في ظل التقارب العربي مع دمشق، وطرح عمّان لخطتها من أجل حل الأزمة السورية التي تبنتها “الجامعة العربية”، والتي تتضمن إعادة إعمار البلاد من أجل عودة اللاجئين، يثار تساؤل شديد الأهمية، هل ستبقى إيران ضمن خطة إعمار سوريا.

السبب وراء إثارة هذا السؤال هو أنه لا شك أن النظام الإيراني قد أنفق بالفعل مبالغ ضخمة، تقدر بنحو 30 مليار دولار، لدعم دمشق. لكن مع ذلك، لم تتمكن إيران من أن تكون أحد المصدّرين الرئيسيين لسوريا. أيضا السياسات التي تنتهجها طهران ليست مدمرة فحسب بالنسبة لدول وشعوب المنطقة، بل أيضا تثير غضب المواطنين الإيرانيين. إن الشعارات التي أطلقها الإيرانيون في السنوات الأخيرة، مثل “لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران” و”اتركوا سوريا، وفكروا بحالنا”، تعكس هذا الواقع.

الحقيقة التي لا غبار عليها، هي أن المسؤولين في النظام الإيراني يعلمون تماما أن سياساتهم الطائفية في المنطقة، لا تلقى تأييدا شاملا من الشعب الإيراني. لذلك غالبا ما يحاولون تبرير وجودهم في سوريا بوجهات نظر اقتصادية. ومن بين تلك المبررات، ذكرها قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، في عام 2014، حيث وصف “الهلال الشيعي” بأنه “الهلال الاقتصادي”.

إن النظام الإيراني يدّعي أنه في المقدمة بين الدول المنخرطة في الشأن السوري وحتى على المستوى الاقتصادي، ومع ذلك، تظهر الأدلة على العكس تماما، وهنا يجب التساؤل حول الشواهد التي تثبت عدم دخول إيران في مجال إعمار سوريا، وهل توجد توجهات للدول العربية لتعزيز إعمار سوريا والتعافي بعيدا عن التدخل الإيراني.

إيران خارج الصفقة

في آذار/مارس الفائت، قدّر “البنك الدولي”، تكاليف إعادة الإعمار بسوريا عند 7.9 مليار دولار على مدار 3 سنوات، وبناء على هذه الخطوة الواقعية والبراغماتية تدرك الدول العربية تماما أن المرحلة التالية في تاريخ سوريا هي إعادة الإعمار وعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. 

الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ونظيره السوري بشار الأسد - إنترنت
الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ونظيره السوري بشار الأسد – إنترنت

الحديث عن التعافي المبكر تصاعد خلال لقاءات سياسية عدة أجرتها الحكومة السورية مؤخرا، أحدثها لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، بوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الاثنين الماضي. وخلال اللقاء، شدد الأسد على أن العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى قراهم وبلداتهم أولوية بالنسبة للدولة السورية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر.

وهنا ترى المبادرة العربية أن التواصل مع دمشق أكثر فائدة من عزلها. وفي الوقت نفسه، تسعى عواصم الدول العربية إلى التصدي بحزم لمشكلة المخدرات، بما في ذلك حبوب “الكبتاغون”، والتي تُصدَّر من سوريا وتشارك في تجارتها جماعات مسلحة تدعمها إيران. فالمخدرات قد تسببت في آثار سلبية كبيرة على الدول العربية، بما في ذلك الأردن ولبنان ودول الخليج.

النظام الإيراني يزعم أنه في مقدمة الدول المنخرطة في سوريا، إلا أن الشواهد تظهر عكس ذلك تماما. وعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا ما نُظر إلى قائمة الدول المصدرة إلى سوريا، فإن إيران ليست من بين الدول الأولى بأي شكل من الأشكال، وكما يبدو أن الصادرات الإيرانية إلى سوريا ضئيلة.

إن موضوع إيران خارج خطة إعمار سوريا يؤكده ما قاله الخبير حسن لاسجردي، في مقابلة لوكالة “إيسنا” للأنباء، عن الزيارة التي أجراها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، حيث ذكر أن “النقطة المهمة في زيارة رئيسي إلى سوريا هي الفوائد والفرص الاقتصادية التي من الممكن أن تُتاح لإيران. ويبدو أن المنافسة قد بدأت وأن دولا مثل السعودية وحتى تركيا أعلنت رغبتها واستعدادها للاستثمار وإعادة الإعمار في سوريا، بالتالي إذا ما أردنا أن يكون لنا دور في سوريا، فيجب علينا الذهاب إلى هناك في أسرع وقت ممكن”.

إن ما لفت إليه لاسجردي، هو أقرب إلى الحقيقة. كما أنه يظهر ما قاله السفير السوري لدى طهران، شفيق ديوب، بأن الدول التي وقفت إلى جانب دمشق، لها الأولوية للمشاركة في عملية إعادة الإعمار مجرد ادعاء ومجاملة ليس إلا. فأن يكون لإيران الدور الرئيس في عملية إعادة إعمار سوريا وأن الشركات الإيرانية ستستفيد، فهذا غير معروف بأي شكل من الأشكال.

حراك ناعم ضد إيران

كان لسياسات النظام الإيراني تأثير كبير على دمشق. فعلى الرغم من إنفاق مليارات الدولارات لدعم سوريا، واجهت إيران تحديات في أن تصبح مصدرا رئيسيا لدعم البلاد. وتشمل هذه التحديات القيود الاقتصادية، وسوء إدارة الموارد، والقيود المفروضة على قدرة إيران على تقديم مساعدات كبيرة لسوريا.

أعضاء الغرف التجارية العربية يؤكدون جاهزية سوريا للبدء في إعادة الإعمار - إنترنت
أعضاء الغرف التجارية العربية يؤكدون جاهزية سوريا للبدء في إعادة الإعمار – إنترنت

الخبير في السياسة الخارجية الإيرانية، بيير بهلوي، أوضح لـ”الحل نت”، أن سياسات النظام الإيراني في المنطقة كان لها آثار ضارة على الدول والشعوب. لم يحظَ نهجهم الطائفي، ولا سيما عدائهم لإسرائيل، بتأييد واسع في أوساط الجمهور الإيراني. وعبّر كثير من الإيرانيين عن إحباطهم وعدم رضاهم عن هذه السياسات، كما يتضح من شعارات الشعب الإيراني في أكثر من مظاهرة أنه قلق من أولويات النظام وتخصيص الموارد للجهود الخارجية بدلا من معالجة القضايا الداخلية.

الشعارات التي يطلقها الإيرانيون بحسب بهلوي تعكس استياءهم من الدور الإيراني في سوريا، وتبرز التحديات التي تواجهها إيران داخليا. وتشير شعارات مثل “لا غزة ولا لبنان روحي لإيران” إلى انفصال بين أولويات النظام الإيراني وتطلعات الشعب الإيراني. وتؤكد هذه الشعارات على حاجة النظام إلى التركيز على معالجة هموم مواطنيه بدلا من إشراك نفسه بشكل مكثف في شؤون الدول الأخرى، وهو ما ستركز عليه المبادرة العربية.

إن إعادة جامعة “الدول العربية” للرئيس السوري بشار الأسد وتركيزها على النظرة المستقبلية يهدف إلى توفير التوجيهات لإعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين. إذ تقرّ الدول العربية بأن المرحلة التالية لسوريا تشمل إعادة بناء البنية التحتية وتمكين عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، ولكن ما يجمع عليه المسؤولون في الدول العربية أن إيران خارج هذه الخطة.

طبقا لحديث بهلوي، فإنه يُنظر إلى الاعتراف ببشار الأسد كخيار عملي من قبل بعض الدول العربية. حيث يعتقدون أن التعامل مع الحكومة السورية أكثر فائدة من عزلها. ويمكن أن يؤدي الاعتراف بالأسد إلى زيادة التعاون في جهود إعادة الإعمار ويمهّد الطريق لعودة اللاجئين. وتتوقع الدول العربية فوائد اقتصادية ومزايا دبلوماسية في التعامل مع دمشق.

المشكلة في سياسات طهران

إن عملية إعادة إعمار سوريا مشروع ضخم جدا تقدر قيمته بنحو تريليون دولار. كما أن هناك دولا مختلفة في العالم والإقليم ترغب في المشاركة والاستفادة من هذا المشروع. السعودية ومنذ فترة عملت على تخفيف التوترات في المنطقة، وتسعى إلى حل الأزمة السورية والتنمية الاقتصادية لدمشق.

الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي - إنترنت
الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي – إنترنت

بينما دول التي تقبع بالمقدمة فهي تركيا والصين والإمارات العربية المتحدة، وتليها دول أخرى مثل مصر وروسيا والهند ولبنان والأردن. والمنتجات التي تصدّرها هذه الدول إلى سوريا فهي التبغ والسكر والدقيق والزيت والبنزين. وإذا ما تعلق الأمر بالمعدات الأكثر تقدما فمن المؤكد أن لا محل من الإعراب لإيران في ما يتعلق بالنشاط الاقتصادي مع سوريا، ومن دون أدنى شك، ستكون أميركا والرياض ودول الاتحاد الأوروبي وربما بكين وأنقرة والدول العربية في مقدمة الدول التي تصدّر هذه المعدات المتطورة.

على رغم التحسن الذي طرأ على العلاقات الدبلوماسية بين إيران وبعض الدول العربية وأهمها السعودية، لا تزال هناك شكوك حول قدرة إيران على أن تكون إحدى الدول الرئيسة المستفيدة من عملية إعادة الإعمار في سوريا.

أبرز ما يراه بهلوي أن المشكلة بين إيران والدول العربية، هي تجارة المخدرات، خصوصا أن جماعات مسلحة مدعومة من النظام الإيراني متورطة في تهريب وتجارة المخدرات من سوريا. وكان لتجارة المخدرات غير المشروعة آثار سلبية كبيرة على الدول العربية، بما في ذلك الأردن ولبنان ودول الخليج.

الخبير في الشؤون الإيرانية، يؤكد أن انسحاب إيران من بوتقة إعادة إعمار سوريا لن يكون له آثار اقتصادية وسياسية على الدول العربية والمنطقة ككل. إذ سبق وأن بيّنت الدول العربية عن شركاء ومصادر دعم التمويل، لأنهم شركاء في المشهد السياسي في سوريا.

من هذا الواقع يتجلى أن العالم أصبح متعدد الأقطاب، حيث تلعب القوى الإقليمية دورا رئيسيا في تحديد مساراتها وتحقيق مصالحها الخاصة. وتجمع الدول العربية والحكومات الغربية لتنسيق سياساتها تجاه سوريا. وهذه الاجتماعات تعكس أهمية القوى الإقليمية ودورها المحوري في تحقيق التوافق والتنسيق بشأن القضايا الإقليمية والتحديات السياسية، ولذا من الواضح أن إيران خارج خطة إعمار سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات