ثلاثة وعشرون عاما مرت على المساعي التركية للانضمام للاتحاد الأوروبي، ليأتي التقييم السنوي الأخير للاتحاد والذي يشمل ضم بلدان جديدة سلبيا تجاه تركيا، الأمر الذي سيبقي ملف انضمام تركيا للاتحاد معلقا من جديد.

حيث تقوم دواعي النهج الأوروبي السلبي تجاه انضمام أنقرة على عاملين أساسيين، أولهما ما يراه الأوروبيون تدهورا للنظام السياسي الديمقراطي التركي منذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016. وثانيهما، الاختلافات الجذرية بين السياسات الخارجية لتركيا والاتحاد الأوروبي، وخاصة في ظل التدخلات العسكرية لأنقرة في ليبيا وسوريا والصراع في شرق المتوسط بشأن التنقيب على الغاز والملف القبرصي.

أيضا يُمكن أن يزيد التقييم الأوروبي السلبي من متاعب الاقتصاد التركي، الذي يعاني من أزمة مديدة مع تدهور سعر صرف الليرة والارتفاع الكبير في معدلات التضخم، بالنظر إلى أن التقييم يُضعِف من ثقة المستثمرين بالاقتصاد التركي. كما أن التقييم سيكون ورقة بيد المعارضة التركية، التي ستستخدمه ضد الرئيس أردوغان وتحالفه الانتخابي، خلال استحقاق 2023.

لكن على الرغم من ذلك، من المُرجح أن تحافظ العلاقات الأوروبية التركية على استقرارها الحالي حتى موعد الانتخابات التركية. أما على المدى البعيد فإن المسار الأكثر توقعا، هو استعصاء قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، وخاصة في ظل استمرار حكم حزب العدالة والتنمية. لكن ذلك لن يمنع أنقرة وبروكسل من محاولة الالتقاء في مساحة وسط، بهدف تعميق مصالحهما المشتركة.

أسباب النهج الأوروبي ضد تركيا

في الثاني عشر من الشهر الجاري، اعتمدت المفوضية الأوروبية حزمة التوسيع لعام 2022، التي قدمت تقييما مفصلا لحالة التقدم الذي أحرزته دول غرب البلقان وتركيا في مسارات كل منهما نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وانتهت إلى منح وضع المرشح للبوسنة والهرسك، في مقابل بقاء تركيا في التقييم السلبي نفسه، بعد حوالي 23 عاما من دخول قائمة الدول المرشحة. يأتي هذا القرار الأوروبي في سياق جيوسياسي استثنائي تعيشه القارة، عنوانه الأبرز الحرب الأوكرانية الروسية وتبعاتها السلبية على الطاقة والاقتصاد، وبروز الدور التركي في هذا السياق.

تركيا ومنذ العام 1999 كانت مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي. فُتحت مفاوضات الانضمام في عام 2005. ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن فُتِحَ 16 فصل من أصل 35 من فصول شروط الانضمام. لكن منذ يونيو 2018، توقفت المفاوضات بين الطرفين بشكل فعلي، ودخلت العلاقات بينهما حالة من التدهور بشكل تدريجي.

البرلمان الأوروبي “وكالات”

في إحاطته السنوية في 12 تشرين الأول/أكتوبر حول المفاوضات مع تركيا، قال أوليفر فارهيلي، المفوض الأوروبي للجوار والتوسع، إن تقييم المفوضية أكد أن أنقرة لم تعكس الاتجاه السلبي المتمثل في الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي مع التراجع المستمر في المجالات الرئيسة للحقوق الأساسية وسيادة القانون واستقلال القضاء، وتدهور الحوكمة الاقتصادية واختلالات الاقتصاد الكلي.

من خلال التقارير التي أصدرتها المؤسسات الأوروبية حول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي على مدى السنوات الأربع الماضية، وآخر تقرير حول حزمة التوسع، فإن دواعي النهج الأوروبي السلبي تجاه انضمام أنقرة تقوم على عاملين أساسيين.

الأول طبيعة النظام السياسي والقضائي التركي، حيث يرى الأوروبيون أن تركيا تشهد تراجعا كبيرا عن الإصلاحات في المجالات الرئيسة لعملية الانضمام. ففي أعقاب محاولة الانقلاب عام 2016، تدهورت باستمرار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان واستقلال القضاء، وسط تزايد مركزية السلطة. وتسارعت وتيرة هذا الاتجاه بعد دخول النظام الرئاسي الجديد حيز التنفيذ في عام 2018. وقد تأثرت بشكل كبير العديد من الضوابط والتوازنات في النظام الديمقراطي.

الحكومة التركية أعادت تشكيل مؤسسات الدولة والمؤسسات العامة، مما قوض استقلاليتها. كما أُضعِفَ دور البرلمان بشكل كبير. وإضافة إلى ذلك، عُزِلَ 59 من أصل 65 رئيس بلدية منتخبين ديمقراطيا من “حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد واستُبدلوا بأوصياء معينين من قبل الحكومة، ثم طلب المدعي العام في محكمة النقض رسميا حل “حزب الشعوب الديمقراطي”. كما يُمرر معظم التشريعات في إجراءات عاجلة دون المشاركة المناسبة والتشاور مع أصحاب المصلحة.

الضغط السياسي على القضاة والمدّعين العامين، أدى إلى التأثير سلبا على استقلال القضاء. وتحتجز السلطات وتلاحق وتدين أفرادا من بينهم صحفيين وطلاب ومحاميين وسياسيين معارضين ونشطاء في الغالب بتهم فضفاضة تتعلق بالإرهاب. كما ترفض السلطات التركية تنفيذ الأحكام النهائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بما في ذلك تلك المتعلقة بالإفراج عن معتقلين سياسيين، على الرغم من القرارات التي اتخذتها لجنة وزراء مجلس أوروبا.

بحسب التقرير الجديد الصادر في منتصف أكتوبر الجاري فإنه على الرغم من رفع حالة الطوارئ في يوليو 2018، واعتماد تركيا خطة عمل جديدة لحقوق الإنسان، فإن بعض الأحكام القانونية التي تمنح المسؤولين الحكوميين صلاحيات استثنائية والإبقاء على العديد من العناصر المقيدة لحالة الطوارئ ظلت سارية. كما استمر التراجع الخطير فيما يتعلق بقضايا المجتمع المدني، إذ واجهت منظمات المجتمع المدني ضغوطاً متزايدة، واستمرت مساعي الحد من حرياتها في التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. وإلى جانب ذلك، لم تُعزز الرقابة المدنية على قوات الأمن، فقد ظلت مساءلة الجيش والشرطة والمخابرات محدودة للغاية.

أما بالنسبة للنظام القضائي فقد استمر التراجع الخطير الذي لوحظ منذ عام 2016 خلال الفترة المشمولة بالتقرير. وظلت بواعث القلق قائمة، لا سيما بشأن الافتقار المنهجي لاستقلال القضاء والضغط غير المبرر على القضاة والمدعين العامين. وزادت بواعث القلق الخاصة المتعلقة بالتزام القضاء بالمعايير الدولية والأوروبية، لاسيما فيما يتعلق برفض تنفيذ أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

أيضا بحسب التقرير، فعلى الرغم أن تركيا استمرت في تنفيذ خطة العمل الخاصة بحقوق الإنسان لعام 2021 واستراتيجية الإصلاح القضائي لعام 2019. لكن كلتا الوثيقتين فشلتا في معالجة أوجه القصور الرئيسة في القضاء التركي، وتفتقران إلى خطة لإدخال تحسينات كبيرة على الأداء العام للنظام القضائي في البلاد. فقد تم فصل 515 قاضيا ومدعيا بعد محاولة الانقلاب في 2016. وعلى الرغم من تبرئة العديد منهم، فإنهم لم يستعيدوا وظائفهم. ولا يزال الافتقار إلى معايير موضوعية وقائمة على الجدارة وموحدة ومحددة سلفاً لتعيين القضاة والمدعين العامين وترقيتهم مصدر قلق.

أما العامل الثاني، فهو سياسة تركيا الخارجية، فالعقبة الثانية والأهم أمام دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفقا للأوروبيين، هي السياسة الخارجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. إذ يرى تقرير حزمة التوسع، أن السياسة الخارجية التركية الأحادية الجانب ظلت على خلاف مع أولويات الاتحاد الأوروبي في إطار السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، لاسيما بسبب تدخلها العسكري في سوريا والعراق، وعدم التوافق مع تدابير الاتحاد الأوروبي التقييدية ضد روسيا. فقد حافظت تركيا على معدل محاذاة منخفض للغاية مع موقف الاتحاد الأوروبي بشأن السياسة الخارجية والأمنية بنسبة 7بالمئة اعتبارا من آب/أغسطس 2022.

الدعم العسكري التركي لليبيا، بما في ذلك نشر مقاتلين أجانب على الأرض، وانتقادها المستمر وعدم تعاونها مع عملية “إيريني”، أدى إلى الإضرار بالمساهمة الفعالة للاتحاد الأوروبي في تنفيذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وأفضى كل ذلك إلى مقاربات متضاربة بشأن ليبيا. ومع أن تركيا لا تزال لاعبا مهما للغاية في الأزمة السورية، وتشارك الاتحاد الأوروبي في هدف سوريا المستقرة، لكن قواتها حافظت على وجود كبير في المنطقة، وفي أجزاء أخرى من شمال سوريا.

كذلك فإن ملف شرق المتوسط، يُعتبر أبرز عقبة في نظر الأوروبيين لتقريب السياسات الخارجية التركية مع الموقف الأوروبي الموحد، وهو ملف ذو شقيين، يتعلق أولهما بالمسألة القبرصية، والثاني يتعلق بالحدود البحرية والاستكشافات النفطية في المنطقة، حيث يرفض الاتحاد الأوروبي أنشطة حفر غير مصرّح بها من قِبل تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط خلال الفترة المشمولة بالتقرير، بسبب الخلافات مع اليونان، الدولة العضو في الاتحاد.

التقرير الأوروبي أشار إلى أن السفن الحربية التركية أعاقت بشكل غير قانوني أنشطة المسح في المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة. كما استمرت التدريبات العسكرية التركية في المناطق البحرية لقبرص. وقال إن تركيا بحاجة إلى أن تلتزم بشكل لا لبس فيه بعلاقات حسن الجوار والاتفاقات الدولية والتسوية السلمية للنزاعات وفقا لميثاق الأمم المتحدة، واللجوء، إذا لزم الأمر، إلى محكمة العدل الدولية.

لكن من جهة ثانية، فإن التقرير أشار بشكل إيجابي إلى الدور التركي في النزاع الأوكراني، إذ أدانت تركيا التدخل الروسي، ونفذت اتفاقية “مونترو” في البحر الأسود، حيث اقتصر مرور السفن الحربية على تلك العائدة إلى قواعدها. وواصلت الشركات التركية بيع عتاد عسكري لأوكرانيا. كما قدمت مبادرة دبلوماسية لتسهيل تصدير الحبوب الأوكرانية. ومع ذلك، امتنعت تركيا عن الانضمام إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا.

إقرأ:خصم ودفع بالروبل الروسي.. تركيا تسعى للحصول على الغاز

التداعيات جاءت في سياق استثنائي

التقييم الأوروبي لحزمة التوسع لدول الاتحاد الأوروبي، للعام الحالي كان متوقع النتائج بالنسبة لتركيا، حيث لم تُجرِ أنقرة أي تغييرات جذرية خاصة على المستوى الداخلي، من شأنها تغيير رؤية الاتحاد الأوروبي. والأمر نفسه في ظل السياق الاستثنائي الذي تعيشه القارة الأوروبية، إذ أوقفت الحرب القائمة أغلب مشاريع العضوية في الجوار، مع تحمس الدول الأعضاء لترشيح أوكرانيا وجارتها مولدوفا. وفي المقابل رفعت هذه الحرب من القيمة الاستراتيجية لتركيا بالنسبة لجوارها الأوروبي، فبينما كان بعض أعضاء حلف الناتو حتى وقت قريب يفكرون في استبعاد تركيا، جاءت الحرب لتحول هذه الرغبة إلى العكس تماما.

داخليا يمكن أن يزيد هذا التقييم الأوروبي السلبي لموقع تركيا بوصفها مُرشحا للانضمام للاتحاد الأوروبي من متاعب الاقتصاد التركي، الذي يعاني من أزمة مديدة مع تدهور سعر صرف الليرة والارتفاع غير المسبوق في نسبة التضخم، حيث كان يمكن لأي تقييم إيجابي أن يُحسّن من ثقة المستثمرين الأجانب في تماسك الاقتصاد التركي، الذي وصفه التقرير بأنه يملك مقومات النهوض، لكنه أشار إلى أن السياسة النقدية المتساهلة للغاية في البلاد والافتقار إلى مصداقية السياسة أدت إلى إضعاف الليرة ودفعت التضخم الرسمي إلى أعلى مستوى له في عقدين من الزمن بأكثر من 80 بالمئة.

أما من الناحية السياسية فيمكن أن يكون التقييم الأوروبي السلبي ورقة بيد المعارضة التركية ضد الرئيس أردوغان وتحالفه الانتخابي، خلال الاستحقاق المقبل في شهر حزيران/يونيو 2023، والذي يبدو مصيريا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وتركيا عموما. لكنه في الوقت نفسه سيكون ورقة بيد أردوغان لتعزيز تحالفه مع القوميين الأتراك.

من الناحية الدولية، سيُعزز هذا التقييم السلبي موقع تركيا شبه الحيادي حتى الآن من الصراع الروسي الأوكراني. فقد سعت تركيا منذ بداية الحرب إلى استغلالها لتحسين علاقاتها مع القوى الغربية وجارها الأوروبي من خلال توريد السلاح لكييف، وغلق المضيق في البحر الأسود، ومحاولة القيام بالوساطة. وبدت هذه الخطوات كأنها مؤشر عودة تركية إلى موقعها الغربي، رغم حرصها على بقاء علاقتها مع الحليف الروسي.

من هنا فإن التقييم الأوروبي الجديد سيُعطي أنقرة عنصر موازنة في علاقاتها بين موسكو والغرب، خاصة أن تركيا تعتمد بشكل كبير على واردات القمح من روسيا، وتعتمد بشكل أكبر على الأسواق الروسية في قطاعات البناء والسياحة، كما تستورد تركيا 35 بالمئة من احتياجاتها من الغاز من روسيا.

لكن من جهة أخرى، فإن أكبر تحد يواجه تركيا اليوم هو تطور مسارات الحرب نحو مزيد من التصعيد، حيث ستكون أنقرة في وضع صعب يفرض عليها الخروج من حالة الحياد الإيجابي التي يحاول الرئيس أردوغان أن يلعبها منذ اندلاع الحرب، لأن تطور مسار الحرب نحو التصعيد سيفرض على تركيا التصرف بوصفها عضوا في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهو اختبار مهم لمدى مقبوليتها داخل الاتحاد الأوروبي.

مستقبل العلاقات التركية الأوروبية

بحسب مختصين، فمن المتوقع أن تحافظ العلاقات الأوروبية التركية على استقرارها الحالي، دون تصعيد في التوتر أو حصول تحسن نوعي، حتى موعد الانتخابات التركية في شهر حزيران/يونيو 2023. فالرئيس أردوغان غير قادر في السياق الحالي على القيام بخطوات جذرية، في ظل الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، وحدة الصراع مع تحالف المعارضة، كما أن أردوغان يريد تعزيز تحالفه مع الأحزاب القومية المتشددة، وهذا الأمر سيحد من قدرته على الاقتراب من الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر واستراتيجي قبل النجاح في الحصول على فترة ولاية أخرى.

من جهة ثانية، لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي في وارد اتخاذ خطوات جذرية في اتجاه أنقرة سلبيا أو إيجابياً، بسبب الحرب القائمة وأهمية تركيا وموقعها في مسار الصراع أولا، وثانيا لعدم استباق الوضع قبل ظهور نتائج الانتخابات التي ستحدد مصير تركيا خلال الأعوام المقبلة، ومصير عضويتها في المنتظم الأوروبي.

اجتماع تركي أوروبي “وكالات”

أيضا وفقا لتطور مسار الحرب في أوكرانيا، فإنه من الممكن أن تضاعف تركيا من انحيازها غربا لصالح أوكرانيا، خاصة أن أنقرة منذ بداية الصراع بدت تتخذ توجها أطلسيا أكثر دون إغضاب روسيا. فهذه الحرب فرصة لتركيا لتظهر لحلفائها الغربيين أنها لا تزال شريكا موثوقا به، وهي تدرك أنها تمثل رصيدا استراتيجيا لهؤلاء الحلفاء أنفسهم في أمن البحر الأسود.

في المقابل، يبدو واضحا أن الناتو يريد إبقاء تركيا إلى جانبه، وتدرك تركيا من جهتها أنها، رغم كل شيء، لن تكون قادرة على إيجاد شريك آخر قادر على ضمان أمنها. وهذا السيناريو، غير المستبعد، سيضع أنقرة في موقع متقدم غربيا، ويمكن لها من بوابة واشنطن أن تحشد لها دعما واسعا من الدول الأوروبية ذات الوزن المهم داخل الاتحاد الأوروبي، أو أن تتوصل إلى اتفاق شامل مع الاتحاد يحسم كل الملفات العالقة، خاصة أن الصراع الدائر، والذي يمكن أن يطول أكثر مما هو متوقع، يبدو ماضيا في مسار إحداث تغيير جذري للمشهد الجيوسياسي في العالم، وليس في أوروبا فقط.

لكن فإن المسار الأوضح، هو عدم قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، في المدَيين القريب والمتوسط، خاصة في ظل حكم “حزب العدالة والتنمية”، حيث يسود مزاج أوروبي واسع بعدم الثقة في سياسات أردوغان وحزبه، نظرا إلى أن دروس التجربة التاريخية تحتفظ له بانعطافات سياسية مفاجئة وغير متوقعة، وذلك يعطي شعورا بعدم موثوقية أنقرة في الالتزام مستقبلا بسياسات الاتحاد.

من جهة أخرى، فإن صعود أحزاب اليمين الشعبوي للحكم في الكثير من الدول الأوروبية يُقلل كثيرا من حظوظ أنقرة في العضوية الأوروبية. لكن ذلك، في النتيجة، لن يمنع تركيا والاتحاد الأوروبي من التقارب بهدف تعميق المصالح المشتركة بينهما؛ إذ كشفت الحرب للمعسكر الغربي الأهمية الاستراتيجية للتركيا، لاسيما لجهة موقعها، واحتياج تركيا لشريكها الاقتصادي الأول في انقاذها من الأزمة من خلال تفعيل التفاوض حول “اتفاقية جديدة لتحديث الاتحاد الجمركي”، وتوسيع نطاق العلاقة التجارية التفضيلية الثنائية، وزيادة التحرير المتبادل للتجارة في الزراعة والخدمات، وفتح الأسواق.

ما هي اتفاقية “الاتحاد الجمركي”؟

هي اتفاقية، وُقِّعت بين تركيا والاتحاد الأوروبي عام 1995، ودخلت حيز التنفيذ عام 1996، وتتيح تداول سلع الدول الأطراف بحرية داخل منطقة جمركية واحدة خالية من جميع أنواع التعريفات الجمركية والضرائب المعادلة، ويطبق الطرفان نفس معدلات التعرفة الجمركية ونفس السياسات التجارية للواردات من البلدان المشاركة في الاتفاقية، وتعد هذه الاتفاقية نموذجا أكثر تقدما مقارنة بمناطق التجارة الحرة.

بموجب الاتفاقية، ألغيت الرسوم الجمركية في تجارة السلع الصناعية، وأُلغي تقييد كميات البضائع، وبدأ تطبيق تعرفة جمركية مشتركة للدول الخارجية، وكان من المقرر أن تكون الاتفاقية تطبيقا للمرحلة الانتقالية قبيل انضمام تركيا الكامل إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنه استمر تطبيقها لفترة أطول مما كان متوقعا، إذ إنها مستمرة منذ أكثر من 26 عاما، الأمر الذي يجعلها أقرب إلى نظام شراكة.

منذ عام تقريبا، تسعى تركيا لتحديث هذه الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، لتوسيع قائمة السلع والمنتجات التي تضم حاليا المنتجات الصناعية والزراعية المصنعة فقط، وفي حال تحديث شروط الاتفاقية وتوسيع نطاقها، فإنها ستشمل المنتجات الزراعية والخدمات والمشتريات العامة، فضلا عن تطوير الامتيازات الزراعية بشكل متبادل، كما ستتمكن تركيا من دخول الأسواق الداخلية للاتحاد بالكامل، والذي يُعد أكبر تكتل تجاري في العالم، مما يسمح للبضائع والخدمات التركية جميعها بأن تتدفق إلى دول الاتحاد دون عوائق.

بحسب الحكومة التركية، فإن اتفاقية الاتحاد الجمركي التي مضى وقت طويل على العمل بها تحوي العديد من المشاكل والعوائق، كما أنها غير مناسبة للظروف التجارية والاقتصادية للقرن الـ 21، فضلا عن مساهمتها في النهوض بالعلاقات التجارية لمستويات متقدمة.

مجلس الأعمال التركي الأوروبي، شدد على أن تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي يأتي على رأس جدول أعمال المجلس الذي يسعى إلى تسهيل العمل في عالم الأعمال وتحقيق الربح المتبادل والمصالح التجارية للجانبين التركي والأوروبي.

بحسب خبراء، فإنه من شأن التحديثات التي تطالب تركيا بإجرائها على اتفاقية الاتحاد الجمركي أن تلعب دورا مهما في تقليص العجز بالميزان التجاري بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، إذ بلغت نسبة الصادرات إلى الواردات في التبادل التجاري بين الطرفين العام الماضي نحو 95.4 بالمئة.

تجدر الإشارة إلى أنه منذ بدء العمل باتفاقية “الاتحاد الجمركي” عام 1996 تزايد حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي بشكل تدريجي، ومع مجيء “حزب العدالة والتنمية” إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002، اكتسب التبادل التجاري بين الجانبين زخما كبيرا وصل نهاية العام الماضي إلى نحو 143 مليار دولار.

إقرأ أيضا:بحر إيجة يشتعل.. سفينة توتر العلاقات بين تركيا واليونان

علاقة مركبة تربط تركيا بالاتحاد الأوروبي، فالتحفظات على السياسات التركية الداخلية والخارجية عديدة، وتمنع دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي كدولة عضو في الاتحاد، لكن في المقابل هناك علاقات بين الطرفين لا يمكن التفريط فيها من قِبل أي طرف لأهميتها أمنيا وعسكريا واقتصاديا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.