تَغير لافت في التعامل من قِبل الحكومة التركية مع جماعة “الإخوان المسلمين” خاصة المقيمين على أراضيها، إذ بدأت عناصر “إخوانية” بارزة في توجيه انتقادات حادة لتوقيف عناصر محسوبة على الجماعة، خاصة بعد رفض وساطات من قيادات للإفراج عنهم.

الخلاف الذي اتخذ مسارا علنيا عبر منصات وحسابات إلكترونية لنشطاء “الإخوان”، يأتي وسط أنباء عن اتجاه الحكومة التركية إلى ممارسة مزيد من الضغط على عناصر الجماعة، وترحيل أو تسليم بعض المطلوبين منهم على ذمة قضايا جنائية لدى دول أخرى، ما أدى لتوجيه بعض الانتقادات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

خلاف اعتبره البعض أقرب إلى الشقاق بين الطرفين، يدفع للتساؤل حول أسباب تغير الموقف التركي، وكيفية تعامله مع الجماعة ومستقبل العلاقة بينهما.

المصلحة التركية والمصالح المتبادلة

عودة التقارب مع مصر، كانت بمثابة نقطة تحول مهمة في تغير التعامل التركي مع جماعة “الإخوان المسلمين”، حيث أوقفت الحكومة التركية العديد من البرامج المناهضة للحكومة المصرية، كما منعت العديد من نشطاء “الإخوان” من إيقاف برامجهم، وشنت حملات دهم على مناطق سكنهم في إسطنبول، وألقت القبض على العشرات منهم واقتادتهم للتحقيق معهم بعد ثبوت تورطهم في استغلال حساباتهم على مواقع التواصل للدعوة لمظاهرات في مصر.

من اللقاءات التركية المصرية “وكالات”

أحمد زغلول، الخبير المصري في الجماعات الإسلامية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن العلاقة بين تركيا و”الإخوان المسلمين” مبنية على مصالح متبادلة في الأصل، فتركيا ترى في الجماعة أحد أدوات تمددها أو سيطرتها، أو أحد الأدوات التي تُثير الجدل بشكل أو بآخر باعتبارها جزءا من سياستها الإقليمية والدولية.

النظام التركي الحالي “العدالة والتنمية”، هو نظام إسلامي ولديه صراعات مع السعودية ومصر وإيران، عنوانها “قيادة العالم الإسلامي”، وإذا تم استثناء إيران كدولة شيعية، تبقى المنافسة بين الدول الثلاث الكبرى في المنطقة على زعامة العالم السُّني، كما أن فكرة الخلافة الإسلامية أحد أوجه الرؤية التركية الهامة، وبالتالي هناك دعم للحركات الإسلامية وعلى رأسها جماعة “الإخوان المسلمين”، باعتبارها الفصيل الديني السياسي الأكبر.

لكن وزن ورقة “الإخوان” بالنسبة لتركيا وزن متغير، والوضع حاليا ليس كما في السابق حيث تراجع لأسباب عدة، أبرزها التغيرات الإقليمية وإعادة التقارب بين تركيا والدول العربية، وسوء الأداء السياسي لـ”الإخوان المسلمين”، فخلال أكثر من 8 سنوات من وجودهم في تركيا لم ينجحوا في تحقيق أي مشروع سياسي يدعم عودتهم للمشهد السياسي سواء في الحكم أو في المعارضة، إضافة إلى الصراعات داخل الجماعة نفسها والتي أدت لانقسامها لثلاث مجموعات أضعفت أي وزن محتمل لها، بحسب زغلول.

أما فراس رضوان أوغلو، الكاتب المتخصص بالشأن التركي، فيشير إلى أن تركيا تبحث عن مصالحها ووفق قوانينها، لافتا إلى أن تركيا ترسل رسائل إلى “إخوان” مصر بشكل خاص أنهم لا يجب أن يكونوا عائقا ضد المصالح التركية، مؤكدا قدرة تركيا على التحكم بمعظمهم خاصة الذين مُنحوا الجنسية التركية.

بالنسبة للعلاقات بين تركيا ومصر، فـ “الإخوان” ليسوا وحدهم العائق أمام تطورها وإن كانوا أحد الأسباب، فهناك علاقات مصر مع بعض الدول الأوروبية كاليونان وفرنسا تجعل من العلاقات التركية المصرية منخفضة على عكس العلاقات الجيدة بين تركيا ودول عربية أخرى، إذا مصر غير قادرة حاليا على رفع تمثيل علاقاتها بتركيا لأسباب جيوستراتيجية، بحسب أوغلو.

إمساك العصا من المنتصف

آراء مختلفة حول السياسة التركية الأخيرة مع “الإخوان المسلمين”، فالأول يرى أن تركيا بدأت بمراجعة علاقاتها مع “الإخوان” بعد أن أصبحوا عبئا عليها ويعرقلون استعادة علاقاتها مع الدول العربية وخاصة مصر، أما الثاني فيرى أن ما تقوم به تركيا من توقيف أشخاص محسوبين على الجماعة ليس تغيرا جوهريا على علاقة الطرفين، معتبرين أن تركيا تمسك بالجماعة كورقة ضغط على دول عربية وأجنبية على حدا سواء، ومستبعدين فرضية للتسليم لدول أخرى.

أحمد زغلول، يرى أن تركيا ترى في الجماعة ورقة للضغط من أحد الأوراق التي تمسكها، وبالتالي فلن تتخلى عنها على الأقل في ظل استمرار الحكومة الحالية، ولكن في المقابل فلن يكون هناك دعم مطلق وهذا هو الحال في الوقت الحالي، حيث انخفض الدعم التركي لـ “الإخوان” للحدود الدنيا من خلال منحهم الإقامة الإنسانية على الأراضي التركية، والتهديد برفعها بين الحين والآخر عن الأفراد الذين يثيرون الجدل بآرائهم حول دول الجوار، وهذا ما حصل مع بعض الأدوات الإعلامية والرموز الإعلامية الإخوانية بتركيا، والتي كانت تهاجم النظام المصري بعد التقاربات التي حصلت بين تركيا ومصر خلال العام الأخير، لكن تركيا لن تتخلى عنهم مع استمرار ضغط وتحجيم نشاطهم من وقت لآخر ودون رفع الحماية عنهم.

من جهته، فراس أوغلو، يرى أن تركيا تمسك العصا بالنسبة لـ “الإخوان” من المنتصف، من خلال منعهم من الإساءة لأي دولة عربية بما فيها مصر خاصة بعد تطور العلاقات التركية العربية ومنها دول الخليج العربي، وأيضا السماح للجماعة بممارسة نشاط إعلامي سليم لا يضر بعلاقة تركيا بأي دولة أو بمصالحها.

ما مستقبل العلاقات بين تركيا والإخوان؟

العديد من الخبراء يستبعدون فرضية تسليم تركيا عناصر من الإخوان لمصر خلال الفترة المقبلة، لافتينَ إلى أن هناك عناصر “إخوانية” أكثر خطورة مثل أشخاص متورطين في تخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية داخل مصر، ومع ذلك منحتهم السلطات التركية الجنسية، حيث أن تسليم عناصر “إخوانية” لمصر أو لأي دولة عربية أخرى من شأنه أن يضر بالصورة التي يريد الرئيس التركي تكريسها لنفسه، وسيضر أيضا بعلاقاته الوطيدة بالتنظيمات الإسلامية؛ ما يعني عدم ترجيح حصول ذلك في المستقبل المنظور.

من قيادات الإخوان المسلمين المصريين في تركيا “وكالات”

 أحمد زغلول، يرى أن مستقبل العلاقات بين تركيا و”الإخوان المسلمين”، مرتبط بعوامل عديدة أهمها، بقاء النظام السياسي التركي الحالي أو رحيله في الانتخابات القادمة، وطبيعة الانقسام الموجود في الجماعة نفسها وما إذا ستكون قادرة على تجاوزه وتوحيد قيادتها، وطرح مشروع للعمل عليه وتوحيد الجهود في سبيل الانتقال بأوضاع الجماعة من المرحلة الالية إلى مرحلة أكثر فاعلية، وأيضا المشهد الإقليمي والتحولات الإقليمية سيكون لها تأثير بشكل أو بآخر على طبيعة العلاقة بين الطرفين أي بالنتيجة، لن يكون هناك دعم مطلق ولا عداء مطلق.

أما فراس أوغلو، يشير إلى أن العديد من قيادات “الإخوان” غادروا تركيا إلى بريطانيا ودول أخرى، أي من لا تعجبه القرارات والقوانين والسياسة التركية يمكنه المغادرة وتركيا لن تمنعه، وأي شخص من الجماعة يرغب بالبقاء في تركيا فعليه الالتزام بقوانينها.

أوغلو ختم بأن مستقبل العلاقات بين تركيا و”الإخوان المسلمين”، لن يكون سياسيا أبدا، إلا إذا حصلت مصالحة في المستقبل بين الجماعة والحكومة المصرية، وهذا مستبعد في المستقبل القريب.

على الرغم من الموقف التركي الحالي من الجماعة، إلا أنها تعارض تصنيف مصر لـ “الإخوان المسلمين” جماعة “إرهابية” بل هي حركة سياسية، حيث تعمل تركيا على الترويج بأن علاقاتها الدولية لا تبنى مع أحزاب أو حركات، إنما مع حكومات ودول، ويبرر المسؤولون الأتراك موقفهم مما جرى في مصر على أنهم يعارضون الانقلاب، بصرف النظر عن الجهة التي تحكم، لافتينَ أكثر من مرة أنه لو كان الانقلاب حصل ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكانوا ضده.

قد يهمك:العضوية المستحيلة: الاتحاد الأوروبي يستبعد تركيا مجددا من توسعه

من غير الواضح إلى أي مدى ستذهب تركيا في تقليص دعمها لجماعة “الإخوان المسلمين”، فمن الواضح أنها مهتمة بتقوية علاقاتها مع الدول العربية خاصة السعودية والإمارات، ومهتمة بتطبيع العلاقات مع مصر. ومع أن جميع الأطراف مستعدة للتخفيف التدريجي للتصعيد من أجل الاستفادة اقتصاديا، لكن سيظل الحذر قائما بسبب وجود قضايا الخلاف المركزية، وأبرزها علاقة تركيا بجماعة “الإخوان المسلمين”، وكذلك وجودها العسكري في ليبيا وسوريا. وأيضا بسبب السوابق التاريخية لأردوغان في تحويل سياساته الخارجية بشكل جذري ومفاجئ، لهذا فإن العلاقة فوق السياسية بين أنقرة والجماعة تجعل من المستبعد قطع الروابط مع “الإخوان المسلمين”، وفي أقصى الحالات سيتعلق الأمر بخفض الدعم مع بقاء الروابط قائمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة