بالنظر إلى أهميتها البالغة من الناحية الاستراتيجية من بين المناطق الأوكرانية التي ضمتها روسيا، شكّل انسحاب الجيش الروسي من مدينة خيرسون انتكاسة كبيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما فتحت باب التكهنات حول مجريات الحرب التي شنّها على أوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، لاسيما فيما يتعلق بمصير شبه جزيرة القرم التي احتلتها القوات الروسية في العام 2014.

مدينة خيرسون كانت العاصمة الإقليمية الوحيدة حيث كان عدد سكانها يتجاوز مليون نسمة قبل أن تستولي عليها القوات الروسية منذ بدء الغزو في 24 شباط/فبراير.

إضافة إلى ذلك، تضم منطقة خيرسون مصب نهر دنيبرو الواسع الذي يقسم أوكرانيا، وتقع على الضفة الغربية للنهر. كما كانت المكان الوحيد الذي تواجدت فيه القوات الروسية على الضفة الغربية وعززت تواجدها بكثافة هناك في الأشهر القليلة الماضية.

منطقة خيرسون تطل على البحر الأسود، واستعادتها ستساعد كييف على استعادة السيطرة على بعض المناطق على طول ساحل البحر الذي يُعد شريانا مهما لتصدير سلعها الغذائية للأسواق الخارجية، لذلك أن من الواضح خسارة خيرسون وجسر خيرسون ستكون لها عواقب على صورة روسيا وتواجدها في أوكرانيا.

اقرأ/ي أيضا: من شرق القارة السمراء إلى غربها.. الإرهاب يتصاعد عبر إفريقيا؟

خيرسون مفتاح جزيرة القرم

علاوة على ذلك، فأن النقطة الأهم في ذلك تتعلق بمجريات الصراع ومدياته، بخاصة وأن المنطقة تسيطر على كل من الطريق البري الوحيد المؤدي إلى شبه جزيرة القرم، كما توفر لموسكو رابطا من خلال جسر بري مع شبه الجزيرة، وهو ما يعتقد بسببه خبراء أنه سيترتب على استعادة كييف السيطرة على خيرسون، حرمان موسكو من هذا الممر البري، كما وسيعني ذلك أيضا اقتراب المدفعية الأوكرانية بعيدة المدى من شبه جزيرة القرم، التي تعتبرها موسكو ذات أهمية حيوية لمصالحها.

تضم شبه جزيرة القرم، التي يعتبر بوتين احتلالها وإعلان ضمها إلى روسيا إنجازا رئيسيا له خلال فترة حكمه المستمر منذ أكثر من عقدين، قوة عسكرية روسية ضخمة وأسطولا في البحر الأسود، تستخدمه موسكو لاستعراض قوتها في البحر المتوسط والشرق الأوسط، الأمر الذي دفع العالم للقول، إن نجاح كييف في استعادة خيرسون يُعد نصرا استثنائيا، ومن المحتمل أن تترتب عليه نتائج أكبر.

من المؤكد أيضا، أن إمدادات المياه العذبة لشبه جزيرة القرم ستتعرض للخطر نتيجة استعادت أوكرانيا لمنطقة خيرسون. وبعد أن استولت موسكو على القرم، منعت كييف إمدادات المياه عبر قناة متفرعة من نهر دنيبرو، وعندما استولت روسيا على أجزاء من منطقة خيرسون ومنطقة زابوريجيا المجاورة إلى الشرق، تحركت على الفور لفتح القناة، وتحتاج روسيا لهذه المياه من أجل السكان المحليين والمنشآت العسكرية العديدة، كما ولري الأراضي القاحلة في شبه الجزيرة.

بحسب حوار نشرته “الجزيرة نت” مع أحد الخبراء في “ويست بوينت” أشهر أكاديمية عسكرية أميركية، يشكل انسحاب روسيا من خيرسون انتكاسة عسكرية وسياسية كبرى لموسكو. ولأن الإعلان عنه جاء في وقت مبكر، فهو لم يشبه ظاهريا الانسحاب الكارثي من منطقة خاركيف، إلا أن الدلائل تشير إلى أن القوات الروسية المتبقية في خيرسون لم تكن تتوقعه، وجرى الانسحاب على نحو غير منظم للغاية أيضا.

اقرأ/ي أيضا: قيادة أوروبا بين فرنسا وألمانيا.. ما أثر الخلاف على الاتحاد الأوروبي؟

روسيا في أضعف أوقاتها

كذلك يؤكد ما رأيناه مؤخرا؛ أن الجيش الروسي لا يزال يعاني ضعف القيادة والمعدات والخدمات اللوجستية والروح المعنوية، ومن المرجح أن يؤدي الانسحاب من خيرسون إلى تفاقم كل هذه الظروف مع تآكل قدرة روسيا على مواصلة جهودها الحربية في أوكرانيا، وفق ما جاء في الحوار.

كما أكد الحوار، أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن بوتين، يدرك أن روسيا تخسر الحرب، فهو وجنرالاته غير قادرين على هندسة الانتصارات العسكرية في ساحة المعركة، لذلك يشنون ضربات مدمرة ضد المدنيين، وهو ما فاقم من يأس روسيا مع كل تقدم أوكراني في الشرق والجنوب.

تأكيدا لذلك، ذكر تقرير لوكالة الصحافة العالمية “أسوشيتد برس” أن من شأن سقوط المدينة أن يمثل إذلالا آخر لموسكو بعد سلسلة من الهزائم في ساحة المعركة ونكسات أخرى، مما يزيد من محاصرة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويمهّد الطريق لتصعيد محتمل للحرب المستمرة منذ ما يقرب من ثمانية أشهر.

يُشار إلى أن خسارة خيرسون بالنسبة لأوكرانيا كانت خسارتها ضربة كبيرة بسبب موقعها على نهر دنيبر، بالقرب من مصب البحر الأسود، بالإضافة إلى دورها كمركز صناعي رئيسي، لذلك تحدى مقاتلو المقاومة الأوكرانية القوات الروسية للسيطرة على المدينة منذ ذلك الحين مع أعمال تخريب واغتيال لمسؤولين عينتهم موسكو.

خلال الصيف، شنت القوات الأوكرانية هجمات لا هوادة فيها لاستعادة أجزاء من المقاطعة، التي تسمى أيضا خيرسون وواحدة من أربع مناطق ضمتها روسيا بشكل غير قانوني بعد استفتاءات صورية الشهر الماضي.

أوكرانيا والهدف نحو جزيرة القرم

أوكرانيا استخدمت قاذفات صواريخ “هيمارس” التي قدمتها الولايات المتحدة لضرب جسر رئيسي على نهر دنيبر في خيرسون بشكل متكرر وسدّ كبير يُستخدم أيضا كنقطة عبور، وأجبرت الضربات روسيا على الاعتماد على الطوافات والعبّارات التي استهدفتها أوكرانيا أيضا، وهو وما عطّل روابط الإمداد بخيرسون ومجموعة القوات الروسية على الضفة الغربية لنهر دنيبر ويجعلهم عرضة للتطويق.

على ما يبدو أن تركيز القوات الأوكرانية على استعادة شبه جزيرة القرم جدّيا، إذ أنها وما بعد تفاقم النقص نتيجة تفجير شاحنة مفخخة في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر جزءا من جسر كيرتش الاستراتيجي الذي يربط البر الرئيسي لروسيا بشبه جزيرة القرم، وهو جسر كان بمثابة مركز إمداد رئيسي للقوات الروسية في الجنوب، تسعى كييف جاهدة إلى تضيق الخناق وعزل القوات الروسية في القرم.

بالتالي أن مثل هذه الخطوة ستوجه ضربة مدمرة لاقتصاد روسيا، ما سيضطر موسكو لبناء ممر بري إلى منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا، موطن قاعدة عسكرية روسية رئيسية، بيد أن خسارة خيرسون حولت كل أحلام “الكرملين” الجنوبية إلى غبار.

تُعد خيرسون مفتاح المنطقة الجنوبية بأكملها، مما سيسمح لسيطرة أوكرانيا عليها باستهداف طرق الإمداد الرئيسية للقوات الروسية، لذلك فأن استعادة خيرسون بالنسبة لأوكرانيا، من شأنها أن تمهّد الطريق لاستعادة الجزء الذي تسيطر عليه روسيا من منطقة زابوريجيا ومناطق أخرى في الجنوب، وفي النهاية العودة إلى شبه جزيرة القرم.

اقرأ/ي أيضا: فرنسا وطبيعة التواجد في إفريقيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة