كوارث الانهيارات الأرضية والطينية تحدث من وقت لآخر، وما يزيد الأمر سوءا هو أنه حتى اليوم، تجد الدول أحيانا كثيرة أو معظم الأوقات نفسها عاجزة في مواجهة الكوارث الطبيعية، وتدمير المنازل بل وتدمير مناطق بأكملها جراء هذه الكوارث إثر التغيرات المناخية، فضلا عن إزهاق أرواح البشر، وهذه الكوارث شائعة جدا في المناطق الجبلية أو المرتفعات المعرضة للتآكل.

كما وشهد العالم مؤخرا مجموعة من الظواهر المناخية الشديدة، مثل الانهيارات الأرضية والطينية والفيضانات وموجات الحر والجفاف الشديد، والأعاصير، وحرائق الغابات، كل هذا بسبب ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية بنحو 1.1 درجة مئوية منذ بداية عصر الصناعة، ويُتوقع أن تستمر درجات الحرارة في الارتفاع ما لم تعمل الحكومات على مستوى العالم من أجل خفض شديد للانبعاثات.

أسباب الانهيارات الطينية

خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2017، دمر حريق ما يقرب من 300 ألف فدان من جنوب كاليفورنيا، ولم تقتصر الحرارة الشديدة لألسنة اللهب على تدمير الأشجار والنباتات على سفوح التلال فوق هضبة مونتيسيتو فحسب، بل تبخرت أيضا جذورها. وبعد مرور شهر، في ساعات ما قبل فجر 9 كانون الثاني/يناير، ضربت عاصفة قوية المنحدرات الجرداء بأكثر من نصف بوصة من الأمطار في 5 دقائق، وتحولت التربة الخالية من الجذور إلى الاندفاع نحو المنازل وقُتل 23 شخصا في الكارثة، وفق تقرير لموقع “سكاي نيوز” عربية.

النتائج الجديدة توصل إليها فريق بقيادة دوغلاس جيرولماك من كلية الفنون والعلوم في بنسلفانيا وكلية الهندسة والعلوم التطبيقية، بالتعاون مع باولو أراتيا من جامعة بنسلفانيا وباحثون من جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا. جيرولماك، يضيف “لم نكن هناك لنشهد حدوث ذلك، ولكن فكرتنا كانت هل يمكننا أن نتعلم شيئا عن عملية كيف يفقد التلال الصلبة صلابته من خلال قياس كيفية تدفق خليط من الماء والتربة عندما تكون بتركيزات مختلفة”.

جيرولماك وتوماس دن، الجيولوجي في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو وأحد المؤلفين المشاركين في الدراسة، قاما بجمع عينات من هضبة مونتيسيتو، خاصة بقايا المنازل المدمرة، حيث كانت تدفقات الطين من سفح التل قوية بما يكفي لدفع الصخور الضخمة إلى أسفل القاع على طول الطريق إلى، وأحيانا عبر، المنازل. فيردف جيرولماك، “عندما اقتربنا من مصب الوادي، كان الأمر أشبه بكتيبة من الصخور، دُفنت البيوت حتى حواجزها، ودُمرت السيارات ولم نتمكن من التعرف عليها”.

تاليا وبأخذ العينات إلى المختبر، كان هدف الباحثين هو وضع نموذج لكيفية تكوين الطين والضغوط التي يتعرض لها عندما يبدأ في التدفق، والتغلب على القوى التي تضفي على المواد صلابة، وهو ما يسميه العلماء حالة التشويش.

تلك المساهمات استندت إلى فهم الفيزياء المتطورة المتعلقة بالقوى العاملة في حالات الاحتكاك، حيث تحتك الجسيمات ببعضها البعض؛ ويحدث التزليق الذي ينتج إذا كان هناك غشاء رقيق من الماء يساعد الجسيمات على الانزلاق فوق بعضها البعض مثل الطين، فيشير جيرولماك إلى أنه “ما أدركناه كان مع تدفقات الحطام، عندما تضغط بشدة، تتدفق قوة الجاذبية التي تحمل حطاما إلى أسفل سفح الجبل، والحالة اللزجة تكون هي المسيطرة لتحمل الطين وتندفع نحو الأسفل”.

أما في المختبر، لم يكن الباحثون قادرين على محاكاة النقطة التي تتحول فيها التربة الصلبة، إلى طين متحرك، لكنهم توصلوا إلى أنه مع تغير المناخ، تتزايد وتيرة حرائق الغابات وحدتها في العديد من المناطق، وكذلك شدة أحداث هطول الأمطار.

في حين أشار الباحثون إلى أن خطر الانهيارات الطينية الكارثية لن يختفي في أي وقت قريب، خاصة في حال كانت الأرض الطينية مرتفعة، لكن النتائج الجديدة يمكن أن تساعد في إعداد النماذج التي تقوم بها الحكومات لمحاكاة تدفقات الحطام، فإذا هطلت الأمطار بغزارة فيمكن التنبؤ بمدى سرعة تدفق الطين وانهياره سريعا.

قد يهمك: جيبوتي على طريق عدم الاستقرار.. الفساد والعنف أبرز الأسباب

ضحايا الانهيارات الطينية

في بداية تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، ارتفع عدد قتلى الانهيارات الطينية في فنزويلا بسبب الأمطار الغزيرة، التي هطلت على البلاد خلال تلك الفترة إلى 36 شخصا في مدينة صغيرة جنوب غربي كراكاس، حيث بقي عشرات الأشخاص في عداد المفقودين حينها.

نائبة الرئيس الفنزويلي، ديلسي رودريجيز، أفاد في كلمة على التلفزيون الرسمي خلال زيارة إلى لاس تيجيرياس وهي مدينة يقطنها نحو 50 ألف شخص وتقع على بعد نحو 50 ميلا من كراكاس، “نحن نتابع القضية الأكثر إلحاحا وهي البحث عن الأشخاص”، وفقا لوكالة “بلومبيرغ” للأنباء.

من جانبها، أعلنت وزارة الداخلية الفنزويلية عن تحديث عدد ضحايا الانهيارات الطينية، وقالت، إن 56 شخصا ما زالوا في عداد المفقودين حتى تاريخ ذلك الوقت. في حين أشارت رودريجيز، إلى إن أكثر من 300 منزل تعرض للدمار، وتضرر أكثر من 750 منزلا، واستجاب نحو 1200 من رجال الإنقاذ للوضع ميدانيا، وأرسلوا أشخاصا فقدوا منازلهم إلى الملاجئ، وقاموا بإخلاء الشوارع، منوهة بأنه تمت استعادة خدمة الكهرباء.

أما الخبراء فقد نوّهوا إلى أن التغيرات المناخية سبب كل هذه الكوارث، وتحذر الدراسات العالمية من ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، لما لها من تأثير مباشر على هطول الأمطار الغزيرة والسيول والانهيارات الأرضية والطينية والفيضانات والجفاف والأعاصير والتصحر وانتشار الأوبئة والأمراض.

كما وقد شدد خبراء في مجال البيئة على خطورة حرائق الغابات والتي يترتب عليها فقدان أكبر مصنع لإنتاج الأكسجين بالعالم مقابل ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، ما ينذر بتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري، وفق تقارير غربية.

في وقت سابق، حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن “نصف البشرية يقع في منطقة الخطر، من جراء الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة وحرائق الغابات”، مؤكدا على أنه “لا يوجد بلد محصّن”. كما ويؤكد التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الضرورة الملحة لمعالجة الآثار المكثفة لتغير المناخ، وضمان التكيف والمرونة لدى الفئات الأكثر ضعفا.

قد يهمك: “اتفاق تيغراي”.. إثيوبيا نحو السلام؟

ضحايا الانهيارات الأرضية

في أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ضربت عاصفة مطرية الفلبين، وأودت بحياة ما يقرب من 100 شخص، واعتبرت هذه العاصفة من أكثر العاصفة تدميرا التي ضربت الفلبين هذا العام، فيما يُخشى فقدان العشرات في قرية دمرتها الانهيارات الطينية.

حينذاك أفادت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أنه قُتل ما لا يقل عن 53 شخصا من بين 98 شخصا لقوا حتفهم كانوا من ماجوينداناو في منطقة بانجسامورو المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي غمرتها الأمطار الغزيرة بشكل غير عادي من العاصفة الاستوائية نالجي، واندفعت العاصفة خارج البلاد إلى بحر الصين الجنوبي، قبل نحو أسبوع، لكن أكثر من مليون شخص ما زالوا غارقين في مياه الفيضانات في عدة مقاطعات.

لكن يوم أمس الخميس ارتفعت حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية الناجمة عن العاصفة الاستوائية في الفلبين إلى 150 شخصا، ولا يزال ما لا يقل عن 36 شخصا في عداد المفقودين و128 حالة إصابة، وفقا لوكالة “رويترز”.

الصحيفة البريطانية، ذكرت أن أهالي كوجينج يجرون تدريبات التأهب للكوارث الطبيعية كل عام منذ عقود للاستعداد لكارثة تسونامي بسبب تاريخ الكوارث في المنطقة، لكن المسؤولين قالوا، إنهم غير مستعدين للأخطار التي يمكن أن تأتي من جبل ميناندار، بالقرب من مكان قريتهم.

المسؤول الإقليمي نجيب سيناريمبو أفاد للصحفيين، إن معظم الضحايا قضوا غرقا في مياه الفيضانات، أو بفعل الانهيارات الطينية في ثلاث بلدات بإقليم ماغوينداناو الأكثر تضررا، مشيرا إلى أن كمية مياه الأمطار التي هطلت كانت غزيرة بشكل غير عادي وتدفقت على سفوح الجبال والأنهار المتضخمة.

سيناريمبو أردف في حديثه، “عندما سمع الناس أجراس التحذير، ركضوا وتجمعوا في كنيسة على أرض مرتفعة”، مضيفا “المشكلة كانت أن تسونامي لم يكن هو الذي غمرهم، ولكن كمية كبيرة من الماء والطين نزلت من الجبل”.

الوكالة الدولية” أشارت إلى أن أعداد المتضررين ارتفع إلى نحو 4 ملايين شخص بسبب الفيضانات والانهيارات الأرضية، وتسببت في نزوح أكثر من 1.2 مليون شخص. وقال مسؤولون إن أكثر من 4100 منزل و40180 فدانا من الأرز ومحاصيل أخرى تضررت بسبب الفيضانات، في وقت كانت البلاد تستعد لأزمة غذائية تلوح في الأفق بسبب اضطرابات الإمدادات العالمية.

 الانهيارات الأرضية تُعرف بأنها حركة الصخور أو الحطام أو التربة إلى أسفل المنحدر تحت تأثير الجاذبية الأرضية، وتتفاوت الانهيارات الأرضية في شدتها فقد تكون على شكل سقوط كتل صخرية صغيرة أو كبيرة جدا، أو انزلاق وتدفق كميات كبيرة من الصخور والتربة التي قد تنتشر على مساحة كبيرة.

قد يهمك: مساع أميركية لتمديد الهدنة اليمنية.. هل تنجح؟

عواقب ومخاطر

حتى يحدث الانهيار الأرضي وتتحرك المواد وتنزلق على المنحدرات، يجب أن تكون القوة المؤثرة باتجاه أسفل المنحدر (الجاذبية الأرضية بشكل أساسي) قد تجاوزت قوة تماسك المواد الأرضية التي يتكون منها المنحدر. كما ويمكن أن تحدث الانهيارات الأرضية لأحد هذه الأسباب أو لأسباب أخرى مثل الهطول الغزير للأمطار، وذوبان الثلوج، والزلازل والأنشطة البركانية، بالإضافة إلى التغيرات في مستوى المياه السطحية، أو المياه الجوفية، والتيارات التي تتسبب بتآكل التربة وتفككها، والاضطراب الناجم عن الأنشطة البشرية، أي أن التغيرات المناخية هي السبب الرئيسي وراء هذه الكوارث.

خطر الانهيارات الأرضية العملاقة تكمن بأن لديها القدرة على توليد موجات تسونامي كبيرة على مسافات قريبة، ويمكن أن تدمر مناطق واسعة من الأراضي الساحلية، ويمكن لموجات تسونامي إقليمية أن تشكل خطرا على النظم البيئية الساحلية والبلدات والناس.

كما أن أخطر الانهيارات الأرضية التي تحدث في المناطق المأهولة بالسكان. حتى الانهيار الصخري الصغير يمكن أن يؤدي إلى وفاة شخص عالق في طريقه. حيث كان انهيار الصخور في طاجيكستان من أكبر الانهيارات الأرضية في العقود الأخيرة. ثم تجاوز عدد القتلى مائتي شخص، فقد غطت الصخور حوالي 50 منزلا في قرية شرورة. كان عرض الانهيار أكثر من أربعمائة متر، وكان طول الموجة حوالي أربعة كيلومترات.

من أجل تجنب مثل هذه الكوارث والحوادث، من الضروري على الدول إجراء فحص دقيق لجميع المنحدرات الموجودة في المنطقة المجاورة مباشرة للمساكن والطرق والمؤسسات، وتسجيل حتى أصغر الحركات الأرضية. فيمكن أن تتحول الحركة البطيئة لكتلة الانهيارات الأرضية في أي لحظة إلى موجة مدمرة تسقط على قرية لا حول لها ولا قوة.

أما التدفقات الطينية، هي تيارات من الطين والحجارة تنزلق على المنحدرات الجبلية ومجاري الأنهار، وتزيل أي عقبة في طريقها. هذه الظاهرة الطبيعية هي من أخطر الظواهر على حياة الإنسان والبنية التحتية للمستوطنات.

في حالة وجود منطقة سكانية في طريق التدفق الطيني، فيمكن أن تكون العواقب وخيمة على سكانها. مميتة بمعنى آخر، وغالبا ما تؤدي إلى خسائر مادية كبيرة، وفق تقارير غربية، ويحدث الكثير من الدمار بشكل خاص بسبب نزول الصخور والمياه إلى القرى التي يعيش فيها الناس في منازل ذات هياكل ضعيفة.

يمكن أن تكون عواقب الانهيارات الأرضية والتدفقات الطينية والانهيارات الأرضية كارثية. وهكذا، حدثت كارثة كبرى في عام 1921 في العاصمة السابقة لكازاخستان، ألما آتا. أما في روسيا، غالبا ما تتشكل التدفقات الطينية في المناطق الجبلية، خاصة في تلك الأماكن التي تهطل فيها الأمطار الغزيرة، على سبيل المثال، في القوقاز والشرق الأقصى. وفي طاجيكستان، تحدث التدفقات الطينية كل عام في الربيع وتحدث هذه الظاهرة بشكل خاص في الجبال العالية أثناء ذوبان الجليد.

بالتالي ولأجل حماية السكان والسياح من السقوط المفاجئ للصخور في المناطق الجبلية الخطرة بشكل خاص، حيث تحدث الانهيارات الأرضية والتدفقات الطينية والانهيارات الجليدية والانهيارات الجليدية بشكل دوري، من الضروري على الحكومات والدول مراقبتها للجو. بحيث يراقب الخبراء تكوين البحيرات الجبلية ويمكنهم أن يخبروا مقدما عن خطر حدوث حالة طوارئ. ثم يقوم المهندسون أيضا بتطوير حواجز اصطناعية وقنوات فرعية مضادة لتدفق الطين يبلغ طولها عدة مئات من الكيلومترات.

في المجمل، فإن التغير المناخي مثل الجفاف وموجات الحر وحرائق الغابات أكثر شيوعا، إذا بقي على حاله ودون حلول دولية، فإنه قد يؤدي إلى حدوث نتائج سلبية وكارثية على العالم ككل، من حدوث موجات غير مسبوقة من الهجرة إلى خطر تفاقم أزمة الأمن الغذائي، وكذلك انعكاساتها السلبية على الجانب الأمني، من نزاعات محلية أو إقليمية.

قد يهمك: ملفات ساخنة في حقيبة نتنياهو.. أبرز سمات المرحلة المقبلة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.