اليوم الخميس، تسلم الرئيس اللبناني، ميشال عون، النص الرسمي لاتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية من الوسيط الأميركي، آموس هوكشتاين، في انتظار توقيعه لاحقا بعد ظهر اليوم، ومن المقرر أن يوقّع لبنان وإسرائيل بعد ظهر اليوم في غرف منفصلة بمقر الأمم المتحدة في الناقورة (أقصى نقطة حدودية جنوب لبنان)، على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بينهما بحضور الوسيط الأميركي وممثل عن الأمين العام للأمم المتحدة.

الوسيط الأميركي قال، إن الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان يسمح ببدء العمل في حقل “قانا” اللبناني، مضيفا أن ذلك يشكل نقطة تحول على الصعيد الاقتصادي لضخ الاستثمارات وتوفير دعم مالي للبنان، وعشية التوقيع، أعلنت شركة “إنرجيان”، أمس بدء إنتاج الغاز من حقل “كاريش” البحري الذي كان يقع في منطقة متنازع عليها، وبات كاملا من حصة إسرائيل بموجب الاتفاق.

في هذا السياق، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لبيد، اليوم أن لبنان “اعترف بدولة إسرائيل من خلال موافقته على الاتفاق على ترسيم حدوده البحرية معها بوساطة أميركية”.

الاتفاق يأتي كاختراق للعلاقات اللبنانية الإسرائيلية المتوترة منذ أربعة عقود، وفي الوقت نفسه يتحدث الرئيس اللبناني، ميشال عون، أن هذا الاتفاق تقني ولا يرقى لكونه اعترافا بإسرائيل، لكن مصادر لبنانية تشير إلى أنه لا أحد من اللبنانيين سواء من نواب البرلمان أو الشعب يعرف فحوى الاتفاق، ما يدفع للتساؤل حول حقيقة ما إذا كان الاتفاق اعترافا بإسرائيل، وما مكاسب إسرائيل من ادعاء لبيد.

هل يعتبر الاتفاق اعترافا بإسرائيل؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، قال في مستهل اجتماع مجلس الوزراء الخاص بالموافقة على الاتفاقية، “هذا إنجاز سياسي، فليس كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره”.

من جهته، الرئيس الأميركي جوبايدن، قال يوم أمس، إن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يمثل اختراقا تاريخيا.

الوسيط الأميركي لاتفاق ترسيم الحدود آموس هوكتشاين “وكالات”

محمد الليثي، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الاتفاقات من هذا النوع لا تُعتبر اعترافا بين الدول ببعضها، واتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل لا يُعتبر اعترافا لبنانيا بإسرائيل، فهذا الاتفاق سببه وجود خلاف بين الطرفين على حقول الغاز، لذلك تدخل طرف دولي ثالث لحل هذا الخلاف لعدم وجود علاقات بين الطرفين وعدم وجود اعتراف سابق من قبل لبنان بإسرائيل، مبينا أن هناك العديد من الاتفاقات جرت بين دول لا تعترف ببعضها، ولكن من أجل تنسيق بعض الأمور.

من جهتها، الصحفية اللبنانية، سوسن مهنا، ترى خلال حديثها لـ”الحل نت”، أنه من الطبيعي أن يكون هذا الاتفاق اعترافا من قبل لبنان بإسرائيل كدولة، ففي الاتفاق سيقوم كل من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية بالتوقيع، بصرف النظر عن عدم وجود الطرف الإسرائيلي على نفس الطاولة، وهذا الاتفاق سيصل إلى إسرائيل ليتم توقيعه من قبل المسؤولين الإسرائيليين أيضا، أي أنها مراسم رسمية، بمعنى أن لبنان اعترف بدولة إسرائيل.

في هذا السياق، فإن ادعاء لبيد، بأن لبنان اعترف بإسرائيل، يراه مراقبون على أنه مكسب على المستوى السياسي بالنسبة لإسرائيل، إضافة للمكسب الاقتصادي بالحصول على غاز “كاريش” وجزء من غاز “قانا”.

الليثي، يشير إلى أن إسرائيل تبحث منذ عقود عن الاعتراف بأي شكل من الأشكال من الدول العربية، فأي اعتراف عربي هو مكسب يعطي إسرائيل شرعيتها كدولة في المنطقة، وهذا سبب تصريح لبيد، فإسرائيل تسعى لتعزيز علاقاتها في المحيط العربي والإسلامي بشكل عام.

أما مهنا فترى أن تصريح لبيد ليس ادعاء، إنما من حقه أن يقول، إن لبنان اعترف بإسرائيل، لأن لبنان بهذا الاتفاق منحه سلاما وهدنة طويلة، مضيفة أنه حتى الآن لا أحد من اللبنانيين يعرف فحوى الاتفاق، ومن حق لبيد التباهي بعد أن حصل على 17 بالمئة أيضا من حقل “قانا” للغاز وهو الحقل اللبناني.

ترسيم الحدود مقدمة للسلام؟

خلال السنوات الماضية، فشلت كل الجهود الدولية والإقليمية للتوصل إلى اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل، نتيجة لانخراط لبنان عن طريق “حزب الله”، بما يسمى محور المقاومة ضد إسرائيل، وتبني القضية الفلسطينية “نظريا”.

لكن بعد الاتفاق الخاص بين الطرفين حول ترسيم الحدود البحرية وتقاسم حقول الغاز، يرى مختصون أن هذا الاتفاق يشكل تغييرا جوهريا ومهما في النظرة اللبنانية بشكل خاص إلى شكل العلاقة مع إسرائيل، مبينين أنها تحولت من الرفض المطلق لأي تعامل مع إسرائيل إلى توقيع اتفاق تاريخي، قد يمهد الطريق لاتفاق سلام وتطبيع وإن كان على المدى غير المنظور.

بحسب الليثي، فإنه لا شك أن ترسيم الحدود هو مقدمة لعلاقات بين الطرفين، فالاتفاق أمر غير مسبوق بين لبنان وإسرائيل وسط الأزمة المعروفة بينهما، ومن الممكن أن يكون بداية لتعاون أو علاقات على “استحياء” ثم علاقات دبلوماسية يمكن أن تشهد سلاما دائما واعترافا لبنانيا بإسرائيل ولكن هذا سيكون على المدى البعيد.

من جهتها، سوسن مهنا لا تعتقد أن الاتفاق سيؤدي إلى توقيع اتفاقية للسلام بين الطرفين حاليا، لكنه مقدمة للسلام الذي يبنى على تطبيع العلاقات بين الطرفين وهذا يحتاج لوقت طويل، لافتة إلى أن ما يهم إسرائيل في الوقت الحالي، تأمين حدودها الشمالية إضافة لاستخراج وتصدير الغاز.

مهنا، أشارت أيضا إلى أن هناك علاقات اقتصادية باتت أمرا واقعا بين لبنان وإسرائيل، ما يدفع للقول بأن اتفاق ترسيم الحدود هو تطبيع “اقتصادي”، فهناك حقول غاز وأنابيب مشتركة بين الطرفين وإن كانت تُدار من قبل شركات أجنبية.

قد يهمك:اتفاق ترسيم الحدود.. ما هي مكاسب لبنان وإسرائيل؟

تأثير العلاقات على إيران

إيران استطاعت خلال السنوات السابقة عبر ذراعها “حزب الله” اللبناني، السيطرة على لبنان والتحكم به من خلال فرض الحزب لسياساته بقوة السلاح، لكن الاتفاق مع إسرائيل من الممكن أن يؤثر على النفوذ الإيراني في لبنان، خاصة أن الحزب سيرضخ للاتفاق وسيمتنع عن مهاجمة الحدود الشمالية لإسرائيل.

الليثي يؤكد أن أي تطور في العلاقات اللبنانية الإسرائيلية، سيؤثر سلبا على النفوذ الإيراني في لبنان، لافتا إلى أن إيران و”حزب الله”، من الممكن أن يشكلا عقبة أمام استمرار هذا الاتفاق في المستقبل خاصة إذا لمست إيران تهديدا جديا لمصالحها.

الليثي يشير أيضا، إلى أن الاتفاق أو أي تعاون بين الطرفين حاليا هو مبني على مصالح اقتصادية، وأي اشتباك أو تحرك أو معركة على الحدود الشمالية لإسرائيل سيؤثر على الاستقرار في لبنان، ولبنان يريد الهدوء للاستفادة من الغاز.

مهنا ترى أن العلاقات بين لبنان وإسرائيل ستبقى هادئة كما هي عليه الآن وستكون بمثابة هدنة طويلة، ولن يتمكن “حزب الله” من القيام بأي أعمال عسكرية أو أمنية على الحدود الشمالية لإسرائيل، أما بالنسبة للنفوذ الإيراني فمن المتوقع أن يبقى طالما بقي “حزب الله” موجود في الساحة اللبنانية، وهو الذي أسس لوجوده في لبنان.

سلام اقتصادي

وسط فشل عملية السلام الشامل الذي يرتكز على السياسة وتطبيع العلاقات السياسية بين لبنان وإسرائيل على مدار السنوات الماضية، يرى خبراء أن أهم الأهداف البعيدة لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، هو إثبات مدى إمكانية نجاح نموذج ما يُسمى بـ “السلام الاقتصادي”، وهو النموذج الذي حاولت إسرائيل منذ نهاية الألفية الماضية تطبيقه على الصراع مع الفلسطينيين، بجعل الحوافز الاقتصادية كبديل لتعطل التسويات السياسية، ووسيلة لخفض العنف المتبادل بين الجانبين.

الخبراء يشيرون إلى أن الاتفاق مع لبنان يمكن أن يكون نموذجا ناجحا لـ”السلام الاقتصادي” الذي يتغلب على الأيديولوجيا وذهنية العداء والحواجز النفسية التي زرعتها المواجهات المستمرة بين البلدين، ويمكن تطبيقه على الحالة الفلسطينية لاحقا، خاصة إذا صمد هذا الاتفاق بين لبنان وإسرائيل، واجتاز العقبات الآنية والمستقبلية، ستكون فكرة استبدال التعاون الاقتصادي بالصراع العسكري، وذلك عبر اتفاقات اقتصادية وتجارية وتعاون ثنائي وإقليمي تحقق مصالح كل الأطراف، قد تثبت نجاحها استنادا إلى النموذج اللبناني.

الوسيط الأميركي خلال مناقشة الاتفاق مع الرئيس اللبناني ميشال عون “وكالات”

الخبراء يشيرون أنه لا يمكن التقليل من أهمية الاتفاق لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، خاصة في ظل التوترات الدولية على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا المستمر منذ أكثر من ثمانية أشهر.

أيضا يضيفون أن الاتفاق جاء في ظل خلافات داخلية إسرائيلية كبيرة نتيجة الانتخابات العامة الإسرائيلية، في مقابل ذلك فإن الموقف اللبناني الموحد كان لافتا للنظر، لا سيما لناحية الانكفاء الشكلي لـ”حزب الله” وترك التفاوض للدولة اللبنانية، ولكن هناك مرافقة ضمنية من الحزب لإتمام المفاوضات والاتفاق فهو القوة الأهم المسيطرة على الساحة السياسية والعسكرية في لبنان.

كما يشيرون إلى أن لبنان حقق اختراقا مهما هو بحاجة ماسة إليه، لا سيما على ضوء تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، ودخوله في حالة من الانهيار الكبير وتراجع قيمة عملته الوطنية وبلوغ معدلات التضخم مستويات غير مسبوقة، وهي التي تترك آثارا مدمرة على مختلف الشرائح الاجتماعية اللبنانية التي لامست حدود الفقر بغالبيتها الساحقة.

من الرابح من الاتفاق؟

بحسب مراقبين فإن كلا من لبنان وإسرائيل لا يعتبران رابحين في هذا الاتفاق، فإسرائيل تخلت على الأرجح عن أراض أكثر مما أرادت في البداية، لكنها ستستفيد أكثر على المدى القصير من مبيعات الغاز في ظل ظروف أمنية أفضل. على الجانب الآخر، حصل لبنان على أرض لكنه لن يتمكن من استغلالها على الفور.

على الرغم من ذلك، تحاول الحكومتان المؤقتتان في لبنان وإسرائيل جاهدتين لدفع الصفقة للأمام في الوقت المحدود الذي تبقى لكل منهما في السلطة.

في إسرائيل، لا يزال من الممكن أن يأتي التحدي الجاد للصفقة من قبل السياسيين اليمينيين. فقد اتهم زعيم المعارضة، بنيامين نتنياهو، حكومة لابيد، بالاستسلام لابتزاز “حزب الله”. وأقسم نتنياهو على إلغاء الصفقة إذا عاد إلى السلطة بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

أما في لبنان، فيرى محللون في قطاع الطاقة أن التفاصيل الخاصة بلبنان تترك الكثير للنقاش بشأنه. فمن الواضح أنه سيتم التفاوض على العديد من التفاصيل في المستقبل. مضيفين أن هناك أيضا حقيقة أنه عندما يتعلق الأمر بتسوية هذه الأمور، فإن لبنان وإسرائيل لا يتحدثان مع بعضهما البعض بشكل مباشر، مما يترك شركات الطاقة في هذه المهمة الصعبة.

إقرأ:اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. ما تبعاته وتأثيره؟

الاتفاق بين لبنان وإسرائيل تم، ما يفتح الباب على احتمالات عديدة في المستقبل لتطور شكل العلاقات بين البلدين، ففي الوقت الذي يكون العداء السياسي في أشده بين الدول تسيطر المصالح الاقتصادية والأمنية على كل شيء، ما يدفع للقول، إنه ربما تكون هناك تفاهمات أخرى بين الطرفين في المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة