مدفوعة بالعديد من المخاوف الأمنية المتعلقة بانتشار الميليشيات الإيرانية وعصابات المخدرات، استقبلت الأردن قبل أيام وزير الخارجية الروسي. إذ يبدو أن موسكو تسعى لاستغلال مخاوف عمان في إطار محاولات كسب التأييد والحصول على مزيد من الحلفاء في ظل العزلة التي تعاني منها موسكو بسبب غزوها للأراضي الأوكرانية.

استغلال موسكو لعمّان

موسكو تسعى كذلك إلى التأثير على مواقف بعض الدول ومنها الأردن، ليكون أكثر حيادية في ملف غزو الأراضي الأوكرانية، وقد وجدت موسكو من المخاوف الأمنة بابا للتفاوض مع الأردن، الذي يعاني من تبعات الفوضى وانعدام الأمن على حدوده مع سوريا، لكن هل يمكن لموسكو أن تلعب دورا في إرساء الاستقرار على الحدود السورية الجنوبية.

القيادة الروسية كانت قد لعبت دورا سابقا في الملف الأمني في الجنوب السوري، وذلك خلال تفاهمات بين موسكو وتل أبيب على إبعاد الميليشيات الإيرانية من مناطق الجنوب، في إطار طلبات تل أبيب المتعلقة بأمنها القومي والاستراتيجي.

فشلت روسيا بالطبع في السيطرة على التمدد الإيراني، ذلك ما كان سببا في تصاعد وتيرة الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع الميليشيات الإيرانية وتحركاتها، وخاصة في مناطق الجنوب، ذاتها التي تعاني منها الأردن.

مطلع الشهر الجاري، أكد الملك الأردني عبد الله الثاني، أهمية تثبيت الاستقرار في سوريا، وخاصة في المناطق الجنوبية، وذلك خلال استقباله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ما يعني أن الأردن سيفتح مجال ربما للتواصل مع موسكو، ذلك ما أثار مخاوف حول انعكاسات ذلك على الأردن في ظل العزلة التي تعاني منها روسيا.

أهداف أمنية

الخبير الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة، رأى أن الأردن أراد تفعيل التواصل مع روسيا، لأسباب تتعلق بمخاوفه الأمنية على حدوده الجنوبية مع سوريا، إذ يسعى لأن تكون روسيا لاعبا مهما في ذلك الملف، مستبعدا أن يكون هناك أي تحالف بين عمان وموسكو.

السبايلة قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الخطر يزداد على الأردن بسبب الأوضاع في الجنوب السوري وعلى الحدود، خاصة مع انتشار الميليشيات وعصابات الجريمة والمخدرات، ومؤخرا ظهور داعش بصورة قوية، بالتالي يسعى الأردن أن يكون ضامن في هذه المنطقة“.

كذلك يعتقد السبايلة أنه لا أحد يضمن إبعاد الميليشيات من الحدود السورية الأردنية، وبالتالي فإن روسيا لن تتمكن من تبديد مخاوف الأردن الأمنية أو لعب دور إيجابي في هذا الملف.

السبايلة أضاف “لا أحد يستطيع أن يضمن إبعاد الميليشيات إلا عَبر تفاهمات، والأردن إلى الآن لم ينجز تفاهمات حقيقية مع النظام السوري، تسمح له أن يكون شريك، والجزء الثاني أن روسيا بلا شك اليوم لا يمكن لها أن تلعب دور يعول عليه من جانب الأردن، لكن يبقى أحد الطرق التي تعتبر نافذة بالنسبة للأردن لإنهاء الأزمات على الحدود مع سوريا“.

وحول انعكاسات فتح قنوات التواصل بين موسكو وعمان على الحكومة الأردنية، أوضح السبايلة أن ما جرى بين الجانبين لا يمكن ان يصل إلى مستوى الحلف، وبالتالي لا يعني هذا التواصل أن الأردن يمكن أن تصبح حليفة لموسكو.

حول ذلك زاد بالقول، “ليس هناك حلف حقيقي، يمكن أن يسمى استمرار لفكرة رغبة الأردن في أن تكون روسيا أحد الضمانات، باعتبار أن وجود روسيا هو أمر واقع في سوريا، والأردن يعتبر أن وجود الروسي أمر واقع، على الأقل هناك قناة تحاور لإيجاد تفاهمات ما، لكن لا يمكن أن ترقى لمستوى الحلف بين عمان وموسكو“.

في المؤتمر الصحفي بين لافروف والصفدي مؤخرا، قال الوزير الصفدي، ” تركيزنا كان على الأزمة السورية وبحثنا الخطوات الكفيلة بمواجهة الأوضاع في الجنوب السوري“، مضيفا، ” المملكة الأردنية ستستمر بالعمل على حماية أمنها في مواجهة الأوضاع بالجنوب السوري“.

لذلك فالأردن معني ببحث موضوع الجنوب السوري مع روسيا، من أجل منع انتشار المخدرات والسلاح، وأيضا التنسيق في ذلك مع حكومة دمشق ومع الفصائل المتواجدة في الجنوب، كما أن الأردن يطالب روسيا بالضغط على الميليشيات الإيرانية في الجنوب لاعتقاده بقدرتها على ذلك.

جهود أردنية متزايدة

منذ نحو عام والمسؤولون في حكومة عمّان، لا يتوقفون عن إجراء الزيارات والمباحثات مع المسؤولين العرب، لجمع دعم عربي من شأنه المساهمة في الحل السوري، ما قد يساعدها من تقليل المخاطر على الحدود المشتركة مع سوريا، لا سيما فيما يخص قضية المخدرات العابرة للحدود.

في إطار مساعي الأردن لإنهاء أزمة الحدود، أطلقت حكومة عمان مبادرة قبل أكثر من عام، من شأنها المساعدة في الوصول إلى حل سياسي في سوريا.

وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، اجتمع قبل أسابيع مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، حيث ناقشا خلاله العملية السياسية التي يقودها المبعوث بتفويض من الأمم المتحدة بين دمشق والمعارضة السورية، وفق قرار مجلس الأمن 2254، ومبدأ خطوة مقابل خطوة، إضافة إلى المبادرة الأردنية.

تحاول الأردن تكثيف جهودها للوصول إلى مبادرة مدعومة عربيا وأمميا، للحل في سوريا، لكن بالنظر إلى كل ما حصل خلال العملية السياسية والمفاوضات بين الأطراف السورية، لا يبدو أن لـ“بيدرسون” تأثير على مسار الحل السياسي في البلاد، لا سيما من خلال قراءة ما أنجزه خلال مشواره في اللجنة الدستورية مثلا.

لكن ما يشير إلى إلحاح الأردن على تحقيق أي تقدم في العملية السياسية، تصريح الوزير الصفدي عندما قال قبل نحو أسبوعين خلال تصريحات نقلها موقع “المدن“، “لا يمكن التعايش مع الوضع الحالي في سوريا، وما ينتجه من معاناة للسوريين وانعكاسات سلبية على المنطقة وخصوصا الدول المجاورة” يقصد بلاده بالطبع.

عوائق وفرص

أواخر العام الماضي، بدأت الجهود الأردنية، لصياغة مبادرة أردنية، تهدف لتقديم رؤية للحل السياسي في سوريا، ووصلت التجارب الأردنية، إلى محاولة إعادة العلاقات مع دمشق، ليتبيّن فيما بعد أن دمشق بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد، لا تستطيع ضبط الميليشيات الإيرانية والحدود السورية الأردنية، لتلجأ الأردن في مبادرتها لجمع جهود عربية.

بالتأكيد فإن فرص نجاح المبادرة كما فرص فشلها، لكن ما قد يمكّن الأردن من تحقيق تقدم في مبادرتها، هو انشغال روسيا حاليا بتبعات غزوها لأوكرانيا، فضلا عن علاقاتها الجيدة مع موسكو، كذلك انشغال إيران التي عرقلت الجهود الأردنية في وقت سابق، في التوترات الداخلية والمظاهرات في الداخل الإيراني.

كذلك فإن الأردن، يواجه عقبات أمام هذه المبادرة، أبرزها فشل حكومة دمشق بالسيطرة على الميليشيات الإيرانية، فضلا عن رفض دمشق تقديم أي تنازلات على مستوى المفاوضات السياسية، للمضي قُدما في ملف الحل السياسي.

الصحفي الأردني والمحلل السياسي إياد خليفة، رأى أن الأردن قد يساهم في المصالحة في إطار عربي أو إقليمي، مشيرا إلى أن مبادرة الأردن قد تشهد إعادة صياغة عما كانت عليه العام الماضي، ويتم طرحها في القمة العربية في الجزائر.

خليفة قال في حديث سابق مع “الحل نت“، “لا يمكن للنظام أن يوافق عليها، كونه يُطالب بتنازلات من الأطراف الأخرى، مستغلا بذلك ما يعتبره نصرا لروسيا في أوكرانيا، وصمودا إيرانيا في فيينا، وهذا باعتقاده نصر له، بالتالي فإن فرص نجاح أي مبادرة مع النظام ستكون مرتبطة بإقرار النظام السوري الأمور من زاوية أخرى، وتقديم تنازلات للشعب السوري“.

خليفة، يعتقد أن العوائق التي تواجه المبادرة الأردنية، تتمثل بشكل أساسي أيضا، بأن القرار السوري، ليس بيد السلطة في دمشق، مع اتساع رقعة التدخل الإيراني في البلاد.

ما يشجع الأردن على المضي قُدما في المبادرة، التغيرات الإقليمية والدولية الأخيرة، ففضلا عن إعادة ترتيب روسيا أولوياتها بعد غزو أوكرانيا، هناك الموقف التركي المتوجه لإعادة العلاقات مع دمشق، وتوافق وجهات النظر غير المعلن بشأن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

بحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“، فإن مساعي الأردن مدفوعة بثلاث ملفات رئيسية، هي قضية المخدرات والفلتان الأمني التي تعاني منه الحدود مع سوريا، وقضية العمق العربي، التي هي مرتبطة بعواطف أكثر منها بمواقف حقيقية، وبدرجة أقل قضية غاز شرق المتوسط، والانتهاء من أي عقبات أو عراقيل لاكتشاف الغاز من قِبل إسرائيل، وهذه قضية لا تخص الأردن مباشرة، ولكن مدفوعة بها من قِبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، خاصة في ظل التوافق الإسرائيلي اللبناني، حول ترسيم الحدود.

ومع فشل هذه المبادرات، تحاول الأردن تحقيق أي تقدم يكون لروسيا دورا إيجابيه فيه، لكن وبالنظر إلى المعطيات في الجنوب السوري وانشغال روسيا في حربها بأوكرانيا، لا يبدو أن موسكو يمكن لها أن تلعب أي دور في إرساء الأمن والاستقرار في مناطق الجنوب السوري وعلى الحدود المشتركة بين عمان وسوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة