في ظل الهدوء السياسي والاقتصادي المستمر بين المملكة العربية السعودية وإيران بعد توقيع الاتفاق بينهما في مارس/آذار الماضي، تشهد حاليا العلاقات الثنائية بين البلدين اختبارا حاسما يتعلق بمصير حقل “الدرّة” الغازي، الذي ربما تكون هذه المعركة نهاية لمسار تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، ما يؤكد أن الوفاق الخليجي مع إيران “هش” ولن يستمر طويلا.

إن ملكية حقل “الدرّة” الغازي أصبحت نقطة التوتر المحورية بين السعودية وإيران، حيث يتصارع البلدان على مستقبله واستغلاله. حيث تصرّ الرياض والكويت على أن الملكية المشتركة لهذه الثروة الطبيعية تنتمي فقط لهما، معتبرين أنهما الجهة الوحيدة المخوّلة بالحقوق السيادية في تلك المنطقة الغامرة. لكن، على الجانب الآخر، تعتقد إيران أن ترسيم الحدود ينبغي أن يتم خارج إطار القوانين الدولية المعترف بها، وهو ما يفتح الباب أمام التفاوض والمزيد من الصراعات.

قرار الكويت والسعودية بتقديم عرض التفاوض لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المائية، التي يقع فيها حقل “الدرّة”، يُعد خطوة هامة وغير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الدول الثلاثة. فعلى الرغم من الصعوبات والتحديات التي تنتظرهم في هذه المفاوضات، يجب الاعتراف بأن هذا القرار يمثّل مسعىً حثيثا نحو إيجاد حل سلمي ومستدام لهذا النزاع العالق منذ عقود.

إلا أن مصير العلاقات بين السعودية وإيران بات موضع شك، لأن نتيجة معركة حقل “الدرّة” قد تحدد مسار التطبيع بين البلدين، وعليه فإن العديد من التساؤلات تثار بعد هذا الصدام، خصوصا حول العواقب المحتملة إذا فشلت المفاوضات في التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المعنية، وكيف يؤثر الوضع الحالي في المنطقة على استقرار الشرق الأوسط والتوترات الإقليمية الأخرى، وهل يمكن أن يؤدي النزاع حول حقل “الدرّة” إلى زعزعة العلاقات السعودية – الإيرانية بشكل عام.

حقل الدرّة “كاملا” لنا وللكويت فقط

منذ الأسبوع الفائت بدأت مناكفات بشكل رسمي بين طهران من جهة والرياض والكويت من جهة أخرى بعد تصريحات أطلقها المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خجسته مهر، ذكر فيها “نحن جاهزون تماما لبدء عمليات الحفر في حقل آرش” المعروف في الكويت والسعودية باسم “الدرّة”.

السعودية أعلنت أنها وحدها مع دولة الكويت هما المالكان الوحيدان لحقل الدرة - إنترنت
السعودية أعلنت أنها وحدها مع دولة الكويت هما المالكان الوحيدان لحقل الدرة – إنترنت

السعودية من جهتها أعلنت أنها وحدها مع دولة الكويت هما المالكان الوحيدان لاستغلال ثروات المنطقة المغمورة المقسومة بينهما أو ما يعرف باسم “المنطقة المحايدة المقسومة”، بما في ذلك حقل “الدرّة” للغاز. ومن هنا، جددت السعودية دعوتها لإيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل ترسيم الحدود.

بناء على ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية “واس”، أعادت الرياض التأكيد على دعواتها السابقة للجانب الإيراني لبدء مفاوضات لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المقسومة بين المملكة والكويت، وذلك على أساس تعاملها مع الجانب الإيراني كطرف تفاوضي واحد، وفقا لمبادئ القانون الدولي.

أيضا الكويت دعت إيران لبدء مفاوضات ترسيم الحدود بمثابة طرف تفاوضي واحد مع الكويت والسعودية. وعلى الجانب المقابل، أصرت إيران على حقها في المشاركة في حصة الحقل ووصفت الاتفاق الذي تم توقيعه بين السعودية والكويت في العام الماضي لتطوير الحقل بأنه “غير قانوني”.

في كانون الأول/ديسمبر 2022، وقّعت شركة “أرامكو” لأعمال الخليج والشركة الكويتية لنفط الخليج، مذكرة تفاهم لتطوير حقل “الدرّة” الذي يوفر ما مقداره مليار قدم مكعبة من الغاز، ويُعد توقيع المذكرة إنفاذا لمحضر تطوير الحقل الموقّع في شهر آذار/مارس 2022، بحيث يتم استئناف العمل على مشروع تطوير الحقل مباشرة، وتسريع الأعمال وفقا لخطة تنفيذ البرنامج والجدول الزمني المعتمد من البلدين.

تطوير الحقل يأتي تنفيذا لمُقتضى مذكرة التفاهم التي وقَّعتها السعودية ودولة الكويت، في 24 كانون الأول/ديسمبر 2019، والتي تضمنت العمل المشترك على تطوير واستغلال حقل “الدرّة”، حيث يعود النزاع الدائر حول الحقل إلى ستينيات القرن الماضي، حين منحت إيران امتيازا بحريا للشركة النفطية الإنكليزية الإيرانية التي أصبحت لاحقا “بي بي”، فيما منحت الكويت الامتياز إلى “رويال داتش شل”.

تقارب الرياض وطهران في مشكلة

الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، وصف الوفاق الخليجي الإيراني بأنه “هش” ولن يستمر طويلا، في معرض تعليقه على تصريحات رسمية كويتية رفضت “الادعاءات والإجراءات الإيرانية” بشأن حقل الدرّة البحري للغاز. حيث ذكر أن “الجار الإيراني الصعب لا يرد التحية بأحسن منها، بل يتصرف بعنجهية كالعادة دون اعتبار لمبدأ حسن الجوار والحوار”.

خريطة تموضع حقل الدرة والمنطقة المقسومة بين السعودية والكويت - إنترنت
خريطة تموضع حقل الدرة والمنطقة المقسومة بين السعودية والكويت – إنترنت

تعليقا على ذلك، أوضح المختص في القانون الدولي والنزاعات الحدودية، ريان غودمان، في حديثه لـ”الحل نت”، أن التحديات الرئيسية التي تواجه العلاقات السعودية الإيرانية بسبب حقل غاز “الدرّة” تتمثل في ملكية واستغلال الثروات الطبيعية في المنطقة المتنازع عليها. حيث يطالب كلا البلدين بحقوق في الميدان، مما أدى إلى توترات وتصعيد محتمل للصراعات بين البلدان المشتركة في الحدود البحرية.

وفقا لما ما هو منصوص عليه في المادة 55 في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 “تمتد منطقة البحر التي تتمتع فيها دولة ذات سيادة بحقوق خاصة فيما يتعلق باستكشاف واستخدام الموارد البحرية، بما في ذلك إنتاج الطاقة من الماء والرياح، من الحد الخارجي للمياه الإقليمية، 12 ميلا بحريا من خط الأساس، إلى 200 ميل بحري من ساحل دولة ما”. ويتم تقسيم مناطق الحقوق الاقتصادية في البحار ذات الشواطئ المتقاربة مثل الخليج العربي مناصفة.

بناء على قانون البحار لا سبيل إلى التنازع حول حقوق الكويت والسعودية. وإذا تم ترسيم الحدود بين هذين البلدين وبين إيران سيبتعد الخط الوسط عن الحد الشرقي لحقل “الدرّة” بما لا يقل عن 25 ميلا بحريا، في حين أن ترسيم الحدود يشكل فائدة مشتركة للطرفين، في حال ظهرت حقول أخرى.

إن مطالبة الكويت والسعودية ببدء مفاوضات مع إيران لترسيم الحدود تلعب دورا مهما في تصعيد التوتر بين البلدين، بحسب غودمان، ويمثل هذا المطلب ضغوطا على إيران لمعالجة النزاع الإقليمي والالتزام بالقانون الدولي الذي تقاومه إيران حتى الآن. ويبرز الطلب كذلك أهمية حل القضية والعواقب المحتملة للفشل في التوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين.

بوادر الصراع بين الطرفين بدأت تتضح طبقا لحديث غودمان، حيث اتخذت السعودية موقفا حازما من ملكية حقل “الدرّة”. إذ تؤكد المملكة أن ملكية الموارد الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسمة، بما في ذلك الحقل بأكمله، هي ملكية حصرية بين المملكة العربية السعودية والكويت. والموقف الرسمي للسعودية هو أنها والكويت وحدها تمتلكان كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروة في تلك المنطقة.

ما يعزز نظرية بدء خلخلة اتفاق التطبيع بين البلدين، هو مطالبة إيران بالاتفاق على ترسيم الحدود خارج قانون البحار؛ لأن هذا يشير إلى رغبة إيران في التفاوض حول الحدود بناء على شروطها الخاصة، وربما الانحراف عن المعايير الدولية الراسخة. ويختلف موقف إيران من ترسيم الحدود في المنطقة المتنازع عليها عن مطالب السعودية والكويت، مما يزيد المفاوضات تعقيدا.

سياق إقليمي جديد

لم يكن التاريخ المضطرب بين السعودية وإيران سرا. فعلى الرغم من الجهود المتقطعة لاستعادة العلاقات الدبلوماسية على مر السنين، كانت هذه المساعي في كثير من الأحيان قصيرة الأجل، وطغى عليها انعدام الثقة المتجذر والمصالح الإقليمية المتنافسة. ومع ذلك، رغم أن المبادرة الأخيرة تحمل إحساسا متجددا بالهدف ومواءمة الطموحات الاستراتيجية التي قد تحمل مفتاح المصالحة الدائمة، إلا أن ملامحها لا تشي بذلك.

حقل الدرّة هل يكون نهاية تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران؟
حقل الدرّة هل يكون نهاية تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران؟

بحسب غودمان، فإن ترسيم الحدود في حقل “الدرّة” هو محور مركزي للمفاوضات وله القدرة على التأثير في تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران. إذ يمكن أن يكون لنتائج المعركة الميدانية والمفاوضات اللاحقة آثار بعيدة المدى على العلاقات الشاملة بين البلدين، مما قد يؤثر على تعاونهما الدبلوماسي والاقتصادي والأمني الذي بدأ مؤخرا.

إذا فشلت المفاوضات حول حقل “الدرّة” في الوصول إلى اتفاق بين الأطراف المعنية، فقد تكون العواقب “وخيمة” تبعا لحديث غودمان. فقد تتفاقم التوترات والصراعات المحيطة بالميدان، مما يؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات بين السعودية وإيران. وقد يسهم ذلك أيضا في زيادة عدم الاستقرار الإقليمي، حيث قد تنخرط جهات فاعلة أخرى في النزاعات الجارية أو تتأثر بها.

ما يعزز المخاوف الخليجية، هو استخدام طهران لأذرعها في اليمن وهنا الإشارة لـ”الحوثيين”، وأيضا ميليشياتها في العراق، لضرب مراكز النفط الرئيسية التابعة لدول الخليج لإجبار الدولتين بالجلوس على طاولة المفاوضات، كما حدث سابقا عندما استهدفت جماعة “الحوثي” شركة “أرامكو” السعودية.

الوضع الحالي في المنطقة، بما في ذلك التوترات المحيطة بحقل “الدرّة”، له تأثير عميق على استقرار الشرق الأوسط، إذ يرى المختص في القانون الدولي والنزاعات الحدودية، أنه سيؤدي إلى تفاقم التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة. لا سيما وأن القضية الخلافية تمس السيادة والموارد الطبيعية والمطالبات الإقليمية. وقد يؤدي الفشل في التوصل إلى حل إلى زيادة العداء وتدهور العلاقات الدبلوماسية.

السيناريوهات المستقبلية لتطوير العلاقات بين السعودية وإيران بناءً على نتائج معركة حقل “الدرّة” غير مؤكدة. إذا تم التوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين من خلال المفاوضات، فمن المحتمل أن يؤدي إلى تحول إيجابي في العلاقات، مع تحسين التعاون والتطبيع. 

مع ذلك، إذا فشلت المفاوضات أو إذا تصاعدت النزاعات، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التدهور في العلاقات وزيادة التوترات الإقليمية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب طويلة الأجل على الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط. وليس ذلك فحسب، بل إن مصير العلاقات بين السعودية وإيران ليس محكوما بمعركة حقل “الدرّة” وحدها، بل يعتمد على العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية القديمة والمعقّدة التي تؤثر على العلاقات بين البلدين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات