زيارات متعددة ومتتالية تدور في فلك الدول الأربع (سوريا وإيران وروسيا وتركيا)، وهذه الزيارات وإن كانت ظاهرها ضمن السياق الدبلوماسي وإيصال التضامن مع ضحايا الزلزال الذي ضرب كل من سوريا وتركيا مؤخرا، إلا أن الهدف واحد وراء كل هذه التحركات ويدور حول الاجتماع الرباعي المرتقب في موسكو بشأن الأزمة السورية والتقارب التركي السوري.

بعد أيام من إعلان موسكو عن الإعداد لاجتماع يضم وزراء خارجية الدول الأربعة، أكدت أنقرة موافقة بلادها على انضمام إيران للاجتماعات الثلاثية بين تركيا وسوريا وروسيا، فيما رحبت طهران من جهتها بصيغة هذا الحوار الرباعي. وذلك عقب زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لتركيا ومن ثم سوريا. وفي مقابل ذلك ثمة تسريبات خرجت خلال الأيام الماضية تتحدث عن زيارة مرتقبة للرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا خلال الفترة القليلة القادمة.

إذاً، ثمة تحركات عديدة ومتسارعة على مستوى هذه الدول الأربعة، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات جمّة حول أسباب تأخر هذا الاجتماع، فيما إذا كان بدواعي الزلزال أم هناك مطالب لأطراف أخرى لحين التوصل إلى صيغة توافقية لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، وتساؤل حول نظرة أنقرة إلى دور طهران في هذا السياق، ومدى احتمالية أن يتطور الاجتماع إلى مستوى وزراء أو حتى قادة، وإذا ما ثمة توافق بين إيران وتركيا بشأن الاتفاق والتقارب الكامل بين دمشق وأنقرة.

طهران لديها طلبات؟

يوم الأربعاء الماضي أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن موسكو ستحتضن الأسبوع المقبل اجتماعا رباعيا بين تركيا وروسيا وإيران والحكومة السورية، تمهيدا لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية. وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أكد جاويش أوغلو نية بلاده حضور الاجتماع الذي تحضره إيران أيضا، لافتا إلى أن مؤتمر “أستانا” هو الصيغة الوحيدة الباقية للتوصل إلى حل في سوريا.

جاويش أوغلو، أكد موافقة بلاده على انضمام إيران للاجتماعات الثلاثية بين تركيا وسوريا وروسيا، فيما رحب عبد اللهيان بصيغة الحوار الرباعية. ولفت الوزير التركي إلى أنه سيتم عقد اجتماع تقني الأسبوع المقبل في موسكو بمشاركة إيران، موضحا أن الاجتماع يهدف إلى التحضير والإعداد للاجتماع المقبل على مستوى وزراء الخارجية. مبينا أن الاجتماع ينعقد باقتراح من روسيا، وأنه سيرسل نائبه إلى موسكو للمشاركة في الاجتماع التمهيدي الذي سيحضره الجانب الإيراني.

عبد اللهيان، قال إن العلاقة مع أنقرة علاقة شراكة أكثر من كونها علاقة تنافس إقليمي، وأن بلاده تدعم التقارب التركي السوري، مضيفا أن طهران تعتبر أمن تركيا جزءا من أمنها القومي. وأفاد أيضا بأن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يعتزم زيارة أنقرة قريبا، وهذه الزيارة ستنقل علاقات البلدين إلى مرحلة جديدة، بحسب تعبيره.

الكاتب والمحلل السياسي، حسن النيفي، يوضح لموقع “الحل نت”، أنه ربما كان الزلزال سببا في تأخر انعقاد هذا اللقاء الرباعي في موسكو ولكن يمكن التأكيد أيضا على أن السبب الأهم في التأخير هو حرص الأطراف المجتمعة وخاصة موسكو وتركيا على إنجاح اللقاء، لذلك ربما كان التأجيل بسبب محادثات وتفاهمات بينية بينهما.

قد يهمك: زيارة مرتقبة للأسد إلى موسكو.. أوامر روسية جديدة بشأن التطبيع والاقتصاد؟

أسباب تأخر اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث؛ سوريا وتركيا وروسيا، بعد انعقاد اجتماعا ثلاثيا على مستوى وزراء الدفاع في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بسبب المطلب الإيراني بالانضمام إلى هذه المفاوضات، وأن تركيا لم تتعامل في البداية بإيجابية مع مشاركة طهران في هذه المحادثات، لاعتقادها أنها ستصبح أضعف في مواجهة طهران وموسكو معا، وبالتالي ربما فضلت الاجتماع مباشرة مع دمشق.

نظرة للدور الإيراني

في سياق متّصل، وخلال مؤتمر صحافي مع نظيره السوري فيصل المقداد، عبَّر عبد اللهيان، عن ترحيب طهران بالاجتماعات المرتقبة في موسكو لوفود من سوريا وتركيا وروسيا وإيران بهدف الوصول إلى تعاون متزايد للخروج من الأزمات، وفقا لـ”وكالة الأنباء السورية” (سانا).

عبد اللهيان شدد على ضرورة احترام وحدة سوريا وخروج القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي على أراضيها، وأن بلاده ستبذل جهدها لتقريب وجهات النظر بين سوريا وتركيا، لافتا إلى أن طهران ترحب بـ”التطور الإيجابي في المواقف الإقليمية والدولية تجاه سوريا، واستعادة دورها المهم في المنطقة”.

هذا يدلل دون أدنى شك مدى هيمنة الإيرانيين على حكومة دمشق وإمكانية ممارسة ضغوط عليها. وبالنظر إلى تبعية دمشق للجانب الروسي، ولأن لدى روسيا مصلحة في هذا التقارب، ظنا منها أنها ستقوض دور الولايات المتحدة الأميركية في سوريا طلبت أيضا من الجانب التركي الترحيب بالإيرانيين، على الرغم من أن تركيا ليست راضية بالكامل عن مشاركة طهران، لكنها وافقت. ويبدو أن “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في أنقرة مضطر لهذه الموافقة، نظرا لأهمية هذا التقارب في الانتخابات الرئاسية التركية القادمة.

بالعودة إلى النيفي، فإنه يشير إلى أن تركيا لا تنظر الى أي نفوذ إيراني بارتياح ولديها خشية من امتداد النفوذ الشيعي الى أراضيها، ولكنها لا تستطيع الاستغناء عن إيران كونها الطرف الأكثر وصاية وسيطرة على قرار الرئيس الأسد في دمشق.

تأكيدا على مدى تبعية دمشق لإيران وروسيا، قال وزير الخارجية السوري إن التنسيق بين دمشق وطهران متواصل على أعلى المستويات، وأضاف “نحن متفقان على أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في المنطقة مع تواجد الاحتلال الأجنبي على أراضيها”. وكذلك رحّب الأسد، بانضمام إيران إلى جهود التقارب التركي السوري، مؤكدا على أن المحادثات مع تركيا “يجب أن يكون لها أجندة محددة وواضحة”.

هذا الحديث جاء ذلك خلال استقبال الأسد لعبد اللهيان، والوفد المرافق له، الذي زار سوريا يوم الخميس الماضي. ومن ثم زار وفد إيراني، يترأسه وزير الخارجية الإيراني الأماكن المتضررة بالزلزال في اللاذقية، وذلك في رابع زيارة يجريها مسؤولون إيرانيون، بعد زلزال 6 شباط/فبراير، دون وجود ممثلين لحكومة دمشق.

في العادة تفقد المناطق المنكوبة تكون من إحدى مهام الحكومات المحلية وليس الدول الزائرة والوفود الخاصة بها، ولكن الزيارات الإيرانية بهذا الحجم لأماكن الزلزال بسوريا يكشف مدى حجم النفوذ الإيراني في سوريا، وتبعية دمشق له.

ما احتمالية التوصل إلى توافق؟

في السياق، لا شك أن موسكو تسعى لنفي فكرة أن الأسد محاصر دوليا عبر تعزيز زياراته إلى الخارج، مشيرة إلى أن زيارة الأسد المرتقبة لروسا تتزامن مع التحضيرات الروسية لعقد اجتماع رباعي مشترك مع تركيا وإيران. بالتالي فإن ملف التطبيع سيكون من الملفات الرئيسية التي سيتم بحثها في الزيارة القادمة، واحتمالية أن يحدث تقارب بين أنقرة ودمشق ليس مستبعدا كما يخطط لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

قد يهمك: رئيس هيئة الأركان الأميركية في سوريا.. رسائل لأطراف متعددة؟

المحلل السياسي السوري، النيفي، يعتقد أن لدى الأطراف الأربعة حرص على أن يكون اللقاء المقبل على مستوى وزراء الخارجية، ولكن هذا مرهون أيضا بقدرة روسيا وإيران على ضبط سلوك “نظام الأسد وعدم وضعه شروط مسبقة”.

غير أن ما تريده إيران لا يخفى على أحد، تريد عدم المساس بمصير الأسد وتحاشي المطالبة بتفعيل حقيقي للقرار الدولي “2254”، وما تريده من تركيا هو إجبار المعارضة والسوريين العودة لحضن الأسد وربما الاعتذار منه أيضا، وهذا لا يعني أن ثمة توافق مسبق بين طهران وأنقرة، ولكن وفق تقدير النيفي فإن الرؤى متباعدة ولكن في الوقت ذاته لا ترغب أنقرة بغياب طهران عن المشهد.

مما لا شك فيه أن الاجتماع الرباعي المرتقب لن يقتصر على إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، بل سيكون التواصل بشكل عام وحول الحل السياسي بشأن سوريا والانفتاح العربي الأخير على الأسد إلى جانب قضايا أخرى في المشهد السوري.

أيضا، لا يمكن التغاضي عن الزيارة المباغتة مؤخرا لرئيس “هيئة الأركان الأميركية المشتركة” الجنرال مارك ميلي، لشمال شرقي سوريا، حيث أنها ردّ واضح على موسكو ومحاولاتها للحدّ من النفوذ الأميركي في شرق الفرات من خلال رعايتها لخطة التطبيع بين أنقرة ودمشق.

كما أنها رسالة أميركية إلى حليفها التركي في “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو)، بشأن عدم الرضا عن عملية التطبيع مع الأسد. وأن واشنطن تواصل دعم حليفتها “قسد” وخطتها الاستراتيجية للحفاظ على قواتها وقواعدها العسكرية في شمال شرقي سوريا ودعم الأكراد في الحرب ضد إرهاب “داعش”، الذي لا يزال خطره قائم بالمنطقة.

من ثم فإن توقيت الزيارة لم يكن عشوائيا من الجانب الأميركي، إذ لا شك أنها تعتبر بمثابة رسائل صريحة لكافة هذه الأطراف وبأن موقفه لم يتغير فيما يخص سياسته تجاه سوريا وتحديدا الأسد، وزيادة التأكيد على استراتيجيته وسياسته خاصة لجهة دعم حلفائه من “قسد”.

عليه، فإن هذا يقود بالحديث عن وجود عقبات أمام التقارب بين أنقرة ودمشق، وبالتالي فإن فرص تحقيق التطبيع التركي السوري الكامل مستبعدة في هذا الاجتماع الرباعي القادم وربما لاحقا أيضا، خاصة وأن مفتاح الحل السوري ليست في يد أنقرة ولا إعادة علاقاتها مع دمشق، حتى لو كانت بوساطة روسيا وإيران، لأن المشكلة الجوهرية هي أن القضية السورية لا يبدو أنها قضية يمكن حلها من خلال هؤلاء الأطراف الأربعة كما يتوهمون، ذلك لأن الغرب يرفضون أي خطوة تجاه الحكومة السورية بقيادة الأسد ما لم تغير من سلوكها وتطبيق القرار الدولي “2254”.

إلى جانب التقاء هذه الأطراف الثلاثة (موسكو وأنقرة وطهران) لأكثر من سبع جولات وعلى مدى سنوات عديدة في ما يسمى بمسار “أستانا”، إلا أنها لم تسفر عن أية نتائج أو حلول وأطر توافقية فيما يتعلق بالملف السوري، بل زادت من تعقيد الأزمة السورية وأطالت من عمرها، وبالتالي فإن انضمام الأسد لهذا المحور ليس بشيء جديد أو لن يضيف إضافات سحرية حتى ينجح.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.