطق المتنازع عليها، سيتخذ شياع السوداني خطوة ليست كبيرة وليست بسيطة، وهي التوجيه بنشر قوات أمنية مشتركة من الأمن العراقي و”قوات البيشمركة”، لمسك تلك المناطق والتنسيق بينها، وذلك لطمأنة الكرد، بحسب القصاب.

القصاب يتوقع أيضا، أن يلجأ السوداني لإعادة نسبة إقليم كردستان من حصة موازنة العراق المالية السنوية إلى 17 بالمئة بدلا من نسبة 13 بالمئة التي وضعتها حكومة العبادي في 2017، وذلك لتجنب أي مشاكل مع أربيل قد تعرقل مسيرة الحكومة الجديدة، وتأجيل صراع الخلافات إلى وقت لاحق.

بالنتيجة، فإن حكومة شياع السوداني، لن تقترب من الملفات الخلافية المتجذرة؛ لأنها ستصبح عدوة للأحزاب وخاصة “الإطار” الذي أوصل السوداني لرئاسة الحكومة، وستحاول إرضاء الإقليم بحل الملفات الثانوية القابلة للحل، لتفويت الفرصة على عرقلة مسيرتها بهدوء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.