منذ قرار منظمة “أوبك بلس” مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، تخفيض إنتاج النفط بقيادة المملكة العربية السعودية، بدأت ملامح خلافات وتوتر بين الحليفين واشنطن والرياض، فما هو مستقبل هذه الخلافات وكيف سيؤثر الملف الإيراني على ملامح العلاقات بينهما خلال الفترة القادمة.

دور الملف الإيراني

بين مصالح السعودية الاقتصادية، وعلاقاتها السياسية، بدأ الحديث عن توتر في العلاقات السعودية الأميركية، ورغم تبادل الاتهامات والتبرير خلال الأسابيع الماضية، يبدو أن الملف الإيراني سيجعل الجانبين يعيدان حساباتهما في تصعيد التوتر، فهل يكون النفوذ الإيراني سببا في التهدئة بعد قرار تخفيض إنتاج النفط من جانب الرياض.

صحيفة “وول ستريت جورنال” اعتبرت أن أميركا والسعودية سيكونان خاسران من استمرار التصعيد بينهما، إذ تحتاج واشنطن والرياض لبعضهما البعض، وكلاهما سينتفع لو هدّأ كل من الرئيس جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان النبرة.

المقال في الصحيفة الأميركية، اعتبر أن التهدئة أو “الصمت” في الفترة الحالية من كلا الجانبين، سيكون خيارا جيدا، لكل من حكومة الولايات المتحدة والسعودية، لو كانتا راغبتين بالحفاظ على العلاقات الأمنية المهمة اليوم أكثر مما كانت عليه قبل ثمانية عقود.

ومما قد يعزز وجهة النظر التي تقول، إن التهدئة هي الخيار الأفضل، وجود التهديدات الإيرانية، لا سيما بعد التسريبات الاستخباراتية التي تحدثت خلال الأيام القليلة الماضية، عن معلومات تشير إلى أن إيران ربما تخطط لهجوم وشيك على منشآت للطاقة في الشرق الأوسط، وتحديدا في السعودية.

هذه المعلومات تم التوصل إليها، بتعاون استخباراتي بين واشنطن والرياض، ما يعني احتمالية إنهاء التوتر بين الجانبين وضرورة التعاون بشأن مواجهة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

غضب أميركي

التوتر بين الجانبين بدأ عندما أعلنت منظمة “أوبك بلس“، تخفيض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يوميا، ما أثار غضب الجانب الأميركي، وبدأت أصوات تخرج من واشنطن وتتهم الرياض بالاصطفاف إلى جانب روسيا في غزوها الأراضي الأوكرانية.

الغضب الأميركي جاء بعد زيارة بايدن للسعودية في تموز/يوليو الماضي، حيث أن جميع التحليلات أشارت إلى أن الهدف من الزيارة كان إقناع السعودية، بضرورة زيادة إنتاج النفط بهدف تخفيض أسعار التي وصلت إلى أرقام قياسية.

بدلا من ذلك كان القرار خفض إنتاج النفط، ليعلن بايدن علانية وبصوت عال، أن القرار ستكون له “تداعيات” بما في ذلك مراجعة صفقات الأسلحة مع المملكة.

بعض المحللون في الولايات المتحدة الأميركية، اعتبروا في وقت سابق أن قرار “أوبك بلس“، يمثل تهديدا للعلاقات السياسية بين واشنطن والرياض، والتي بقيت في وتيرة جيدة طيلة السنوات الماضية، ووصلت إلى مطالبة بعض المشرّعين الديمقراطيين بسحب القوات الأميركية من السعودية والإمارات فورا، وتفعيل قانون “نوبك“، لمعاقبة منظمة “أوبك” التي تقودها السعودية، إذ اعتبر بعض الأميركيون أن القرار يمثل تحدّيا مباشرا من الرياض لواشنطن.

قد يهمك: هجوم إيراني وشيك على منشآت الطاقة السعودية.. ما الاحتمالات والنتائج؟

“لماذا تحدّت السعودية، الولايات المتحدة في خفض إنتاج أوبك من النفط“، هو عنوان لتقرير نشرته شبكة “سي إن إن” الأميركية، لرصد أسباب اعتبار إدارة بايدن، أن القرار يمثل تحديا لواشنطن.

بحسب التقارير، فإن “المسؤولون السعوديون يؤكدون أن المملكة تقدّم مصالحها الاقتصادية على الاعتبارات السياسية الأميركية الداخلية“. وقال وزير الطاقة، الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، في مقابلة مع التلفزيون السعودي، “مصالح المملكة تأتي قبل أي شيء آخر“، وأضاف أن الحكومة السعودية تتطلع إلى أن تكون جزءا من نمو الاقتصاد العالمي“.

الولايات المتحدة، بالتأكيد لن تكون راضية على قرارات من هذا النوع، لا سيما وأنه جاء بالتنسيق مع روسيا أحد الشركاء في “أوبك بلس“، حيث أن النتيجة قد تكون مقروءة على أنه تحالف بين الرياض وموسكو، على مستوى سوق النفط.

وبالفعل رد ّالبيت الأبيض على قرار “أوبك بلس“، بالإشارة إلى أن “قرار أوبك بلس وموافقة السعودية عليه يعني أنها تقف بجانب روسيا“.

قد يشكل ملف أسعار النفط، منعطفا هاما في ملف العلاقات الأميركية السعودية، وذلك على الرغم من العلاقة القوية والمصالح المشتركة بين البلدين، في حين يؤكد محللون أن بعض التوتر في العلاقات لا يعني انهيارها في ظل الظروف الراهنة، لا سيما مع المطالبات بإبعاد الطاقة سواء النفط أو الغاز وأسعارها، عن الابتزاز والمقايضة والانتهازية السياسية.

التوتر في العلاقات الناتج عن السياسة النفطية للمملكة العربية السعودية، دفع برئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور النافذ بوب منينديز، للتهديد بعرقلة كل مبيعات الأسلحة المقبِلة إلى السعودية بسبب “دعمها حرب روسيا في أوكرانيا “بقرارها في إطار تحالف “أوبك بلس” خفض إنتاج النفط، لكن محللون يعتقدون أن التهديدات الإيرانية قد تكون سببا كافيا لعدم استمرار التصعيد.

تهديدات إيرانية

التهديد الإيراني في ضرب منشآت داخل السعودية، يهدد كذلك الجيش الأميركي، “ويجعله هو وغيره في الشرق الأوسط في حالة تأهب قصوى” بحسب ما أفادت “وول ستريت جورنال” الأميركية.

بالفعل رفعت قوات الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط والقوات السعودية وغيرهم من الدول المجاورة، مستوى تأهب قواتها العسكرية، بعد وصول تسريبات عن التهديدات الإيرانية، وقال مسؤول سعودي للصحيفة، إن “الهجمات الإيرانية ستستهدف السعودية وأربيل بالعراق، في محاولة لصرف الانتباه عن الاحتجاجات المحلية التي تعصف بالداخل الإيراني منذ أيلول/سبتمبر الماضي“.

مجلس الأمن القومي الأميركي أكد استعداد أميركا للرد على أي اعتداء إيراني على السعودية. ونقلت الصحيفة الأميركية، عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي “نحن قلقون من التهديدات، ونُبقي على تشاور مستمر مع السعوديين عبر قنوات عسكرية واستخباراتية، ولن نتردد في التصرف دفاعا عن مصالحنا ومصالح شركائنا في المنطقة“.

تصريحات مجلس الأمن القومي أكدت كذلك، على ضرورة استمرار التعاون بين واشنطن والرياض، لمواجهة النفوذ والتهديدات الإيرانية

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، رأى أن الخلاف في السياسة النفطية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، يهدد يتعميق المأزق بين الجانبين، لكنه يشير إلى أن الجانبين لا يرغبان ربما بتعميق أزمة توتر العلاقات في المرحلة الراهنة، فالسعودية اتخذت هذه الإجراءات لأسباب اقتصادية بحتة.

السياسة النفطية

مسألة السياسات النفطية، سيكون لها أثر واضح على العلاقات بين واشنطن والرياض خلال الفترة المقبلة، حيث قد تلجأ واشنطن للعديد من الخطوات كردّ على قرار “أوبك بلس“، رغم وجود مخاطر من أي ردود محتملة خلال المرحلة الحالية.

حول ذلك أضاف علوش في حديث سابق مع “الحل نت“، “من الواضح أن المملكة العربية السعودية لا ترغب في تقديري بالوصول إلى أزمة كبيرة في علاقتها مع الولايات المتحدة، لكن على الأقل تريد إيجاد هامش يتيح لها تحقيق نوع من التوازن بين روسيا والغرب على غرار ما تفعله تركيا مثلا، ويمكن أن نلحظ هذا الأمر بوضوح، من خلال المساعي التي قضتها المملكة، في مطلع هذا الشهر عندما ساعدت للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، تحاول دول الخليج أن تلعب دور الوسيط“.

من الواضح أن أميركا ستبقى غير راضية عن قرارات السعودية المتعلقة بخفض إنتاج النفط، لكن جدية واشنطن في مواجهة النفوذ الإيراني والتهديدات إزاء السعودية، سيكون لها دورا ربما، في إعادة الرياض تقييم خطواتها المتعلقة بالنفط خلال المرحلة القادمة.

قد يهمك: د.محسن أبو النور لـ“الحل نت“: لن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط بوجود إيران

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.