لم تنته تداعيات تسرّب غاز خطي “نورد ستريم 1 و2” في أوروبا بعد، بل أنها ستستمر لأسابيع على ما يبدو، لحين الكشف عن الجهة التي تقف خلف تسرّب الغاز، خصوصا وأن الكل يكاد يتفق على أن ما حدث هو عن عمد وليس حادثا.

الاتحاد الأوروبي، وبولندا وأوكرانيا والدنمارك وحتى “الناتو”، وألمانيا بحدة أقل، الجميع يوجه أصابع الاتهام لتفجير خطي “نورد ستريم”، إلى روسيا، فيما تقول الأخيرة إن هذا “غباء وأمر سخيف”.

رئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريدريكسن، أعلنت مساء الثلاثاء، أن تسرب الغاز الكبير الحاصل في خطي الأنابيب “نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2″، قرب جزيرة دنماركية في بحر البلطيق، ناجم عن “عمل تخريبي متعمد”.

تهديد برد قوي

خط نقل الغاز “نورد ستريم 1″، يعد من أكبر الخطوط، التي تمد ألمانيا وأوروبا بالغاز الروسي، حيث يبلغ طولة نحو 1220 كيلو مترا، بطاقة تبلغ نحو 55 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الروسي لألمانيا.

رغم استكمال بناء خط “نورد ستريم 2″، بين روسيا وألمانيا، التي كان من المتوقع أن يزيد كميات الغاز الروسي نحو ألمانيا وأوروبا بأضعاف ما يتم ضخه سنويا من خط “نورد ستريم 1″، إلا أن ألمانيا رفضت اعتماد تشغيلة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

كانت السلطات الدنماركية، رصدت تسربا، قالت إنه غير مفسر للغاز في موقعين من خط أنابيب “نورد ستريم 1” في بحر البلطيق، الذي يربط روسيا بألمانيا، غداة الإعلان عن تسرب غاز في “نورد ستريم 2″، مما أثار شكوكا بشأن أعمال تخريبية في الخطين.

بحسب كوبنهاغن، فإن التسريبات في خطوط الأنابيب غير المشغلة، ولكن الممتلئة بالغاز، ستستمر “أسبوعا على الأقل”، حتى نفاد غاز الميثان المتسرب من الأنابيب تحت الماء.

التسريبات الثلاثة الكبيرة من خطي أنابيب الغاز “نورد ستريم 1 و2″، ظهرت على السطح، مُشكّلَة دوائر يتراوح قطرها ما بين مئتي وألف متر، بحسب بيان للجيش الدنماركي.

الاتحاد الأوروبي، هدّد أمس الأربعاء، برد قوي على ما وصفه بتخريب متعمد لخطي أنابيب “نورد ستريم” لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق، في حين نفت موسكو تورطها وعرضت القيام بإجراء تحقيق مشترك.

السؤال هو من وراء التسرب الذي حصل؟ وما تداعياته؟ ومن المتأثر منه؟ بحسب خبير الاقتصاد السياسي، عبد الرحمن المشهداني، فإنه يصعب تخمين من يقف خلف التسريب، لكن القارة العجوز هي الأكثر تضررا مما جرى.

المشهداني يقول لـ “الحل نت”، إن الكل يستفيد من تسرّب غاز “نورد ستريم”، باستثناء الاتحاد الأوروبي، وليس من المستبعد أن تكون موسكو بالفعل خلف العمل التخريبي الذي حصل.

رسائل موسكو

هناك رسائل تريد موسكو إيصالها إلى الغرب إن كانت وراء التسريب، منها أنه حتى لو اعتمدت أوروبا على بدائل عن الغاز الروسي، فإنه لا يمكنها ضمان وصول الغاز البديل، وفي ذلك تلميح من روسيا بأنه بإمكانها تخريب كل الأنابيب التي توصل الطاقة لأوروبا، بحسب المشهداني.

ويردف خبير الاقتصاد السياسي، أن موسكو تحاول بكل الطرق جعل أوروبا في فصل شتاء بارد يصل إلى الصقيع، بمنع وصول إمدادات الطاقة للقارة العجوز، التي تستخدمها للتدفئة في الشتاء.

سبب ذلك، هو محاولة من موسكو للانتقام من الاتحاد الأوروبي؛ بسبب وقوفه ضد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، وخاصة ألمانيا التي رفضت تفعيل خط غاز “نورد ستريم” واستمرار مد موسكو لألمانيا والغرب بالغاز الروسي، كما يقول المشهداني.

منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل قال في بيان باسم الدول الـ 27 الأعضاء: “أي عبث متعمد بمنشآت الطاقة الأوروبية غير مقبول بتاتا وسيُقابل برد قوي وموحد”.

من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن تسرب الغاز من خطي “نورد ستريم” لن يخدم أي جهة، إذا ثبت أنه ناجم عن هجوم أو تخريب،

وجاء هذا التطور في خضم خلاف محتدم بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بشأن الحرب في أوكرانيا، وأشعل الخلاف أزمة طاقة في أوروبا التي تعتمد إلى حد كبير على الغاز الروسي.

وتجري تحقيقات، بمشاركة الدانمارك والسويد وألمانيا، لتحديد سبب ما يعتقد أنها انفجارات وقعت في خطي “نورد ستريم” تحت مياه البلطيق.

المشهداني، يقول إنه حتى أوكرانيا قد تكون مستفيدة من تسرب الغاز؛ لأنها تريد تعقيد الشتاء على أوروبا، كورقة ضغط منها؛ بهدف إمدادها بالمزيد من المساعدات من قبل الاتحاد الأوروبي، لمواجهة الغزو الروسي لها، لكن نسبة وقوف كييف خلف التسريب ليست كبيرة، بحسبه.

إغراق أوروبا بالمشاكل؟

الخارجية البولندية، رجّحت أن ما جرى قد يكون عملا استفزازيا من جانب موسكو، قائلة: “روسيا تنتهج على الدوام سياسة عدوانية”، وأكدت أنه لا يمكن استبعاد قيام موسكو بأي استفزازات من هذا القبيل.

ما يمكن ذكره، أن المخابرات الأميركية “سي آي إيه”، حذّرت قبل 3 أشهر، برلين، من هجمات مخطط لها على أنابيب “نورد ستريم” في بحر البلطيق، حسب صحيفة “دير شبيغل” الألمانية.

خبير الاقتصاد السياسي، عبد الرحمن المشهداني، يبيّن أنه حتى أنقرة قد تكون مستفيدة من تسرب غاز خطي “نورد ستريم 1 و2″؛ لأن وقف “نورد ستريم” يعني أن يستفيد خط “ترك ستريم” الذي ينقل الغاز إلى أوروبا عبر البحر الأسود.

وتبحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، خصوصا مع قرب الشتاء، لا سيما وأن درجات الحرارة بدأت تنخفض من الآن، والبدائل هي الغاز الأميركي والقطري والجزائري والتركي، وربما حتى العراقي.

المشهداني، صحيح أنه لا ينفي استفادة تركيا من تسرب الغاز، إلا أنه يعطي نسبة ضئيلة لوقوفها خلف العمل التخريبي؛ “لأن أنقرة لا تريد توريط نفسها بمشاكل مع أوروبا هي أكبر منها”، بحسب تعبيره.

وفي الوقت الذي لم يستبعد فيه المشهداني وقوف جهات غير موسكو خلف العمل التخريبي، وهي التي ذكرها سلفا، إلا أنه يرجّح كفة روسيا بأنها هي من تسبّبت بتسرب غاز “نورد ستريم”؛ لأنها من الأساس تعاني من مشاكل جمة بعد غزوها لأوكرانيا، ولم تعد تهتم لما تتعرض له من عقوبات، وتحاول إغراق خصومها بالمشاكل أيضا.

صحيح أن موسكو معنية بإقناع أوروبا للعودة إلى استيراد غازها، لكنها حينما فشلت بذلك، تسعى لممارسة ضغوط اقتصادية على الاتحاد الأوروبي عبر إغراقه في أزمات اقتصادية ومالية، قد تنعكس على الوضع السياسي واستقرار أوروبا، وفق المشهداني.

في المحصلة، كل شيء يتوقف على نتائج التحقيق التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي، وفي حال تم تأكيد تورط موسكو بتسريب غاز “نورد ستريم”، فإن ذلك يعني الدخول في حرب هجينة مفتوحة بين أوروبا وموسكو، ناهيك عن تشديد العقوبات على الكرملين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة