منطقة القرن الإفريقي يبدو أنها في طريقها لمواجهة أسوأ أزمة جفاف في القرن الحالي، ذلك ما قد يؤدي إلى تفاقم ظاهرة نازحو المناخ، فضلا عن ضربات عديدة تلقتها بلدان القرن الإفريقي، إذ أكدت مراكز التنبؤات أن موجة الجفاف التي يشهدها القرن الإفريقي، تخطّت تلك التي شهدتها المنطقة عام 2011 وأودت بحياة الآلاف.

وسط هذه التحذيرات، يواجه الأهالي والمزارعون مصيرهم بأنفسهم، فغالبا ما تفتقد الحكومات لخطط جدّية لمواجهة التغيرات المناخية وموجات الجفاف، التي بدأت تؤثر على الأراضي الزراعية ودخل المواطنين الذين يعتمدون بالدرجة الأولى على الزراعة خاصة في المناطق الريفية والنائية.

لا يبدو أن هناك خطط استراتيجية من شأنها مواجهة الأزمة، بالتالي منع نتائجها كالهجرة المناخية، خاصة وأن جميع المؤشرات تقول إن الفترة القادمة ستكون أسوأ مما هو الوضع عليه الآن، لكن ما هي التوقعات الحقيقية لما ستؤول إليه منطقة القرن الإفريقي خلال الفترة القادمة، وهل هناك حلول وخطط من شأنها التخفيف من تبعات الأزمة.

تحذيرات من كوارث قادمة

كنتيجة لاستمرار التغيرات المناخية وتأثيرها على المنطقة، فقد حذر برنامج تابع لمنظمة إقليمية في شرق إفريقيا، من أن الجفاف الحادّ الذي يعاني منه القرن الإفريقي مرشح للتفاقم هذا العام، ما يهدّد المنطقة بمجاعة أقسى من تلك التي تسبّبت بمئات آلاف الوفيات قبل عقد من الزمن، كما أن تقريرا لمركز “التوقعات والتطبيقات المناخية”، أشار إلى أن توقعات سقوط الأمطار خلال الأشهر القليلة المقبلة ستسجل انخفاضا في كمية الأمطار، وبالتأكيد هذا الأمر سيؤدي إلى ضغط إضافي على الأراضي المزروعة.

كارثة إنسانية، هي التي حذرت منها المنظمات التي تُعنى بالتغيرات المناخية، وقد بدأت آثار الجفاف تظهر منذ سنوات على دول القرن، لكنها تضاعفت مؤخرا في بعض أجزاء إثيوبيا وكينيا والصومال وأوغندا التي تضرّرت مؤخرا بشدّة من الجفاف، وسط غياب الخطط الاستراتيجية التي توجه الأهالي للتصرف مع هذه الأزمات.

والحديث عن احتمالية وقوع مجاعة في القرن الإفريقي، هو أمر خطير لا يبدو أن الحكومات توليه اهتماما كما يجب حتى الآن، فقد تسببت آخر مجاعة ضربت الصومال في 2011 بوفاة حوالي 260 ألف شخص، نصفهم من الأطفال دون السادسة. وتضوّر هؤلاء جوعا بسبب عدم استجابة المجتمع الدولي بالسرعة الكافية وفقا للأمم المتحدة، ومع اتساع الرقعة المهددة بالمجاعة هذه المرة فإن حجم الكارثة قد يكون مضاعفا.

قد يهمك: التهديد الأخير.. هل أصبحت الحرب الوسيلة الوحيدة لردع إيران في المنطقة؟

الخبير البيئي ورئيس “جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية” الدكتور أحمد محمود الشريدة، أوضح أن أبرز نتائج الجفاف وتراجع كميات الأمطار المتساقطة ستعود بشكل سلبي على القطاع الزراعي، الذي بدوره سيضرب جزء من اقتصادات الدول، مشيرا إلى أن الأهالي يواجهون الأزمات بطرق تقليدية جدا وبعيدة عن الخطط الحكومية غير الموجودة أصلا بالشكل المطلوب.

غياب الخطط الاستراتيجية

الشريدة قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “موجة الجفاف في القرن الإفريقي هي موجة جفاف غير مسبوقة والسبب الرئيسي لهذه الموجة هو التغير المناخي، وقد تراجعت كميات سقوط الأمطار في القرن الإفريقي لدرجة خطيرة وكبيرة بالتالي أدت إلى نتائج عديدة، منها أن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية لن يتم زراعتها لاحقا”.

كذلك فإن الزراعات الموجودة أصبحت قصيرة ومحدودة وغير مُجدية من الناحية الاقتصادية، فالكثير من الينابيع والعيون المائية جفّت ولم تعد قادرة على التصريف، إضافة إلى أن هناك بعض السيول والأودية دائمة الجريان، تعرضت للجفاف مما أثّر على عملية ري المزروعات وخاصة في المناطق الريفية والنائية.

المزارعون واجهوا هذه الأزمات بأساليب تقليدية، للتعامل مع التغيرات المناخية والاحتباس الحراري بدون الاعتماد على الأفكار التي تعمل عليها الحكومات، ما سبّب العديد من موجات الهجرة، وتفاقم ظاهرة لاجئي المناخ حيث يتم قصد دول الجوار أو إلى أوروبا عبر دول شمال إفريقيا، التي بدأت تتحول إلى محطة للهجرة بالنسبة لسكان جنوب إفريقيا.

برأي الشريدة فإن الآليات التي اتبعتها الدول لمواجهة أزمات الجفاف الناتجة عن التغيرات المناخية، لم تُجدي نفعا بسبب عدم وجود رؤية وبُعد نظر واضح بالنسبة للقائمين عليها، إضافة إلى عدم وجود دراسات حقيقية تُعطي معلومات مفيدة، من شأنها توضيح الرؤية والمشكلة للخروج بحلول عملية، على الأقل للتخفيف من أضرار الكارثة القادمة.

التقارير التحذيرية تشير إلى أن 23 مليون شخص في كينيا وإثيوبيا والصومال يعانون منذ الآن من “انعدام الأمن الغذائي الحاد”، كما أن موجات الهجرة شملت مؤخرا 1.7 اضطروا لمغادرة منازلهم بحثاً عن الماء والطعام، وقد حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن حوالي 1.3 مليون صومالي، 80 بالمئة منهم من النساء والأطفال، اضطروا لمغادرة ديارهم إلى مناطق أخرى هربا من الجفاف.

على الرغم من أن أزمة الأمن الغذائي ليست بجديدة على دول جنوب إفريقيا، فإن الحكومات لم تنجح خلال العقود الماضية ببناء سياسات قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، فبقيت تحت رحمة التغيرات المناخية التي تتجه نحو الأسوأ مع مرور الزمن، مع ترك السكان يواجهون مصيرهم بأنفسهم.

هل من حلول؟

استمرار الأزمات يهدد كذلك بتفاقم ظاهرة الهجرة المناخية، ليس فقط في مناطق جنوب إفريقيا، فخلال العقود القادمة وتحديدا بحلول عام 2050 هناك تقديرات تشير إلى أن عدد السكان المرشحين للهجرة والترحال داخل حدود أوطانهم بسبب التغيرات المناخية قد يصل إلى حوالي 216 مليون نسمة بحلول عام 2050، منهم حوالي 19 مليون نسمة من منطقة شمال إفريقيا، وفق تقرير لـ “البنك الدولي”.

في جنوب ووسط إفريقيا ضربت أيضا الفيضانات عدة دول، ما تسبب في نزوح عدد هائل من السكان بشكل لم تستعد له المدن التي نزحوا إليها، وزاد الأمر سوءا أزمتا فيروس “كورونا” ثم شح الغذاء بعد حرب أوكرانيا، و”كلها أسباب ليس لإفريقيا يد في حدوثها لكن القارة تتحمل تبعاتها”.

خبراء في التغيرات المناخية، أشاروا أن الحلول العاجلة للتخفيف من الأثر المستقبلي للكارثة، يكمن ربما في وفاء الدول بتعهداتها لصندوق الخسائر والأضرار “المتفق على تأسيسه في قمة المناخ بشرم الشيخ 2022 لتعويض الدول المتضررة”، وزيادة التعاون الدولي في وضع خطط تواجه آثار التغيرات المناخية في إفريقيا.

كذلك العمل على دعم المزارعين الذين تضررت محاصيلهم في المناطق الريفية، ما يتطلب مشروعات تدعمهم وتدرس إمكانية تحسين وضع التربة في المناطق المتضررة، ذلك ما قد يساعد على استمرار الزراعة، ويخفف من احتمالية المزيد من اختلال الأمن الغذائية، الذي سيكون ربما التهديد الأكبر الذي يواجه سكان المناطق المتضررة.

لا يبدو حتى الآن أي من الطروحات العاجلة للتخفيف من وطأة الكارثة القادمة، على أولويات حكومات الدول المتضررة أو المنظمات الدولية المعنية، في حين يحذر خبراء من مغبة تجاهل التحذيرات الواردة في التقارير المناخية، وذلك لأن حدوث الكارثة من دون اتخاذ إجراءات وقائية، سيتطلب استجابة قد تكون تكلفتها ونتائجها أكبر بكثير من خطوات الحل المطروحة حاليا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.