رسميا أظهرت النتائج النهائية أمس الخميس أن رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو فاز في الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت الأسبوع الفائت، مما يمهد الطريق أمامه للعودة إلى السلطة. مكتب رئيس الوزراء الحالي، يئير لابيد، قال إنه هنأ نتنياهو وأصدر تعليماته لموظفيه للتحضير لانتقال منظم للسلطة، مضيفا أن “دولة إسرائيل تأتي قبل أي اعتبار سياسي”.

إسرائيل أجرت يوم الثلاثاء الفائت انتخاباتها الخامسة في أربع سنوات، وهي أزمة سياسية طال أمدها شهدت انقساما بين الناخبين بشأن مدى ملاءمة نتنياهو للخدمة أثناء محاكمته بتهمة الفساد. ووفقا للنتائج النهائية، التي لا تزال بحاجة إلى المصادقة عليها في الأيام المقبلة، حصل نتنياهو وحلفاؤه اليمينيون على 64 مقعدا في البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” المكون من 120 مقعدا، فيما فاز خصومه في الائتلاف الحالي، بقيادة لابيد، بـ 51 مقعدا، بينما يحتفظ بالباقي حزب عربي صغير غير منتسب.

فوز نتنياهو والأغلبية المريحة له يضعان حدا لعدم الاستقرار السياسي في إسرائيل، في الوقت الحالي. لكنه يترك الإسرائيليين منقسمين حول قيادتهم وحول القيم التي تحدد دولتهم: يهودية أم ديمقراطية، فضلا عن الملفات الإشكالية التي كان نتنياهو يكافح من أجل تنفيذها أبان رئاسته للوزراء، خصوصا في ما يتعلق بالملف الإيراني والاتفاق النووي، وحرصه على استكمال التقارب العربي الأمني، والسعي لطرد إيران من سوريا، فضلا عن ملف الغاز الجديد الذي يتعارض مع تطلعات تركيا، وكل ذلك يقود نحو قراءة لأبرز سمات المرحلة المقبلة.

الملف الإيراني.. كل شيء قد يتغير

عودة نتنياهو البالغ من العمر 73 عاما، تأتي في الوقت الذي توقفت فيه المحادثات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ فترة طويلة، مع تصاعد العنف في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل والضفة الغربية، فضلا عن المؤشرات التي تدل على اقتراب توقيع الاتفاق النووي الذي عارضه نتنياهو خلال توليه لرئاسة الوزراء.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

في نهاية آب/أغسطس الفائت، قالت وزارة الخارجية الإيرانية، إن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي المبرم بين طهران والقوى العالمية تمضي بمسار إيجابي، فيما صرح “البيت الأبيض”، بأن التوصل إلى اتفاق بشأن الملف أقرب مما كان عليه الوضع قبل أسبوعين، في حين حذرت إسرائيل من مخاطر أي صفقة لإحياء الاتفاق.

نتنياهو الذي يقود حزب “الليكود” الإسرائيلي، وشغل منصب رئيس الوزراء التاسع لإسرائيل من 2009 إلى 2021، وسابقا من 1996 إلى 1999، ويعتبر صاحب أطول مدة كرئيس حكومة إسرائيل في التاريخ، كرس حملتها الانتخابية في تحويل ورقة النووي الإيراني إلى مادة دسمة في الدعاية الانتخابية الإسرائيلية، وروج بأنه الأنجع في إقناع واشنطن بعدم توقيع اتفاق مع إيران، خصوصا وأنه عراب خروجها من الاتفاق أبان فترة حكم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

العودة الدراماتيكية لنتنياهو في الانتخابات الخامسة منذ عام 2019، جاءت بعد أن وجّه الاتهام لرئيس الوزراء الحالي يائير لابيد، وقبله نفتالي بينيت، بالتراخي في الرد على التوجه الأميركي لتوقيع اتفاق مع إيران، خصوصا وأن الأخير لم تسجل له تحركات كبيرة في هذا الملف، سوى قيامه بحملة دبلوماسية لصدّ الاتفاق النووي ولمنع رفع العقوبات عن إيران.

كان نتنياهو حوّل الاتفاق الإيراني إلى عنوان بارز في دعايته الانتخابية، بعد أن رجحت تقديرات نهاية آب/أغسطس الفائت، بأن الولايات المتحدة الأميركية على وشك أن توقع الاتفاق. وقال على حسابه في موقع “تويتر”، ” لديّ رسالة واضحة إلى طهران، في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر سنجلب لإسرائيل قيادة قوية وحازمة ستضمن أنه مع وبدون اتفاق، لن تمتلك إيران أبدا أسلحة نووية”.

انتصار نتنياهو نشأ من استراتيجية انتخابية منظمة بسيطة لكنها فعالة بشكل ملحوظ، حيث لعب على مخاوف الإسرائيليين وأبرزها الاتفاق النووي مع إيران، واستغلال شكوك الجمهور حول توغل إيران قرب إسرائيل، فضلا عن انعدام الثقة بيائير كزعيم كونه لم يحرز أي تقدم في ذلك.

بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وصف رئيس الوزراء نتنياهو آنذاك الاتفاق بأنه “خطأ تاريخي مذهل”، الآن ومع عودة للسلطة سيجعل الاتفاق على رأس أولويات أمن إسرائيل القومي، وستكون كلمة السر هي إعلان السعودية بأن مسؤولين سعوديين وأميركيين تبادلوا معلومات استخباراتية مع واشنطن تحذر من هجوم إيراني وشيك على أهداف في السعودية، طبقا لما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال”.

هذه المؤشرات ليست وليدة اللحظة، بل عبر عنها نتنياهو بشكل صريح، عندما قابل الرئيس الأميركي، جو بايدن، في تموز/يوليو الفائت، حيث شدد على ضرورة وجود خيار عسكري ضد إيران، وقال إنه “إذا عاد” إلى منصبه، فإن موقفه المتشدد تجاه إيران سيبقى كما هو، مدعيا أن “بايدن قال إنه يتفق مع موقفي وأنا سعيد لسماع ذلك، هذا ما سأفعله عندما أعود إلى مكتب رئيس الوزراء “.

بعد سنوات من قيام إسرائيل بجعل الملف النووي الإيراني على رأس أولويات أمنها القومي، وحصول نتنياهو على استنتاج بأن الإدارة الأميركية لن توقع الاتفاق مع إيران قبل الانتخابات النصفية لـ”الكونغرس” الأميركي في تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ستعود القضية النووية على رادار الخطاب السياسي والعام في إسرائيل. ومن المؤكد أن المخاوف بشأن إيران لم تتلاشَ، بل تطورت للتو مع التركيز على القضية النووية إلى قدرة إيران على تهديد إسرائيل في المجالات غير النووية، لا سيما من خلال دعمها لـ”حزب الله”اللبناني ووجودها المتزايد في سوريا، على الحدود الشمالية لإسرائيل.

الاتجاهات الحالية في سوريا

إسرائيل منذ عام 2011 تجنبت الانحياز لأي طرف في الصراع السوري، وبدلا من ذلك، كان الشاغل الأكبر لتل أبيب هو كبح جماح المحاولة المستمرة من قبل إيران لإنشاء بنيتها التحتية العسكرية في سوريا وتعزيزها وجهودها لاستخدام البلاد في نقل المعدات إلى “حزب الله”، كجزء من مشروع الصواريخ الموجهة بدقة.

ولمكافحة ذلك، شاركت إسرائيل، على مدى السنوات الثماني من الحرب في سوريا والتي ترأس فيها نتنياهو الوزراء، في حملة لمحاربة هذا الجهد وإضعافه. أعرب الاستراتيجيون الإسرائيليون عن ارتياحهم للنجاحات التي تحققت واعتبروا أن المشروع الإيراني أقل تقدما في سوريا مما كان يمكن أن يكون.

إذا كان لنتنياهو ذريعة واحدة صالحة للبقاء في منصبه، فهي سياسته تجاه سوريا وحقيقة أنه كان من أوائل قادة العالم الذين أدركوا تهديد إيران على منطقة الشرق الأوسط، في الوقت نفسه، لا تزال هناك أسئلة عديدة بشأن الاتجاه الاستراتيجي لحملته في سوريا.

المشروع الإيراني في سوريا واسع ومتعمق في الهياكل الرسمية للدولة السورية، أنشأ الإيرانيون هياكل مثل قوات “الدفاع الوطني”، منظمة على غرار ميليشيا “الباسيج” الإيراني، والتي تشكل اليوم جزءا من قوات الأمن السورية الرسمية. كما أسسوا ميليشيات على غرار “حزب الله” على الأراضي السورية، من المواطنين السوريين المحليين، ويتم تدريبهم من قبل “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” اللبناني. 

إيران تعمل أيضا بشكل وثيق مع عناصر معينة من قوات الأمن السورية، مثل “المخابرات الجوية” و”الفرقة الرابعة” المدرعة التي يقودها شقيق الرئيس السوري، بشار الأسد، ماهر. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت أدلة على جهود إيرانية لشراء عقارات وأراضي في جنوب غرب سوريا بطريقة مماثلة لتلك التي يمارسها “حزب الله” اللبناني في جنوب لبنان.

بدوره “الحرس الثوري” الإيراني متغلغل داخل هياكل الجيش السوري، وعلى وجه الخصوص، في “اللواء 90” المنتشر في محافظة القنيطرة، حيث يتعاون بشكل وثيق مع إيران. تم التأكيد أن قائد اللواء، العميد حسين حموش، متعاون مع إيران في منشورات أسقطتها فرقة “باشان 210” في الجيش الإسرائيلي في 21 تشرين الأول/أكتوبر الفائت.

بالنظر إلى عمق واتساع المشروع الإيراني ومدى اندماجه في عناصر من الدولة السورية، فإن الشكوك تحوم حول ما إذا كان عرضة للتدمير أو الطرد بسبب حملة القصف الجوي التي تقودها إسرائيل. هذا هو الحال بشكل خاص بالنظر إلى محدودية الحملات الإسرائيلية.

بحسب صحيفة “جيروزالم بوست”، فإن سلاح الجو الإسرائيلي على مدى السنوات الخمس الأخيرة من تولي نتنياهو لرئاسة الوزراء، ضرب 1200 هدف بأكثر من 5500 قنبلة خلال 408 مهمات في سوريا، أما خلال تولي بينيت عام 2021 تم تنفيذ عشرات العمليات الجوية فقط، باستخدام 586 قنبلة ضد 174 هدفا. 

أما رئيس الوزراء الحالي، يائير لابيد، فكان أبرز تصريح له في أيلول/سبتمبر الفائت، بأن إسرائيل لن تسمح لسوريا بأن تصبح مركزا لنقل الأسلحة إلى “المنظمات الإرهابية”، بحسب ما أفادت “القناة 13” الإسرائيلية، مضيفا أن تل أبيب لن توافق على إقامة قواعد إيرانية أو قواعد للجماعات المسلحة على حدودها الشمالية.

على الرغم من أن نتنياهو هو صاحب خطة عودة سوريا إلى الحضن العربي مقابل خروج طهران من سوريا قبل ثلاث سنوات، إلا أنه اكتشف لاحقا رغم تأييد مصر والأردن لها، بأنه لا توجد طريقة أخرى لإخراج الإيرانيين من سوريا سوى استهداف مواقعها، بحسب تقرير لصحيفة “إسرائيل هايوم” الإسرائيلية.

حدوث تحول سريع وجذري في هذا الوضع أمر غير مرجح، إلا أن نتنياهو سيكون ثابتا ومثابرا في جهوده لمحاربة الوجود الإيراني بشكل تدريجي في سوريا، خصوصا مع سعيه لتحقيق التوازن في العلاقات مع جميع الجهات الفاعلة الرئيسية المشاركة بشكل مباشر في النزاع ومنها روسيا، فما زال مهما بالنسبة لإسرائيل عند التخطيط لسياستها في سوريا وتنفيذها تفعيل الخط الساخن مع موسكو بشكل كبير، لا سيما بعد أن تراجع وجودها في سوريا عقب غزوها لأوكرانيا.

من الواضح أن البديل للسياسة الحالية الإسرائيلية التي تقبل بشكل سلبي بالوضع الراهن العام في سوريا ولم تركز على إنهاء الوجود العسكري الإيراني سيكون أمرا مرغوبا فيه، وذلك عبر تحرك نتنياهو لإخراج إيران من سوريا، وبالتالي تقليل التهديد لإسرائيل وإضعاف “حزب الله” في لبنان، وهذا سيكون إنجازا جيوسياسيا كبيرا لحكومته المقبلة.

هذه السياسة ليست جديدة على نتنياهو، الذي صرح عام 2018، أن المطالب الثلاثة المحددة لحكومته هي انسحاب القوات الإيرانية وقوات “حزب الله” من الحدود مع إسرائيل، وإزالة جميع الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى في سوريا، وأنه يجب عدم مهاجمة المدنيين السوريين في المنطقة القريبة من إسرائيل.

الفراغ السياسي في لبنان ونتنياهو

خطى لابيد وبينيت خطوات واسعة في التواصل مع دول الشرق الأوسط، وضع لابيد وبينيت ووزير الدفاع بيني غانتس أهمية خاصة للاجتماعات العامة والتواصل في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك استضافة منتديات مهمة مثل قمة “النقب”، في حين سارع لابيد أيضا إلى إبرام صفقة لبنان.

حالة واحدة حساسة بشكل خاص في ذهن نتنياهو هي لبنان. كان البلدان في حالة حرب منذ سنوات، لكنهما ما زالا قادرين على ترسيم حدودهما البحرية في صفقة تاريخية توسطت فيها الولايات المتحدة شملت رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، والرئيس اللبناني المنتهية ولايته، ميشال عون. 

وقد تم توقيعها الشهر الماضي، وحظيت أيضا بمباركة ضمنية من “حزب الله”، الذي يلعب دورا مهيمنا في السياسة اللبنانية وخاض حربًا مع إسرائيل في عام 2006، لكن في الفترة التي سبقت الانتخابات، شجب نتنياهو الاتفاق، قائلا إنه “غير قانوني” وأنه إذا تم انتخابه، فسيعمل على “تحييدها”.

بينما يجادل لابيد بأن هذه “صفقة تعزز أمن إسرائيل” وأن الاقتراح “يحمي المصالح الكاملة لدولة إسرائيل “، قال نتنياهو إن لابيد “استسلم لتهديدات حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني الموالي لإيران”، وتأتي تصريحات نتنياهو من مبدأ أن لابيد ارتكب خطأ في أن الاتفاقية ليست مسألة تسليم أرض، بل هي مصدر اقتصادي في منطقة متنازع عليها، فهي لا تتطلب استفتاء بموجب القانون الإسرائيلي. 

تقليديا، يتم تقديم اتفاقيات من هذا النوع إلى “الكنيست” للمصادقة عليها، لكن لابيد امتنع عن القيام بذلك لأن “الكنيست” بطبيعة الحال في هذا الوقت سيحول الاتفاقية إلى معركة سياسية يمكن أن تضر بمصالح إسرائيل الاقتصادية والأمنية، من وجهة نظره. 

هذه الثغرة، كانت من صالح نتنياهو الذي انتزع السلطة الآن ويراهن على الفراغ السياسي في لبنان بتنفيذه للانسحاب، لكن كبير المفاوضين في بيروت، إلياس بو صعب، ونائب رئيس مجلس النواب، صرح الأربعاء الفائت، إن لبنان حصل على “ضمانات أميركية” بأن اتفاق الحدود البحرية مع إسرائيل لا يمكن إلغاؤه بسهولة إذا عاد بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء الإسرائيلية.

ومع أن نتنياهو يعي إذا أراد الانسحاب من الاتفاقية فهذا يعني أنه سيواجه المجتمع الدولي لخرقه اتفاقية دولية، إلا أن واشنطن تشعر ببوادر انسحاب، لذلك امتنع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس عن التأكيد على الضمانات، لكنه قال إن الصفقة “في مصلحة إسرائيل ولبنان”.

لكن سيكون هناك سببا كبيرا في أن يدخل نتنياهو في حرب سياسية مع لبنان، أولها الفراغ السياسي والذي يرجح خبراء بأن يملأه “حزب الله” وهذا يعد خطا أحمر بالنسبة لإسرائيل عموما ونتنياهو خصوصا، كما إن الأموال الموجودة في أيدي الكيانات التي يديرها “حزب الله” من الاتفاقية ستثير شكوك الحكومة الإسرائيلية الجديدة، خصوصا بعد أن بات الحزب يلعب في سماء المنطقة عبر الطائرات بدون طيار التي دعمتها به إيران.

الملف الأمني مع العرب واتفاقية “أبراهام”

مؤتمر قمة “النقب” شكل رمزا هاما لعمل إسرائيل مع دول المنطقة، وكان من بين الحاضرين في القمة الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب. ويمكن للأردن أن يحضر قمة “النقب” المقبلة، التي من المفترض أن تعقد في المغرب في كانون الثاني/يناير المقبل.

خلال سنوات حكم نتنياهو كانت هناك علاقات باردة مع المملكة الأردنية. بالنظر إلى التوترات في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، مع اشتباكات شبه يومية، فمن المعقول أن عودة نتنياهو إلى السلطة، ستؤدي إلى تقليص العلاقات العامة المهتزة بالفعل مع عمان. لا يؤثر هذا بالضرورة على العلاقات الأمنية، لكنه قد يؤثر على المشاركة المرئية لدول مثل الأردن في القمم الإقليمية إلى جانب إسرائيل.

أتاحت اتفاقيات ومبادرات “أبراهام” مثل صفقات الطاقة مع اليونان وقبرص، فضلا عن العلاقات الدفاعية، تحسين العلاقات بين إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقبرص واليونان. إلا أن عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة على الأرجح ستؤجج المخاوف بشأن تعميق التوترات مع الجيران العرب، لكن دول الخليج التي أقامت علاقات مع إسرائيل تحت قيادته ستعتبره توازنا إقليميا ضد القوة الإيرانية.

في الخليج، حيث يهيمن القلق العربي من القوة الإقليمية لإيران على الاستراتيجية الأمنية، ساعد سجل نتنياهو في معارضته المتشددة لإيران على إقامة علاقات مع الزعماء العرب، إذ في ظل حكومة نتنياهو السابقة، قامت إسرائيل بتطبيع العلاقات في عام 2020 مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، والمغرب بعد بضعة أشهر.

منذ التوقيع على اتفاقات “آبراهام”، قبل عامين بين دول عربية وإسرائيل، طرأت تغييرات كبيرة على الشرق الأوسط، فالبحرين والإمارات العربية المتحدة تصرفتْ بسرعة وحزم لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، والآن اختار حوالي ثلث الدول العربية، بما في ذلك الأردن ومصر والمغرب، السلام مع إسرائيل، الأمر الذي كسر المحظور، وأشعل فُرص تقدم التعاون الأمني الإقليمي.

قبيل زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط في تموز/يوليو الفائت، ظهرت شائعات حول إمكانية تشكيل إطار أمني إقليمي جديد بعد تقديم تشريع من الحزبين الأميركيين، في مجلس الشيوخ الأميركي “الكونغرس”، في 9 حزيران/يونيو يدعو وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، إلى تقديم استراتيجية لدمج قدرات الدفاع الجوي لإسرائيل، والدول العربية من أجل مواجهة الصواريخ الباليستية وغيرها من الأسلحة التي تهدد بها إيران، ووكلائها دول المنطقة.

بينما يبدو التحالف العسكري بدعم الولايات المتحدة أمرا طبيعيا وضروريا ومبررا، فإن الطريق إلى إنشاء حلف “ناتو” في الشرق الأوسط، أصبح أكثر واقعية، مع إمكانية حدوث تعاون عربي-إسرائيلي في ضوء التوترات الإقليمية المتزايدة.

هذه ليست المرة الأولى التي يدور فيها حديث عن تشكيل تحالف عسكري في المنطقة. كانت هناك على الأقل خلال السنوات القليلة الماضية دعوتان من هذا القبيل: أولا، خطة جامعة الدول العربية في عام 2015، لإنشاء قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب، وثانيا، اقتراح المملكة العربية السعودية في عام 2017، لإنشاء تحالف أمني في الشرق الأوسط، الذي أطلق عليه اسم ”الناتو العربي” في ذلك الوقت، والذي لاقى دعما كاملا من الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.

لم ترَ أي من هذه الخطط أو الدعوات، النور لأسباب عديدة، بما في ذلك تزايد النزاعات المسلحة في بعض دول المنطقة مثل سوريا وليبيا واليمن. كما نجمت الخلافات السياسية بين دول المنطقة عن اختلاف مواقف هذه الدول من هذه الصراعات، مما أدى إلى وجود محاور متنافسة، حيث دعمت كل دولة أحد أطراف النزاع. فضلا عن الخلافات السياسية حول العديد من القضايا الأخرى داخل المنطقة، وحتى خارجها، لكن ذلك الآن مرجح بشكل قوي مع رصد التهديدات الإيرانية للسعودية وعودة نتنياهو إلى السلطة.

 أثار توسع إيران في المنطقة من خلال الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بعض الدول العربية إلى حد كبير، وبالتالي، كانت استراتيجية إدارة بايدن، هي تشجيع التعاون الدفاعي بين حلفاء الولايات المتحدة بما في ذلك البحرين ومصر وإسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بينما كانت تحاول أيضا إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

لذا ستكون وجهة نظر نتنياهو، بأن تفعيل مبادرة الأمن الإقليمي، هي خطوة لإعادة التفكير في النظام الأمني واتجاهاته في منطقة الشرق الأوسط، حيث تشهد المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر، والبحرين، وعمان، وإيران تحولات كبيرة على المستويات المجتمعية والوطنية والدولية، بينما تستمر الاختلالات المنهجية في أنظمة الأمن الخليجية في تغذية تصورات انعدام الأمن، وخلق خطوط الصدع. كما أن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، والتنافس السعودي الإيراني، والخلافات داخل دول مجلس التعاون الخليجي كلها أمثلة على التوترات، التي إذا تُركت دون رادع، فإنها تحمل مخاطر تداعيات واسعة النطاق داخل المنطقة وخارجها.

الغاز في شرق المتوسط ومواجهة تركيا

كان أحد أهم التحولات في العام الماضي هو قرار إسرائيل العمل مع تركيا، فبعد سنوات هاجمت فيها أنقرة الدولة اليهودية، وقارنت إسرائيل بألمانيا النازية ودعمت حركة “حماس” المصنفة على قوائم الإرهاب، سعت تركيا إلى تغيير لهجتها خلال العام الماضي. وقد أدى ذلك إلى العديد من الاجتماعات والزيارات رفيعة المستوى.

قد يكون التطبيع بين أنقرة وتل أبيب ظاهريا فقط، لأن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا هو نفس الحزب الذي كان عليه قبل المصالحة، إذ من الواضح أن تركيا، لم يكن لديها خيار لتطبيع العلاقات مع تل أبيب سوى بعد ترك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منصبه السابق. 

زادت أنقرة من خطابها وسلوكها المعادي لإسرائيل خلال السنوات العشر التي قضاها نتنياهو في السلطة. وشمل ذلك إطلاق أسطول “مرمرة”، فضلا عن استضافة قادة “حماس” والتهديدات الصريحة بـ “تحرير الأقصى”.

جاء سلوك أنقرة على خلفية العلاقات التركية الأميركية الوثيقة خلال إدارة ترامب ودورها المتزايد في سوريا. ليس من الواضح تماما ما الذي أدى إلى سلوك تركيا المعادي لإسرائيل بشكل متزايد، لا سيما بالنظر إلى أنه في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، تمكن البلدان من مواصلة العلاقات الودية على الرغم من الاختلافات بين حزب “العدالة والتنمية” وإسرائيل.

في عهد نتنياهو السابق، كانت فرصة المصالحة مع تركيا ضئيلة؛ لطالما اعتقد نتنياهو أن على إسرائيل إظهار القوة في مواجهة التهديدات، ولم يكن خائفا من انتقاد تصرفات تركيا.

من المهم تسليط الضوء على أن تركيا تريد أن تتولى دور قيادي “إسلامي” في المنطقة، لتحل محل المملكة العربية السعودية ومصر ودول أخرى رائدة تاريخيا. لقد استخدمت في كثير من الأحيان العربة المعادية لإسرائيل كوسيلة لتحقيق مثل هذا الاهتمام.

إلى جانب إيران وقطر، تدعم القيادة التركية الحالية “حماس”، مما يمنحها دورا مباشرا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما تريد أنقرة التأثير على القضايا في القدس كـ “مدافع عن الأقصى”. خففت تركيا من حدة خطابها العام الماضي لتحقيق اجتماعات رفيعة المستوى مع غانتس والرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتزوغ، والمنظمات اليهودية الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة.

تريد أنقرة استخدام إسرائيل كقناة لتوثيق العلاقات مع واشنطن. اعتمادا على من ينتصر في الانتخابات، يمكن لتركيا أن تواصل مصالحتها أو تستخدمها كذريعة لمحاولة تأجيج التوترات والاستفادة من أي صراعات إسرائيلية فلسطينية قد تندلع، لكن مع نتنياهو يبدو أن المهمة أمام أنقرة صعبة.

إضافة إلى الملف السياسي، فإن لأنقرة عهد غير إيجابي مع نتنياهو في ما يخص اتفاقيات الغاز التي تبرهما في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط المليئة بالمنافسات واستعراض العضلات والتحالفات المتغيرة، حيث قطعت إسرائيل خطوات واسعة مؤخرا في تحقيق أمن الطاقة وتوطيد العلاقات مع الشركاء لإنشاء صلة مادية مع أوروبا.

إسرائيل منذ وجود نتنياهو في السلطة تستخدم دبلوماسية الطاقة للمساعدة في إنشاء تكتل لمواجهة السياسات التركية في المنطقة، ووقعت الأسبوع في آذار/مارس 2021 صفقات لتوثيق الشراكة مع دول أخرى تسعى بشكل مشابه لكبح أنقرة.

منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي يضم إسرائيل ومصر واليونان وقبرص والسلطة الفلسطينية وهو في طور التوسع، أصبح نتاجا فعليا للانقسام الإقليمي، الذي جعل تركيا وقطر تقودان لمحاربته. 

تركيا تصر على أن منطقتها الاقتصادية الخالصة تمتد عبر البحر الأبيض المتوسط بأكمله، وذلك بفضل توقيعها لاتفاق “مشبوه” على الحدود البحرية مع ليبيا الذي من شأنه أن يمنع إسرائيل ومصر من الوصول إلى أوروبا، مما قد يقلب خطط المنتدى، حيث حذر نتنياهو سابقا المسؤولين اليونانيين والقبارصة من أن الزعيم التركي قد يعمل على تخريب عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط.

إذا استمرت أنقرة في إصرارها بالحفاظ على اتفاق الحدود البحرية لعام 2019 مع ليبيا الذي يطالب بحقوق اقتصادية في المناطق التي تعتبرها اليونان وقبرص منطقتين اقتصاديتين حصريتين، فسيواصل المنتدى بقيادة نتنياهو الآن معاملة تركيا كخصم. خصوصا وأن اليونان تقول إن الاتفاق التركي الليبي لم يأخذ في الاعتبار جزيرة كريت، بينما أزعجت تركيا بالفعل قبرص بإرسالها سفنا للبحث عن النفط والغاز قبالة الجزيرة المقسمة.

خلاصة واستنتاجات

البقاء السياسي لنتنياهو أثر على السياسة الإسرائيلية ومؤسساتها، فظاهريا، حقيقة أن نتنياهو يدخل ولايته السابعة صقل سمعته باعتباره ساحرا سياسيا ولا يهزم، لذلك التكهن بسياسته تجاه إيران أكثر تعقيدا. فهو يثيرها باستمرار في نقاشات مغلقة، وسيوجه انتباهه الكامل إلى هذه المسألة بمجرد عودته إلى مكتب رئيس الوزراء. 

ليس لدى نتنياهو أي شيء يصلحه فيما يتعلق بالسياسة العملياتية تجاه إيران، إذ نقل بينيت بالفعل السياسة الإسرائيلية وحررها من التزاماتها للقوى العالمية، مما سمح لها بالعمل داخل إيران، إلا أن تخلى نتنياهو عن الحشد العسكري لضرب إيران غير محتملة وسيتم إحياءها بمخصصات كبيرة في الميزانية، كما فعل سابقا.

الضربة العسكرية المباشرة ضد المنشآت النووية الإيرانية غير مطروحة إلى حد كبير، لكن الصراع العسكري مع إيران لا يزال ممكنًا من خلال التصعيد على المسرح السوري، لذا من المرجح أن تركز الجهود الإسرائيلية على المجالات غير الحركية، وفضح الانتهاكات الإيرانية وفرض عقوبات على الأنشطة غير النووية الإيرانية.

ومع انشغال روسيا في أوكرانيا، حيث أصبحت أكثر حساسية تجاه القضايا الأمنية في مناطق تواجدها ونفوذها، وبما أن النهج الروسي الأساسي في سوريا هو الحفاظ على توازن القوى والوضع الراهن من خلال تجنب التصعيد، والموازنة بين إسرائيل وإيران، إلا أنها الآن لا تملك القدرات والتفويضات لتهدئة الوجود الإيراني في سوريا. وعلاوة على ذلك، تتخذ روسيا مواقف يمكنها أن تهدد علاقتها بتل أبيب، ومن الأمثلة على ذلك قاعدة “النيرب” الجوية، حيث سلمتها لـ”الحرس الثوري” الإيراني.

لذا فإن هذا النهج الروسي يرجع لحاجة موسكو إلى تركيز موارد كبيرة على الجبهة الأوكرانية. ثانيا، خلق توترات في ساحات أخرى مثل سوريا يمكن أن تتحول من قبل قوى أخرى إلى “جبهة ثانية” ضد روسيا. وبالتالي فإن نتنياهو أمام مرحلة جديدة من إضعاف وجود إيران دون الحاجة للتنسيق مع روسيا.

بالنسبة للبنان، يمثل قرار احترام بنود اتفاقية ترسيم الحدود البحرية نقطة تحول مهمة لنتنياهو في إسرائيل. قطع نتنياهو والليكود شوطا طويلا في معارضته اللاذعة للاتفاقية، لكنه الآن وجد نفسه منغمس في تطبيق الاتفاقية وتنفيذ المزيد من التنازلات على المستوى الداخلي.

لكن إذا ما ارتكب نتنياهو خطأ الانسحاب من الاتفاقية قد تكون عواقبها التاريخية وخيمة للغاية. إعلانه أنه في حالة تشكيل الحكومة المقبلة، فإن حكومته لن تحترم الاتفاقية هو أمر مثير للجدل، على أقل تقدير، خصوصا وأن الاتفاقيات الدولية ملزمة للدول بغض النظر عمن وقع عليها. وهكذا، فنتنياهو مضطر إلى احترام اتفاقية لبنان، التي وقعها رئيس الوزراء يائير لابيد. ولا يمكن للحكومة أن تقرر أي الاتفاقيات السابقة ستحترمها وأيها ستتجاهلها. مثل هذا السلوك من شأنه أن يضر بمكانة إسرائيل الدولية.

لذا من غير المرجح أن ينقض نتنياهو الاتفاقية بغض النظر عن تصريحاته التي تطعن في شرعية الصفقة، ومن الواضح أن نتنياهو يعلم أن الاتفاقية مفيدة لإسرائيل. وهو يدرك أن إلغاءها سيضر بأمن إسرائيل القومي ومصالحها الاقتصادية ومستقبل التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط ومصداقيته، ويدرك نتنياهو رد الفعل العكسي المحتمل من واشنطن إذا أضر بالاتفاق الذي عملت إدارة بايدن جاهدة للتوسط فيه. وبالتالي من المحتمل أن ينتقد الاتفاقية ويتحدث عن تحسينها، لكنه لن يلغيها.

فيما يخص الملف الأمني مع العرب، فإن إمكانية تطور هذا التحالف المتوسع الذي تدعمه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلى تعاون استراتيجي إقليمي، يشكل نتيجة مشجّعة لهذه الديناميكية الإقليمية الجديدة، لطالما كان للولايات المتحدة مصلحة في التعاون الأمني في الشرق الأوسط، ولكن الآن ومع وصول نتنياهو، وأكثر من أي وقت مضى، إذ أصبح هذا ضروريا بسبب ما يسمى بـ “التحول نحو آسيا”، لمواجهة نفوذ الصين، والخطر المتصاعد الذي تمثله إيران. فإن توقيع “اتفاقية إبراهيم” وانسحاب إسرائيل من “القيادة المركزية الأوروبية”، إلى نطاق عمليات “القيادة المركزية الأميركية”، جعل هذا النوع من التعاون الملموس ممكن، وعليه فإن مستقبل التعاون الأمني الإقليمي في الشرق الأوسط سيتبلور بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية بأشهر على أقل تقدير، لأن ذلك سيسمح لتل أبيب أيضا مواجهة التطلعات التركية في شرق المتوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.