10 أيام من المفاوضات، أفضت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل دائم بين القوات الحكومية الإثيوبية ومتمردي “جبهة تحرير تيغراي”، فهل تسير إثيوبيا نحو السلام بعد عامين من الصراع.

أول أمس الأربعاء، توصلت الحكومة الإثيوبية إلى اتفاق مع “جبهة تحرير تيغراي”، أُبرم في بريتوريا برعاية “الاتحاد الإفريقي”، بعد مفاوضات انطلقت في تاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

الاتفاق الذي لم تُنشر بنوده، تم الكشف عن خطوطه العريضة، إذ نصّت على وقف فوري للأعمال العدائية ونزع سلاح متمردي “جبهة تحرير تيغراي”، وإيصال المساعدات الإنسانية.

بعد يوم من إعلان التوصل إلى الاتفاق، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أمس الخميس، أنه حصل على “100 بالمئة”، مما طالبت به حكومته في الاتفاق.

شعور بالأمل

آبي أحمد قال أمام حشد من المؤيدين في “أربا مينش” في جنوب البلاد “، في المفاوضات في جنوب إفريقيا تم قبول 100 بالمئة، من الأفكار التي اقترحتها إثيوبيا”.

رئيس الوزراء الإثيوبي، شدّد على أن “من بين الانتصارات التي حصلنا عليها بموجب الاتفاقية، موافقة الطرفين على سيادة ووحدة أراضي إثيوبيا، وكذلك مبدأ قوة مسلحة واحدة في بلد واحد”.

الاتفاق أثار شعورا بالأمل المشوب بالحذر بين ملايين الأشخاص، الذين تضرروا من الصراع الدموي المستمر منذ عامين، ويفكرون في الخسائر الفادحة التي عانوا منها، ويتطلعون إلى المساعدات لإعادة بناء حياتهم بعد الحرب التي أودت بحياة الآلاف وشردت الملايين وتركت مئات الآلاف في مواجهة المجاعة.

جميع الأطراف التي خاضت “حرب تيغراي”، ارتكبت انتهاكات قد تصل إلى مستوى جرائم الحرب، وفق تحقيق مشترك أجرته “الأمم المتحدة” و”لجنة حقوق الإنسان” التي عينتها الدولة في إثيوبيا.

الشهر الماضي، قال المدير العام لمنظمة “الصحة العالمية”، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، وهو من تيغراي، إن الغذاء والرعاية الصحية يُستخدمان كسلاح في المنطقة، التي تم عزلها إلى حدّ كبير عن العالم الخارجي.

الأدوية الأساسية كانت قد نفدت في المستشفيات، بينما يقف مئات الآلاف على شفا المجاعة، في وقت نفت الحكومة الإثيوبية مرارا منعها وصول الإمدادات الإنسانية إلى تيغراي.

موازين الحرب بين الطرفين، تأرجحت لدرجة أن قوات “إقليم تيغراي”، كانت على بعد مسافة يمكن قطعها في يوم واحد من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، مما دفع بعض السفارات الأجنبية إلى إجلاء جميع الموظفين باستثناء الضروريين منهم، لكن “جبهة تحرير تيغراي” تم دحرها لاحقا.

الشهر الماضي، حققت الحكومة الإثيوبية مكاسب كبيرة على أرض المعركة، حيث استولت على عدة بلدات كبيرة في تيغراي، قبل أن يجلس الجانبان أخيرا وجها لوجه في بريتوريا بجنوب إفريقيا.

انتصار حاسم للحكومة

“اتفاق تيغراي”، هو تحول مفاجئ للأحداث يمكن أن يُنهي الحرب الأهلية المستمرة منذ عامين، وهي واحدة من أكثر الصراعات المعاصرة دموية في العالم، ويسفر عن تحقيق السلام في إثيوبيا، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.

خبراء في المنطقة، قالوا إن الاتفاق بمثابة انتصار حاسم للحكومة الإثيوبية ورئيس وزرائها آبي أحمد، الحائز على “جائزة نوبل للسلام”، والذي قاد الحرب، لكن قد يكون من الصعب على قادة “إقليم تيغراي” إقناع شعبهم به.

الاتفاق يُمهّد الطريق أمام القوات الفيدرالية الإثيوبية لدخول ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي بطريقة “سريعة وسلسة وسلمية ومنسقة”، للسيطرة على جميع المطارات والطرق السريعة والمرافق الفيدرالية داخل الإقليم، وفق تقرير لموقع “الشرق”.

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أشاد بجيشه والاتفاق، قائلا إن “انتصاره التاريخي” في ساحة المعركة مهّد الطريق لاتفاق السلام. ودعا شعب تيغراي إلى إنهاء إراقة الدماء، وأضاف، “يجب أن تتوقف الحيل والشر والتخريب هنا”.

الحكومة الإثيوبية وعدت بعد توقيع الاتفاق، بإعادة “الخدمات الأساسية” إلى منطقة تيغراي، التي ظلت معزولة خلال الحرب عن الكهرباء والمياه والاتصالات السلكية واللاسلكية والبنوك.

شركة “إيثيو تيليكوم” الحكومية للاتصالات، قالت أمس الخميس، إنها أعادت الخدمة إلى بلدات في جنوب تيغراي، كما وافقت الحكومة على “تسهيل رفع التصنيف الإرهابي” عن “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”.

من المسائل الصعبة التي تواجه الاتفاق بين الحكومة الإثيوبية و”جبهة تحرير شعب تيغراي”، كيف سيحل الاتفاق مسألة الأراضي المتنازع عليها أو حتى يسهل عودة النازحين داخليا واللاجئين وإعادة إدماجهم.

الاتفاق تجاهل بعض الأطراف، حيث لم يشمل إريتريا المجاورة، التي قاتلت قواتها إلى جانب الحكومة الإثيوبية في الحرب، واتُهمت بارتكاب بعض الفظائع، بما في ذلك المذابح العرقية والعنف الجنسي، كما لم يعلّق رئيس إريتريا أسياس أفورقي، على توقيع الاتفاق.

الحل بالحوار

“اتفاق تيغراي”، يشير إلى أن قوات الدفاع الإثيوبية ستزوّد الحدود الدولية بالأفراد اللازمين، للحماية من أي “استفزاز أو توغل من جانبي الحدود”، في إشارة محتملة إلى إريتريا، مع عدم تحديد الحدود، بحسب تقرير لصحيفة “القدس العربي”.

“الاتحاد الإفريقي” الذي أدار المفاوضات، أكّد أن الحل في إثيوبيا لتحقيق السلام، يبقى في “الحوار”، فيما أشادت الولايات المتحدة بالاتفاق، متعهدة العمل مع حكومة آبي.

وسيط “الاتحاد الإفريقي” الخاص، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، قال بعد توقيع الاتفاق، إن “حقبة جديدة لإثيوبيا، لمنطقة القرن الإفريقي، ولإفريقيا كلّها، بدأت اليوم”.

أوباسانجو حذّر، من أن “هذه اللحظة ليست نهاية عملية السلام، بل بدايتها”، لافتاً إلى أن “تطبيق اتفاقيات السلام الموقّعة مسألة بالغة الأهمية”، وأكد أن مراقبة تطبيق الاتفاق، ستقع على عاتق لجنة رفيعة المستوى من “الاتحاد الإفريقي”، وأشاد بالاتفاق الذي وصفه بأنه “حلّ إفريقي لمشكلة إفريقية”.

“الاتحاد الإفريقي” أكد في بيان، أنه مستعد لمواصلة متابعة الاتفاق “للوصول إلى أن تكون إثيوبيا جامعة أكثر لمواطنيها، وأكثر ديمقراطية وعدالة، حيث يشارك الشباب والرجال والنساء بالكامل في بناء البلاد، وفي سلام”.

آبي أحمد، أبدى الأربعاء، “الامتنان” لأوباسانجو، مؤكدا في بيان نشره على “تويتر”، أن “التزام حكومته السلام يبقى ثابتا، والتزامنا المساهمة في تطبيق الاتفاق قوي أيضا”.

بحسب وكالة “أسوشيتد برس”، فإن وسائل الإعلام الإثيوبية توقفت أمس، عن استخدام كلمة “إرهابي” للإشارة إلى “قوات تيغراي”، كما لم يتم تسجيل صوت إطلاق نار، كما حدث في الأيام القليلة الماضية.

أخيرا، الفرصة باتت مواتية اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتحقيق السلام في إثيوبيا، وإنهاء الصراع الدموي الذي راح ضحيته المدنيين الأبرياء، وتحقيقه سيكون أكثر وضوحا بعد شهر من الآن، إذا ما التزمت قوات “جبهة تحرير تيغراي” ببند مهم في الاتفاق، وهو تسليم سلاحها خلال 30 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.