في تطور هام، أخذت المملكة العربية السعودية زمام المبادرة في دعم التعافي المبكر وعودة اللاجئين السوريين، خصوصا بعد عودة دمشق إلى الجامعة العربية وحضور الرئيس السوري قمة جدة التي عُقدت الجمعة الفائت. 

إعلان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال القمة العربية الثانية والثلاثين في جدة يشير إلى تحول إيجابي في علاقة سوريا بالمنظمات الدولية. حيث يسلط التركيز على مشاريع التعافي الاقتصادي، إلى جانب تعاون الحكومة مع الأمم المتحدة للتمويل، الضوء على جهود الحكومة السورية لجذب الأموال لمبادرات التعافي المبكر. 

الآثار المترتبة على هذه التحولات الكبرى وقدرتها على إحداث تأثير إيجابي في سوريا هي أبرز ما تطرحه التساؤلات، خصوصا وأن السعودية أظهرت دعمها لعودة اللاجئين السوريين، مواجهة التحديات والعقبات المحتملة في تنفيذ خطة عودة اللاجئين السوريين، بغض النظر عن كيف ستساهم مشاريع التعافي الاقتصادي في سوريا، المدعومة من الرياض في التحول الشامل للبلاد، وكيف تتوافق مشاريع التعافي الاقتصادي مع الأهداف الأوسع لتحقيق الاستقرار في سوريا ودعم عودة اللاجئين.

تحسين العلاقات والدعم الدولي

التزام السعودية بدعم مشاريع التعافي الاقتصادي في سوريا يعد خطوة مهمة نحو تعزيز علاقات البلاد مع المنظمات الدولية. خصوصا بعد إعلان الحكومة السورية التعاون مع الأمم المتحدة في الحصول على أول مشروع إنمائي دولي منذ عام 2011 والذي يمثل مؤشرا واضحا على التقدم في مسألة عودة اللاجئين السوريين. 

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستقبل الرئيس السوري بشار الأسد - إنترنت
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستقبل الرئيس السوري بشار الأسد – إنترنت

من خلال السماح للأمم المتحدة بتمويل مشاريع التنمية بالشراكة مع الحكومة السورية، تهدف دمشق إلى جذب مبادرات التعافي المبكر التي يمكن أن توفر مساعدات مالية حيوية. ويأتي ذلك بعد تأكيد وزير الخارجية السعودي، أن “المواقف المتشددة لا تصب في مصلحة الشعب السوري، حيث نعمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم”.

إعلان جدة الصادر عن القمة العربية أكد على الترحيب بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، الذي تضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات التابعة لها، والتشديد على أهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية لمساعدة سوريا على تجاوز أزمتها، وتعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية.

إعلان الرياض عن مشروعات التعافي الاقتصادي في سوريا والعمل على إعادة اللاجئين، أعقبه إعلان تركي صادر عن وزير الخارجية  مولود جاووش أوغلو، حول “خارطة طريق” لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، تشمل المناطق الآمنة ومناطق الحكومة السورية، وفقا لتفاهمات الاجتماع الرباعي في موسكو. 

توقيت إعلان أنقرة يشير إلى أنها طرف يريد التخلص من عبء السوريين فقط، خصوصا أنها أشارت إلى الخارطة بعد إعلان الفرحان وأكدت على أن التفاهمات شملت السعودية والإمارات، في حين أن إعلان اجتماع عمّان في الأول من أيار/مايو الجاري، نص على عودة اللاجئين وتهيئة الظروف لهم داخل البلاد.

وزير الصناعة السوري عبد القادر جوخدار، وقّع مع ممثل المنظمة التابعة للأمم المتحدة الـ”يونيدو” إيمانويل كالنري، مطلع الأسبوع الفائت، مذكرة تفاهم حول إطلاق المشروع الريادي لتنشيط قطاع الصناعات الغذائية الزراعية في سوريا بدعم وتمويل من روسيا. 

المشروع يهدف إلى تنشيط قطاع الصناعات الغذائية الزراعية من خلال تعزيز قدرات المراكز الفنية الداعمة لهذه الصناعات، والخدمات التي تقدمها بالتوازي مع تطوير الشركات المعنية ومنتجاتها وتعزيز قدراتها التنافسية.

مشاريع التعافي المبكر وعودة اللاجئين

مشاريع الإنعاش المبكر هي وسيلة فعالة لتأمين الأموال من المنظمات الدولية، على عكس مشاريع إعادة الإعمار، التي تتضمن عادة قروضا قابلة للسداد، وغالبا ما يتم تقديم مشاريع الإنعاش المبكر كمساعدات. هذه الآلية تمكّن الحكومة السورية من تطوير آليات الإنفاق التي تسهل الحصول على التمويل.

جانب من لقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والرئيس السوري بشار الأسد - إنترنت
جانب من لقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والرئيس السوري بشار الأسد – إنترنت

مشاريع الإنعاش المبكر التي تدعمها الدول العربية بقيادة السعودية، بحسب حديث النائب الأردني وعضو اللجنة السورية – الأردنية، الدكتور هاني السرحان لـ”الحل نت”، لها أيضا تأثير كبير على تسهيل عودة اللاجئين السوريين. إذ إن خلق بيئة مواتية للعودة أمر ضروري لإعادة بناء المجتمعات الممزقة وتمكين النازحين من إعادة بناء حياتهم. 

“خارطة الطريق” التي قدمتها وزارة الخارجية التركية لا تحمل أهمية كبيرة لعودة اللاجئين السوريين بقدر ما تطرحه المبادرة العربية، لأنها لا تحدد خطة شاملة لإعادتهم إلى الوطن بل تندرج تحت بند المساومة. بينما الخارطة العربية بحسب الفرحان توفر إطارا استراتيجيا يتضمن تحديد المناطق الآمنة والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة، مما يضمن عملية منظمة لعودتهم.

بناء على هذا التحديد ستشمل الخطة برامج التعافي المبكر والتي تعالج الشواغل الأمنية، وضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية، وإنشاء آليات لحماية حقوق ورفاه اللاجئين العائدين. كما تتضمن الخطة أيضا تنسيقا وثيقا مع أصحاب المصلحة المعنيين للتخفيف من المخاطر المحتملة وتقديم الدعم اللازم أثناء عملية الإعادة إلى الوطن.

السعودية وفقا للسرحان أظهرت دعمها لعودة اللاجئين السوريين من خلال التزامها بمشاريع الانتعاش الاقتصادي في سوريا، ومن خلال التعهد بدعم هذه المشاريع، تهدف الرياض إلى خلق ظروف تعزز الاستقرار، وتطوير البنية التحتية، وتوفير الفرص الاقتصادية للاجئين العائدين.

من المتوقع أن تلعب مشاريع التعافي الاقتصادي في سوريا، بدعم السعودية والدول العربية دورا حيويا في التحول الشامل للبلاد، ويمكن أن تساهم هذه المشاريع في إعادة بناء البنية التحتية الحيوية، وتنشيط الاقتصادات المحلية، وخلق فرص العمل، وتحسين الظروف المعيشية للسكان العائدين؛ حيث تهدف المشاريع إلى نمو مستدام طويل الأجل.

قد تختلف بحسب السرحان الأنواع المحددة لمشاريع التعافي الاقتصادي التي سيتم تنفيذها في سوريا، فيمكن أن تشمل في المرحلة الأولى مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك تطوير البنية التحتية، وإعادة بناء المساكن، وبرامج خلق فرص العمل الأولية والمنزلية، وتنشيط الزراعة، واستعادة الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.

تحولات كبيرة وفرص أوسع

بينما تجلب الجهود التي تقودها السعودية الأمل في التعافي المبكر وعودة اللاجئين، لا تزال هناك العديد من التحديات، إذ تتطلب الديناميكيات السياسية والأمنية المعقّدة في سوريا التنسيق الدقيق والتعاون بين مختلف الأطراف، حيث ستكون مشاركة المنظمات الدولية مفيدة في ضمان التنفيذ الفعال، والرصد، والمساءلة للمشاريع وفق التصور العام.

الرئيس السوري بشار الأسد أثناء حضور اجتماعات جامعة الدول العربية - إنترنت
الرئيس السوري بشار الأسد أثناء حضور اجتماعات جامعة الدول العربية – إنترنت

مشاريع الدول العربية للانتعاش الاقتصادي تتوافق مع الأهداف المعلنة لتحقيق الاستقرار في سوريا ودعم عودة اللاجئين من خلال معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية وفق السرحان. حيث أن الهدف الرئيسي لهذه المشاريع هو خلق بيئة تشجّع اللاجئين على إعادة بناء حياتهم وإعادة الاندماج في مجتمعاتهم، وفي نهاية المطاف تعزيز الاستقرار والاكتفاء الذاتي.

وفقا للرؤية العربية يمكن أن يكون لعودة اللاجئين السوريين تأثير كبير على الديناميكيات السياسية والاجتماعية العامة داخل البلاد بخلاف الرؤية التركية التي تريد فقط إعادة اللاجئين واستثمار هذه الورقة في عملية الانتخابات وجلب التمويل للحكومة التركية. 

المشاركة الاستباقية للمملكة السعودية والجهات الفاعلة الدولية الأخرى في دعم التعافي المبكر وعودة اللاجئين السوريين تشكل وفقا للنائب الأردني سابقة لمواجهة أزمات مماثلة في جميع أنحاء العالم. إن التنفيذ الناجح لهذه المشاريع لديه القدرة على إعادة بناء الثقة، وتعزيز الاستقرار، وتمهيد الطريق للتعاون المستقبلي بين الدول العربية في المناطق التي تعاني من النزاعات وأيضا تحقيق أهداف التنمية المستدامة وضمان الأمن في الشرق الأوسط.

التزام المملكة العربية السعودية بدعم مشاريع التعافي الاقتصادي في سوريا وقيادتها في تسهيل عودة اللاجئين السوريين يشير إلى تحولات كبيرة في المنطقة. إن التركيز على مبادرات التعافي المبكر، بالتعاون مع المنظمات الدولية، يوفر الأمل في إعادة بناء المجتمعات الممزقة واستعادة الاستقرار. 

مع استمرار التحديات، تشكل المبادرة الاستباقية للسعودية نموذجا للتعاون الدولي وتوضح إمكانية معالجة أزمات مماثلة في جميع أنحاء العالم. ومع استمرار الجهود، فإن التعافي المبكر وعودة اللاجئين السوريين بتوجيه عربي يوفّران بارقة أمل في مستقبل أكثر استدامة للاجئين السوريين سواء في دول العربية وحتى القابعين في تركيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة