وسط استمرار تحذيرات العالم من مخاطر التغير المناخي المستمر، والذي ينذر بحدوث كوارث طبيعة من جفاف وموجات حر وأعاصير، وهو ما يعني مزيدا من الخسائر الطبيعة والبشرية. يتبادر للأذهان؛ ما هو دور الشباب العربي في مواجهة تلك التحديات، خاصة وأن المنطقة تُعد ضمن أكثر الرُّقع الجغرافية تهديدا.

السؤال يأتي في الوقت الذي تجتمع فيه الآن 197 دولة حول العالم في شرم الشيخ بمصر، لحضور مؤتمر المناخ في دورته الـ 27، من أجل مناقشة سبل خفض انبعاثات الكربون وإيجاد الحلول المناسبة لذلك، وفي وقت لم تتوقف الأمم المتحدة عن تحذير العالم منذ العام الماضي حول اقتراب كارثة مناخية ما لم تُتخذ الإجراءات اللازمة لتخفيض انبعاثات الكربون.

السؤال ينطلق من البحث حول أبرز ما فعله الشباب العربي في مواجهة تحديات التغير المناخي، وإذا ما كان هناك عائقا يمنعهم من القيام بواجبهم، في ظل بدء بعض الدول الغربية باتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها الحد من انبعاثات الكربون والمساهمة في استقرار المناخ

قبل ذلك، ما يجدر الإشارة له، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تفوق غيرها من مناطق العالم في درجة حساسيتها للعوامل التي تتسبب في التغير المناخي.

وبحسب مجلة “ساينتيفيك أميركان”، أن وتيرة الاحترار الذي تشهده المنطقة أسرع بنسبة لا تقل عن 30 بالمئة من المتوسط العالمي، بل إن بعض أجزاء المنطقة أضحت مهددة بالفعل بعدم صلاحيته للحياة، بل أصبح يمكن النظر إلى المنطقة بوصفها مؤشرا مبكرا لاستشراف التغيرات المناخية المحتملة في العالم، ومنصة اختبار لإجراءات التكيف.

اقرأ/ي أيضا: آثار اقتصادية لتغير المناخ.. هل يتجاوزها “كوب 27″؟

الأجيال وتحديات التغير المناخي

لكن بالرغم من ذلك، ومع زيادة وعي الشباب العربي مَن هُم في مقتبل العمر، حول مخاطر التغير المناخي، لا تزال الظروف في البلدان العربية مثل؛ سوريا ولبنان والعراق، تشكل تحديا كبيرا أمام مساعي الحد من التأثيرات المناخية، وفق ما جاء في تقرير لـ”بي بي سي عربي” نُشر أمس الأول السبت.

التقرير اشتمل على مجموعة من الشهادات الخاصة، التي وثّقتها “بي بي سي عربي” من خلال التحدث إلى مجموعة من خبراء البيئة وعدد من المواطنين في دول عربية مختلفة حول عاداتهم وسلوكهم اليومي الذي اعتمدوه أو غيروه تماشيا مع نصائح وإرشادات الأمم المتحدة.

إحدى الشهادات أشارت إلى أنه، على الرغم من انشغال عوائل عربية في متغيرات المناخ، ومناقشتها وايلاءها أهمية، وضرورة تغيير بعض العادات التي تساهم في الحد من الاحتباس الحراري، إلا أن التحدي الأكبر ما زال يتمثل بعدم توفر رفاهية الاختيار بين الجيد أو السيء في بلد أصبح هم المواطن الأكبر كيف يبقى على قيد الحياة ويضمن قوته، كما أنهم مجبرون على الأفعال غير المنظمة

ذلك إلى جانب ما يعانيه الناس من خسائر وأضرار ناجمة عن العواصف الشديدة والفيضانات المدمرة وذوبان الأنهار الجليدية، فضلا عن عدم حصول سكان البلدان النامية على دعم في الوقت المناسب لإعادة البناء والتعافي قبل وقوع الكارثة التالية، طبقا لـ”بي بي سي”.

بالتالي، إن المجتمعات التي ساهمت بأقل قدر في إحداث الأزمة هي التي تقف الآن على خط المواجهة بين أسوأ الآثار، بيد أن في مجتمعات مثل العراق وسوريا ولبنان، هناك ظروف تفرض التقشف على الأفراد في استخدامات يمكن تضاعف من تأثير تغيرات المناخ، في حين يلفت التقرير في إحدى شهادات، أن في سوريا مثالا لتلك البلدان يدفع المواطنون ثمن أخطاء غيرهم. فهم بالكاد يعيشون وليس لديهم فرصة أساسا للمساعدة بمفاقمة تغير المناخ.

اقرأ/ي أيضا: لماذا تتوتر العلاقات الأميركية-الجزائرية.. ما تأثيرها على الأوضاع شمالي إفريقيا؟

دور حكومي غائب أمام التغير المناخي

مع ذلك، ونقلا عن مختصين بمجال البيئة، تقول “بي بي سي عربي”، إن اليوم، هناك وعي ملحوظ منتشر بين جيل الشباب، جيل ما بعد 2010، فهم يدركون مخاطر تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة الأرض، أما الذين أعمارهم فوق الأربعين، فلدى أكثر من 70 بالمئة منهم جهل بهذه المخاطر.

لذلك، إذا لم توضع استراتيجيات عالمية خاصة بكل دولة لحماية البيئة والغابات والطاقة، وإن لم ينشر الوعي بين الشباب حول تفاصيل حياتهم اليومية التي تضر بعضها بالبيئة بشكل مباشر مثل تدخين الشيشة أو حفلات الشواء في الفلا، فسيخلف ذلك آثارا خطيرة تساهم مباشرة في ارتفاع انبعاثات الكربون.

وسط هذه المعادلة، تطرق التقرير لجزئية مهمة، تبيّن إنه إذا لم تمتلك الأنظمة العربية الفكر البيئي وتتخذ الإجراءات اللازمة وتطبق قوانين صديقة للبيئة، وتُلقي بمياه الصرف الصحي في الأنهار، فما الذي يستطيع الناس القيام به

مثال على ذلك، ينقل التقرير عن مختص بيئي، إن في لبنان 80 بالمئة من المياه الجوفية هي من مياه الصرف الصحي، وكما أن هناك ما هو أخطر بكثير من هذا، لذلك يجب أن يكون هناك قرار حكومي لبث برامج تنشر الوعي البيئي والأخطار الناجمة عن السلوك اليومي للإنسان.

تحديات ونشاطات، تقابلها توقعات بأن تكون الأجزاء الوسطى من كل من شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، لا سيما المناطق الوسطى في الجزائر وليبيا، أسرع احترارا من غيرها، باعتبارها الأبعد موقعا عن الساحل.

أثر التغير المناخي على المنطقة العربية

كذلك ما يثير القلق أن النماذج تظهر أن الاستمرار في نهج الأعمال المتبع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دون محاولة للتخفيف من الآثار الناجمة عنه، سيؤدي إلى تعرض المنطقة لاحترار جوي بمعدل يقترب من سبع درجات مئوية بحلول نهاية هذا القرن، طبقا لمجلة “ساينتيفيك أمريكان”.

تأخر الإجراءات وشدة التأثيرات تلك، لم تستمر طويلا لتفرز نتائجها الكارثية، ففي أحدث تقرير لـ”مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين”، ظهر أن 90 بالمئة من اللاجئين في العالم يأتون من مناطق معرضة بقوة لتأثيرات التغير المناخي.

حركة الهجرة تركزت في الأرياف التي تعاني بشكل كبير من التغير المناخي، ونتيجة لعدم استطاعة المزارعين توفير غذائهم وزراعة الأرض، لم يبقى أمامهم سبيل آخر إلا النزوح، وهو ما دفع بثلاثة ملايين شخص تقريبا إلى مغادرة ديارهم في إفريقيا والشرق الأوسط، فيما يُتوقع أن يشهد الوضع تدهوا أكثر، وفقا لتقرير نشرته “فرانس برس“، الأسبوع الماضي

بالمقابل، ليست الظروف القاسية وحدها سببا لعدم اتخاذ احترازات من التغير المناخي في المنطقة العربية، بل أن الوضع المادي الجيد لبعض الشرائح في بلدان مثل السعودية، لا يدفع لاتخاذ إجراءات مناسبة وصديقة للبيئة، بسب نمط الحياة المعتمد، والذي يتركز على كثرة استخدام السيارات الشخصية في التنقل وتشغيل المكيفات طوال اليوم وغيرها من الأمور الحياتية.

الاستخدامات البلاستيكية هي الأخرى سببا في مفاقمة الوضع سوءا في المنطقة العربية. على سبيل المثال لا يزال استخدام الكيس البلاستيكي وحافظات الطعام البلاستيكية قائما كخيار أساسي، دون معرفة الأضرار التي تتسبب بها للبيئة باستثناء عدد من البلدان العربية التي أصبحت تولي أهمية كبيرة للأمر، ومنعت استخدام الأكياس السوداء مثل تونس ومصر والسعودية والإمارات، وفقا لـ”بي بي سي عربي”.

اقرأ/ي أيضا: توتر في العلاقات الباكستانية الأميركية.. ما المصير والتوقعات؟

دور المجتمعات في مواجهة تغيرات المناخ

الموقع العربي لهيئة الاذاعة البريطانية، استعرض بمقاربة بين الدور الذي تلعبه المجتمعات العربية والأوروبية في الحد من مخاطر التغير المناخي، حيث تخلصت البلدان الأوروبية من الاعتماد على وقود السيارات والتحول نحو الغاز الحيوي، وهو ما يفرض على المواطنين الالتزام بذلك للمساهمة بالحد من الاحتباس الحراري.

في أوروبا هناك وعي مجتمعي راسخ حول مخاطر التغير المناخي، بالتالي هناك أُسر بأكملها تتبرع أسبوعيا لجمع العبوات البلاستيكية من الغابات ووضعها في الحاويات المخصصة لها بشكل طوعي، دون أن يطلب منها أحد ذلك.

ينقل التقرير عن نسرين وهي شابة سورية تعيش في السويد منذ أكثر من 15 عاما، بأنهم في العائلة يتحدثون عن أهمية الحفاظ على البيئة والمناخ لأفراد أسرتها الأصغر سنا، ليتعلموا المسؤولية ويقوموا بالأفعال المسؤولة النابعة عن معرفتهم بخطورة الوضع وليس لأنه واجب فقط، وهو ما ساهم بتغير بعض العادات الضارة بالمناخ

فلم تعد تستخدم الماء الساخن كثيرا أثناء الاستحمام بل الفاتر، ولم تعد تمضي ساعة للاستحمام بل عشرة دقائق، ولم تعد تقود السيارة إلا إذا كان المكان بعيدا ولا تتوفر وسائل النقل العامة، ولم تعد تسافر خارج البلاد بالطائرة بل بالقطار، ولم تعد تتناول الكثير من اللحوم بل الكثير من الخضروات والبقوليات، ولم تعد تشتري الكثير من الأطعمة المعلبة بل تشتري الخضروات الموسمية المتوفرة بكثرة في السوق.

نسرين أقلعت أيضا عن شراء قهوتها في كوب بلاستيكي، بل تعتمد على كوبها الخاص الذي لا يفارق حقيبتها، والكثير من الأشياء الأخرى التي غيرتها عن معرفة ودراية.

اقرأ/ي أيضا: خطر الانهيارات الأرضية والطينية يتزايد عالميا.. الأسباب والعواقب

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.